ترجمات عبرية

إسرائيل اليوم: من السهم الأسود إلى الدرع والسهم، حلقة لا نهاية لها

إسرائيل اليوم 14-5-2023، بقلم أيال زيسر: من السهم الأسود إلى الدرع والسهم، حلقة لا نهاية لها

في شباط 1955 قبل 68 سنة، خرج الجيش الإسرائيلي إلى حملة “رمح أسود” في غزة، عملية الرد الكبرى، التي نفذها منذ “حرب الاستقلال”. جاءت العملية رداً على عمليات نفذها الفدائيون، المتسللون من القطاع إلى أراضي إسرائيل، والذين عملوا بتشجيع ورعاية المصريين الذين حكموا في حينه قطاع غزة.

تكللت العملية بالنجاح. هوجمت الأهداف وأُصيبت، وقُتل عشرات الجنود المصريين، وان كان بثمن مقتل ثمانية جنود إسرائيليين. لكن الحملة لم تمنع استمرار أعمال التسلل إلى أراضي إسرائيل، بل أدت إلى التدهور والتصعيد على طول الحدود. في نهاية الأمر ثمة خط مباشر يربط بين حملة “رمح اسود” وبين حرب السويس في تشرين الأول 1956، التي خرجت إليها إسرائيل كي تضع حدا لتسللات المخربين إلى أراضيها. بعد الحرب فقط ساد هدوء مطلق في الحدود الجنوبية، استمر 11 سنة إلى أن نشبت حرب “الأيام الستة”.

ثمة خط مباشر يربط أيضا بين حملة “رمح اسود” وحملة “درع ورمح” التي خرج إليها الجيش الإسرائيلي، الأسبوع الماضي، ضد “الجهاد الإسلامي” في غزة، وهما حملتان ناجحتان تجسدان القدرة العملياتية والاستخبارية لإسرائيل، في حينه واليوم.

السؤال هو هل اليوم أيضا، مثلما في الخمسينيات، ستضطر إسرائيل في نهاية الأمر أن تخرج إلى معركة شاملة، بل ربما السيطرة على القطاع؟ في السنوات الأخيرة، يكاد الجيش الإسرائيلي يخرج في كل سنة إلى حملة في غزة ضد “الجهاد الإسلامي”، يصفي بعضا من قياداتها ويضرب أهدافا نوعية للمنظمة، وذلك فقط كي يكتشف ان من صفوا نهض لهم خلفاء ومواصلون في طريق “الجهاد الإسلامي”. نهاية كل حملة، إذاً، هي نقطة البداية للعد التنازلي نحو الحملة التالية.

هكذا في حملة “بزوغ الفجر” في آب 2022، والتي صفي فيها قادة الكتائب الشمالية والجنوبية في “الجهاد” في القطاع؛ هكذا في حملة “حارس الأسوار” في أيار 2021، والتي قاتل فيها الجيش الإسرائيلي ضد “حماس” و”الجهاد الإسلامي” وصفى بعضا من قياداتهما؛ هكذا في حملة “الحزام الأسود” في تشرين الثاني 2019، والتي صفي فيها قائد الذراع العسكري لـ”الجهاد الإسلامي” في شمال القطاع، والقائمة طويلة – “حديقة مغلقة” في العام 2019، “الجرف الصامد” في العام 2014، “عمود السحاب” و”صدى متكرر” في العام 2012، وغيرها.

رغم القائمة التي لا تنتهي، هناك معنى ومنطق في هذه الحملات، إذ إنها تعزز الردع الإسرائيلي حيال منظمات “الإرهاب”، وتمنع عمليات لو لم تفعل ذلك، كانت ستخرج إلى حيز التنفيذ. لكنها لا تعالج معالجة جذرية مشكلة “الإرهاب” من غزة.

في الخمسينيات لم تكن بلدات غلاف غزة بلدات “محيط” بل بلدات “جبهة”، وفي العمليات “الإرهابية” ضدها رأت الحكومة والجمهور الغفير نوعا من التهديد الاستراتيجي الذي ما كان يمكن المرور عليه مرور الكرام. أما اليوم فالوضع مختلف، ويخيل أننا اعتدنا، بل سلمنا بعدم الهدوء العضال على طول الحدود في الجنوب.

رد “الجهاد” على العملية – وللدقة، حقيقة انه لم يسارع إلى أن يرد “رد فعل شرطي”، يدل على أنه تعلم شيئا ما من “حزب الله”. التنظيم الشيعي هو الآخر لا يسارع إلى الرد، بل يوضح بأنه سيرد في الزمان والمكان اللذين يراهما مناسبين، يخطط بعناية خطواته، وفي هذه الأثناء تدخل إسرائيل في حالة من الشلل، التوتر، والقلق. وفي النهاية يأتي الرد ويغلق الحساب.

ولعله في واقع الأمر لبننة الوضع في الجنوب هو ما تحتاجه إسرائيل، وضع يكون فيه العدو مردوعاً، ويحرص على الحفاظ على الهدوء على طول الحدود، حتى وان لم يكن هذا هدوءاً تاما مئة في المئة. لكن إسرائيل تمنح، اليوم، حصانة لـ”حماس”، ولا تطالبها بلجم “الجهاد” ومنعها من العمليات. في مثل هذا الوضع ليس لـ”حماس” أي سبب يدعوها لتصطدم بـ”الجهاد”، وهي تسمح لخصميها، العدو الإسرائيلي والخصم السياسي الداخلي، “الجهاد الإسلامي”، ان يتصارعا الواحد ضد الآخر.

بعد عقدين من الحملات في غزة، ينبغي الاعتراف ان إسرائيل لا يوجد لها بعد جواب على تحدي غزة. لعل هناك حاجة بالتفكير من خارج الصندوق، مثلما تصرف بن غوريون ودايان في حملة “رمح أسود” وفي حرب السويس قبل نحو 70 سنة.

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى