ترجمات عبرية

إسرائيل اليوم: ما يمكن أن يتعلمه الجيش الإسرائيلي من الجيش الأوكراني

إسرائيل اليوم 23-2-2023، بقلم اللواء احتياط غيرشون هكوهن: ما يمكن أن يتعلمه الجيش الإسرائيلي من الجيش الأوكراني

عندما قرر الرئيس بوتين الشروع في الحرب في أوكرانيا كان يعرف حتماً بأنه حدث قد يخرج عن السيطرة حتى بالنسبة له. فقد توقع أن ينهي الحرب بمعركة واحدة قصيرة – “حملة خاصة” كما وصفها – واعتزم السيطرة على كييف في خطوة سريعة بقوات محملة بالطائرات والارتباط بها في حركة برية سريعة من القوات الخاصة.

إن نجاح الأوكرانيين في إحباط الهجوم الروسي في الأسبوع الأول ينبغي أن ينسب للمعلومات الاستخبارية الدقيقة التي قدمتها قوات الاستخبارات الأمريكية وللروح القتالية الشعبية. الدفاع عن كييف والقتال لإحباط إنزال المظليين في مطار إنتونوف تم في أساسه من قوات الدفاع اللوائية التي كانت في معظمها مواطنين مجندين. معركة الدفاع هذه تدل على المعنى الحرج للتفوق الاستخباري بالجودة وبالعمق في مجالات السايبر وجمع المعلومات بالأقمار الاصطناعية، التي لا تمتلكها إلا القوى العظمى، وتمنح لأوكرانيا طوال الحرب من الولايات المتحدة وبريطانيا.

من اللحظة التي أدركت فيها القيادة العليا الروسية فشل المعركة الأولى، انتقلت إلى المعركة الثانية التي تستهدف غاية استراتيجية جديدة. بدلاً من التركيز على كييف وتغيير الحكم، انتقلوا إلى احتلال منطقة متواصلة في جنوب شرق أوكرانيا، من مقاطعة دونباس وحتى شاطئ البحر الأسود عند مصب الدنيفر، يرافقه جهد استنزافي وحشي بهجمة نار في عمق مدن أوكرانيا. منطق هذه المعركة يسمح لها بأن تكون طويلة وغير متعلقة بنهاية سريعة. لكنها تطلبت على مدى الزمن احتياطاً كبيراً من القوات والمقدرات وكشفت أيضاً قيود الجيش الروسي.

للجيش الإسرائيلي مقدرات محدودة أكثر بأضعاف في حجم القوات والوسائل القتالية. مع المساعدة المعززة لأوكرانيا، فرغت أيضاً مخازن الذخيرة في الولايات المتحدة. في هذا الوضع، تبدو إسرائيل ملزمة بالعودة إلى إنتاج ذاتي سريع للذخيرة مثل قذائف الدبابات والمدفعية، التي اشترتها مؤخراً من الولايات المتحدة أساساً.

عودة الروح القومية

المفاجأة الأكبر هي استعداد الأوكرانيين للقتال في سبيل استقلالهم القومي بتضحية عليا. من جهة، نرى جيشاً كبيراً يحوز في قسم منه قدرات جد متطورة، وحتى مع مفهوم تفعيل مثير للاهتمام وتفوق واضح في عدة أبعاد. ولكن مع نقص في الدافع. يقف أمامه شعب مصمم يفهم جيداً قيوده العسكرية، لكنه يدرك نواقص خصمه، وهنا يكمن درس مهم للجيش الإسرائيلي والمجتمع الإسرائيلي.

لقد كان لتجند المواطنين الأوكرانيين مساهمة واضحة في إنجازات الدفاع، وهكذا كان تجند المجتمع الإسرائيلي في العام 1948. لكن هذا النهج هجر في العقود الأخيرة. دروس أوكرانيا تلزم إسرائيل بشكل فوري بإقامة حرس قومي وتجديد الدفاع اللوائي في الخطوط الأمامية.

ليست الحرب حملة خاصة – مثلما اكتشف الروس ومثلما اكتشف الإسرائيليون في 2006، ومثلما اكتشف الأمريكيون مرات عدة. الحملات الخاصة تنجح حين تلتقي منظومات واهنة، لكن ليس عندما تقف كتلة مصممة في وجهها، في منطقة مركبة وعلى مدى زمن آخذ في الامتداد.

الكتلة الكمية للمقاتلين الأوكرانيين، في درجات متنوعة من الخبرات، تسمح لهم بتفكيك جزء من التفوق الروسي الذي يحمل دونية كمية على طول الجبهة. لقد عمل الجيش الإسرائيلي في العقود الأخيرة بشكل مكثف على تطوير مناسب لمراكز التفوق، لكن بشكل دفعه لإهمال الاهتمام والمقدرات للحفاظ على كتلته الكمية. الحرب في أوكرانيا تطرح أسئلة حول التقنين المناسب للجيش الإسرائيلي في هذه المسألة.

بلا قليل من المداولات حول ضائقة المناورة البرية، فإنها توصف كمشكلة خاصة للغرب: وكأنها تنبع من عدم استعداد لامتصاص الخسائر، إلى جانب واجب الحذر من المس بالأبرياء. لكن يتبين في هذه الحرب أن المناورة تصبح صعبة جداً حتى مع حساسية متدنية أكثر تجاه حياة الإنسان من الجانبين. العالم ببساطة أصبح مكتظاً أكثر، وليس للجيوش قدرة على حسم الحرب فقط في القتال في المجال المفتوح خارج المدن.

في أواخر القرن العشرين قيل الكثير عن مصاعب المناورة في ضوء التطورات التكنولوجية في ميدان المعركة، بدءاً بالصاروخ المضاد للدبابات عبر الصواريخ الهجومية خلف الأفق وحتى الطائرات المُسيرة ذات السلاح الهجومي. ومع ذلك، بدون كتلة مدرعات لزخم مناورة، تصبح الجبهة حرب خنادق ثابتة، وتثبتت وتجمدت منذ الخريف من دونباس وحتى خيرسون. كل طرف يسعى لتغيير خط الجبهات سيكون مطالباً بزخم هجومي مدرع بقيادة الدبابات.

ثمة تهديد مهم آخر سيتعين على إسرائيل التصدي له في وضع الحرب، مثلما وجد تعبيره في أوكرانيا، وهو السلاح الدقيق الموجه الذي أصبح سلاحاً للجماهير. أسراب من المسيرات المتطورة وزهيدة الثمن من إنتاج إيراني تهاجم وتشل شبكة الكهرباء الأوكرانية وتدل على إمكانيات التدمير المرتقبة في الحرب للبنى التحتية القومية الحيوية.

نهاية عصر السلام

العالم اتحد في تأييده لأوكرانيا وفي موقفه القاطع من الرئيس بوتين. إن عودة الحرب إلى وعي الغرب – كحرب حقيقية وليس حملات قتالية في أماكن بعيدة أو حرب صغيرة في الساحة الخلفية الأوروبية – ضعضعت الأمل في السلام النهائي والدائم في بشرى الآخرة وإعادتها إلى أرض الواقع الحقيقي.

بعد أن أغريت الدول الأوروبية عشرات السنين على تقليص شامل لجيوشها، تبين لها مدى ضعفها في الدفاع عن النفس. في رد فعل صدمة، بخاصة في ألمانيا وبولندا، توجهوا إلى جهد سريع لإعادة بناء القوة العسكرية. ميزانيات طائلة حولت إلى مشتريات متسارعة لوسائل قتالية ستمس بلا شك بالميزانيات التي كانت مخصصة في العقود الأخيرة لأغراض المجتمع والرفاه. وفي هذا التشكل، جدير بإسرائيل أيضاً أن تعيد التفكير في طريقها بعد أن طرحت اتفاقات أوسلو وأجواء السلام العالمي مسألة “إلى متى سنعيش على حرابنا؟” مرة أخرى.

تعود دول أوروبا الغربية إلى واجبها الأولي في حمل الحراب. حتى لو انتهت الحرب في الأشهر القريبة القادمة، لن تعود أوروبا بسرعة إلى سكينتها السابقة. وعندما تتسلل رياح الحرب من أوكرانيا إلى الشرق الأوسط وتجد تعبيرها في الأمزجة وفي تعاظم الإرهاب في الساحة الفلسطينية، يجدر بدولة إسرائيل أن تفحص سريان مفعول الفرضيات الأساس التي قامت عليها ميول التسويات واتفاقات السلام في التسعينيات. ولا بد أن يوصى بإعادة النظر في حجم القوة العسكرية والوسائل اللازمة لإسرائيل للدفاع عن وجودها وأمنها.

إن المساحات الأوكرانية الواسعة تفيد مرة أخرى بالدرس الأساس عن مدى حيوية العمق الإقليمي. لـ “الخبراء العسكريين” في دولة إسرائيل، ممن مالوا في السنوات الأخيرة للتقليل من قيمة المجال الإقليمي كشرط ضروري لحدود قابلة للدفاع، نوصي بإعادة النظر في موقفهم.

لمجرد استمرار الحرب في أوكرانيا دون نهاية تبدو في الأفق – بغياب روافع التأثير لإنهائها – ثمة معنى لتقويم الوضع الإسرائيلي. حرب شاملة متعددة الجبهات وقوية متواصلة دون روافع نهاية هي التهديد الأصعب لدولة إسرائيل.

جدير بالجيش الإسرائيلي أن يستخدم “عرض الحرب” الشرق أوروبية كي يتصورنا في حدث مشابه، ثم نتعلم ونخطط على نحو أصبحت للحرب دروس لم يعترف بها هنا بعد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى