شؤون إسرائيلية

إسرائيل في الصراع الأذري الأرميني

رندة حيدر *- 10/10/2020

أعاد الصراع العسكري الدائر بين أرمينيا وأذربيجان في إقليم ناغورنو كاراباخ خلط أوراق التحالفات بين الدول بصورة تبدو سوريالية، حيث نجد أذربيجان، الدولة العلمانية ذات الأغلبية الشيعية، تحظى بدعم تركيا الدولة السنّية، ومساعدة إسرائيل التي تشكّل أكبر مصدّر للسلاح إلى هذا البلد، فيما هي على خلاف عميق مع تركيا منذ سنوات بسبب سياسات الرئيس أردوغان المعادية لها. أما أرمينيا، الدولة ذات الأكثرية المسيحية الأرثوذكسية، فتحظى بدعم إيران الدولة ذات الغالبية الشيعية، مع العلم أن ربع سكان إيران هم من أصل أذري، من بينهم المرشد الأعلى، علي خامنئي. أما روسيا، قائدة العالم المسيحي الأرثوذكسي التي تحاول الوقوف على الحياد، والتوسط بين الطرفين، فإنها تدعم ضمناً أرمينيا الأرثوذكسية، ويمكن في حال استمرار المعارك أن تدخل في مواجهةٍ مع تركيا، وأن تختلف مع إسرائيل، الأمر الذي قد يضر بمصالح إسرائيل وتفاهماتها مع الروس، خصوصاً في سورية.

“يقوم الموقف الإسرائيلي من الصراع الدائر في إقليم ناغورنو كاراباخ على مزيج من مصالح مادية اقتصادية ومصالح استراتيجية بعيدة الأمد “.

يقوم الموقف الإسرائيلي من الصراع الدائر في إقليم ناغورنو كاراباخ على مزيج من مصالح مادية اقتصادية ومصالح استراتيجية بعيدة الأمد. على الرغم من إعلان إسرائيل الوقوف على الحياد، وعدم الانحياز إلى طرف دون الآخر منذ نشوب المعارك، كان فاضحاً هبوط أربع طائرات أليوشن أذرية قبل اندلاع المعارك وبعده في مطار عسكري في جنوب إسرائيل، للتزوّد بالسلاح الإسرائيلي. الأمر الذي دفع أرمينيا إلى الإعراب عن استيائها واحتجاجها، من خلال استدعاء سفيرها هناك، على الرغم من عدم مرور شهر على سفارتها هناك.

وعلى الرغم من العلاقات الجيدة التي تربط إسرائيل بأرمينيا، فإن علاقاتها بأذربيجان أقوى وتقوم على مصالح استراتيجية مهمة وأساسية، هذا على الرغم من أن أذربيجان هي بين الدول التي اعترفت بالدولة الفلسطينية، وتصوّت دائما إلى جانب الفلسطينيين في المحافل الدولية.
“دور إسرائيل في الصراع الدائر هو دور تاجر السلاح الذي لا يهمه أين وكيف وضد من يستخدم هذا السلاح “.

وتعتبر إسرائيل أذربيجان حليفة استراتيجية مهمة، لعدة أسباب، أهمها: أنها الدولة الشيعية الوحيدة التي لها علاقات علنية مع إسرائيل منذ انهيار الاتحاد السوفياتي في التسعينيات. ومن أكبر الدول المستوردة للسلاح من إسرائيل. وبالإستناد إلى كلام الرئيس الأذري، إلهام حيدر علييف، في 2016 بلغت صفقات السلاح التي اشترتها بلاده من إسرائيل أكثر من خمسة مليارت دولار. من جهة أخرى، تستورد إسرائيل نصف نفطها من أذربيجان. ولكن الأهم من هذا كله قرب أذربيجان الجغرافي من إيران واستخدامها من إسرائيل منصّة لجمع المعلومات الاستخبارية عن إيران، ونشاطات سرية أخرى.

على سبيل المثال، وبالاستناد إلى مصادر أجنبية، وضعت أذربيجان مهبطاً للطائرات في تصرف إسرائيل في حال قرّرت مهاجمة إيران. تحدثت تقارير أخرى عن أن سرقة جهاز المخابرات الإسرائيلية (الموساد) وثائق كثيرة من أرشيف البرنامج النووي الإيراني، في يناير/ كانون الثاني 2018، جرت بمساعدة أذرية. تضاف إلى ذلك شكوك أذربيجان في أن لإيران مطامع في قسمها الجنوبي، ما يجعلها تشارك إسرائيل عداءها إيران. كما يمكن الإشارة إلى مسألة أخرى هي وجود قرابة 20 ألفاً إلى 30 ألف يهودي في أذربيجان، مقابل بضع مئات من اليهود (قرابة ثلاثة آلاف) في أرمينيا.

“علاقات إسرائيل بأرمينيا جيدة، لكن علاقاتها بأذربيجان أقوى وتقوم على مصالح استراتيجية “.

دور إسرائيل في الصراع الدائر هو دور تاجر السلاح الذي لا يهمه أين وكيف وضد من يستخدم هذا السلاح، لكن تعقّد صورة التحالفات وتداخلها، واحتمال تعريض علاقات إسرائيل للخطر مع دول صديقة لها جرّاء دعمها أذربيجان بالسلاح، فرضت عليها، في الفترة الأخيرة، إعادة التفكير في مقاربتها هذا الصراع بصورةٍ لا تؤذي مصالحها الإستراتيجية البعيدة، سيما مع روسيا، وعدم تورّطها هناك إلى جانب تركيا، في وقت تشهد العلاقات الإسرائيلية التركية تدهوراً كبيراً.

ويقترح محللون في إسرائيل الإبتعاد موقتاً عن أذربيجان، واستبدال النفط الذي تستورده إسرائيل منها باستيراد النفط من دول الخليج، وتعليق بيع السلاح إلى الجيش الأذري خلال فترة المعارك. ولكن هذا لا يحلّ مسائل أخرى مهمة جداً، مثل التعاون الاستخباراتي ضد إيران. .. ويلقي الدور الإسرائيلي في الصراع الأذري الأرميني الضوء مجدّداً على الإزدواجية الهائلة واللاأخلاقية التي تتصرّف فيها إسرائيل إزاء دولٍ تدّعي أنها صديقة لها مثل أرمينيا، فهي من جهةٍ تبيع السلاح إلى دولة مثل أذربيجان يتسبّب في قتل المدنيين في إقليم ناغورنو كاراباخ. ومن جهة أخرى، يعلن المسؤولون فيها عن أسفهم لسقوط ضحايا مدنيين قتلوا بسلاح إسرائيلي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى