إسرائيل اليوم: وقف إطلاق النار هو فرصة لحساب نفس عميق

إسرائيل اليوم 19/1/2025، يوآف ليمور: وقف إطلاق النار هو فرصة لحساب نفس عميق
اتفاق تحرير المخطوفين وقف النار هو حقيقة ناجزة، حاليا على الأقل: المخطوفون سيعودون الى الديار، السجناء الفلسطينيون سيتحررون، مواطنون غزيون سيعودون الى شمال القطاع وحماس ستتعزز وستحافظ على حكمها.
ينبغي الامل في أن ينفذ الاتفاق بكامله. هذا ليس مضمونا مسبقا. حماس هي عدو وحشي، متلاعب، ستضع المصاعب وستحاول التراجع عن التوافقات كما فعلت في الماضي. التأخير في نقل أسماء المخطوفات اللواتي سيتحررن اليوم هو عينة أولى لما ينتظرنا لاحقا. سنحتاج لاعصاب من حديد كي نتجاوز هذه الأسابيع وما سيأتي معها – الاشباح التي ستعود من غزة، استفزاز المخربين الذين سيتحررون والقول المرتقب من حماس بانها انتصرت في المعركة.
هذا نصر اشبه بالهزيمة بالطبع. غزة خربة وغير مناسبة في معظمها لسكن الانسان. نحو 45 الف فلسطيني قتلوا في الحرب ونحو 100 الف أصيبوا. امل يحيى السنوار في وحدة جبهات تخنق إسرائيل انقلب عليه وعلى اسياده الإيرانيين، الذين فقدوا مقدرات وحلفاء كثيرين في المنطقة. ولا يزال، حماس لم تنهار: خير تفعل إسرائيل اذا ما استغلت الفترة القريبة القادمة كي تفهم ما فشلت في عمله حتى الان.
الطريق الى هناك اكثر تعقيدا من الوعود العليلة بـ “استئناف الحرب”. أولا، لانه ليس مؤكدا انها ستستأنف: الإدارة المنصرفة والوافدة في واشنطن تتحدثان صراحة عن ان الحرب انتهت، وستكون حاجة الى أسباب استثنائية كي يعطى إسرائيل ضوء اخضر لاستئنافها.
ثانيا، لانه اذا ما استؤنفت الحرب، فلن تكون لإسرائيل طريق لتحرير المخطوفين الاحياء والاموات المتبقين في غزة: على أي حال يوجد أيضا اخفاق منطقي واضح بين مطلب الجناح اليميني في الحكومة لاعادة “الجميع” وبين طلبه الموازي للعودة للقتال بين المراحل – وضمنا للتخلي عن باقي المخطوفين.
وثالثا، لانه حتى اذا ما استؤنف القتال فليس فيه بحد ذاته ما يقوض حكم حماس. لقد هزم الجيش الإسرائيلي حماس عسكريا قبل نحو نصف سنة لكن المنظمة عادت ورممت نفسها لان إسرائيل تفشل في العثور وعلى الدفع قدما ببديل سلطوي في غزة.
ماذا ستريد إسرائيل
هذا فشل مدوٍ، أسبابه سياسية صرفة. نتيجته الفورية هي ان السكان الفلسطينيين الذين سيعودون الى بيوتهم سيلتقون حكم حماس إياه الذي ادار حياتهم. النتيجة بعيدة المدى لحماس إياها ستبدأ فورا بتعاظمها العسكري المتجدد كي تحصن نفسها لمواصلة الكفاح. من سيرغب في كسر شوكتها في المستقبل سيحتاج الى اكثر من الطائرات، الدبابات والوية المشاة: سيحتاج الى خطة مرتبة بقيادة أمريكية ومع اسناد غربي – عربي يمكن أن تتضمن أيضا صفقة أوسع من التطبيع مع السعودية ورزمة مساعدات عسكرية واقتصادية سخية.
إدارة ترامب تطلق إشارات بانها مستعدة لمثل هذه الخطوة. حماس ستعارض بالطبع والسؤال هو ما الذي تريده إسرائيل. نتنياهو اطلق في الأيام الأخيرة تلميحات متضاربة، يخيل أنه يعتقد انه سينجح كما هو دوما في أن يتمتع بكل العوالم – ان ينفذ الصفقة وان يحافظ على حكومته في نفس الوقت. كي يفعل هذا سيحتاج لان يرضي شركاءه فيما ان على جدول الاعمال موضوعين فوريين: قانون الاعفاء من التجنيد وتغيير رئيس الأركان وقيادة الجيش. مردودات إضافية أعطيت منذ الان بما فيها تحرير خمسة المعتقلين الإداريين اليهود. وحقيقة أنهم تحرروا خطفا، بلا تشاور مع الشباك، تدل على كم هي الحكومة مستعدة لان تضحي بشؤون الامن لاجل مواصلة وجودها.
معارك الشارع هذه داخل الحكومة وبين أطرافها المختلفة وبين الجيش، الشباك، جهاز القضاء، وسائل الاعلام والجمهور ستتسع جدا في الفترة القادمة. ومع كل أهميتها ستكون ثانوية امام الموضوع الهام الحقيقي: العودة الى الديار لـ 33 مخطوفا، معظمهم احياء، تخلت عنهم اسرائيل في 7 أكتوبر وفي كل يوم مر منذئذ.
السير على الخط مع الواقع
في الأيام الأخيرة يجري جدال هل كان ممكنا الوصول الى اتفاق في شهر أيار من العام الماضي. معارضو نتنياهو يدعون أن نعم، مؤيدوه يدعون أن لا. من حيث الحقائق، الأساس للاتفاق الحالي هو “وثيقة نتنياهو في 27 أيار 2024 التي لم تنضح حتى الان لمفاوضات جدية. معارضو نتنياهو يدعون بان السبب في ذلك هو ما ادخله نتنياهو من شروط للعملية. مؤيدوه يدعون بان حماس لم تكن ابدا شريكا لما كان مكتوبا في الاتفاق.
لقد نجحت إسرائيل في الأيام الأخيرة في أن تدخل الى الاتفاق تحسينات هامة واساسا في عدد المخطوفين الاحياء الذين سيعودون في المرحلة الأولى. بالمقابل لم تنجح في منع عودة الفلسطينيين الى شمال القطاع او انسحاب الجيش من محور نتساريم (فورا) ومن محور فيلادلفيا (لاحقا). كما أن المنطقة العازلة الأمنية ستكون اضيق مما ارادتها إسرائيل. وبين السجناء الأمنيين الذين سيتحرروا يوجد قتلة سفلة على نحو خاص.
هذه طبيعة المفاوضات. الطرفان يحاولان تعظيمها في صالحهما. من وعد بضربة قاضية (او نصر مطلق) مطالب ان يسير على الخط مع الواقع. وقف النار هو زمن جيد لحساب نفس عميق، لشد المنظمات وتشكيل لجنة تحقيق رسمية التي الى جانب استكمال التحقيقات في الجيش ستستوضح ملابسات الإخفاق الأكبر في تاريخ الدولة – قصور جراحه لن تشفى حتى عودة عموم المخطوفين الى الديار – الطريق الى هناك تبدأ اليوم.
مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook