ترجمات عبرية

إسرائيل اليوم: دبلوماسية الزلازل

إسرائيل اليوم 12-2-2023، بقلم أيال زيسر: دبلوماسية الزلازل

الهزة الأرضية الشديدة التي ضربت تركيا وسوريا سببت موت عشرات الآلاف وأوقعت كارثة جسيمة بملايين السكان في المناطق المنكوبة.

لكن يتبين الآن أن مصائب قوم هي فوائد لآخرين ومدخل “لدبلوماسية الكوارث”، موضوعها استغلال نافذة الفرص التي فتحتها المأساة أمام زعماء وحكومات تلك الدول التي تضررت من الهزة أيضاً كي تحقق مصالحها.

بالنسبة لتركيا وإسرائيل كانت هذه فرصة لتسريع الجهود لتحسين العلاقات بينهما، والذي بدأ في السنة الماضية. فإلى جانب مكالمات هاتفية بين زعماء الدولتين، التي امتلأت بالصداقة والدفء، سارعت إسرائيل لإرسال بعثة مساعدة بل ومستشفى ميداني، بالضبط مثلما فعلت في الهزة الأرضية السابقة التي وقعت في تركيا في آب 1999.

ورد لنا الأتراك الجميل عند كارثة الكرمل في كانون الأول 2010، حيث بعثوا بطائرات إطفاء للمساعدة في التصدي للحريق الكبير. وكان هذا بالمناسبة بعد بضعة أشهر فقط من حدث مرمرة في أيار 2010، التي أدت إلى أزمة في العلاقات بين الدولتين. لا شك أن طائرات الإطفاء التركية ساعدت في إطفاء النيران في جبال الكرمل، بل وإطفاء النار التي اشتعلت في علاقات الدولتين.

تمسك الهزة الأرضية الحالية اردوغان بلحظة حرجة من ناحيته، قبيل انتخابات مصيرية في تركيا ستجرى في أيار المقبل، ويتبين بالمناسبة أن التقارير عن موت الديمقراطية في تركيا كانت سابقة لأوانها…)، لكن الهزة الأرضية تجده أيضاً في ذروة خطوة لتحسين علاقات تركيا مع جيرانها الذين كانت معهم على نزاع في معظم العقد الماضي. أولى تلك الدول هي إسرائيل، لكن نذكر إلى جانبها أيضاً مصر، التي سارع رئيسها عبد الفتاح السيسي للاتصال باردوغان معبراً له عن مواساته ومشاركته الحزن. التقى الرجلان خطفاً على هوامش مباريات المونديال في قطر في الصيف الماضي كجزء من “دبلوماسية كرة القدم”، التي تستغل الرياضة لتحقيق خطوات سياسية.

ونذكر بأنه، ومع كل الاحترام للهزات الأرضية التي تغير حياة الملايين في المناطق التي ضربتها، لكنها لا تغير واقعاً داخلياً وإقليمياً دفعة واحدة من الأساس. ففي أقصى الأحوال، قد تخفف أو تسرع سياقات وحراكات تكتونية في العلاقات بين الدول التي كانت ستقع على ما يبدو على أي حال، حتى وإن كان بوتيرة أخرى. والدليل أنه بخلاف الحالة التركية التي استغلت فيها الهزة الأرضية بتحقيق خطوات دبلوماسية، لكن ما حصل في سوريا أمر غير هذا، حيث تقل وسائل الإعلام من الانشغال ويكاد لا أحد يهرع لنجدتها.

فبعد كل شيء، وقعت في سوريا حرب أهلية مضرجة بالدماء في العقد الأخير، قتل خلالها نحو 600 ألف نسمة ودمرت نحو ثلاثة أرباع البنى التحتية والمباني في الدولة. من هنا ندرك لماذا لا تؤدي هزة أرضية (هزة تسببت بموت بضعة آلاف، بعضهم في المناطق التي لا يسيطر عليها النظام السوري ودمرت بضعة آلاف من المباني) إلى أي تأخير أو تقديم من ناحية نظام بشار الأسد، أو من ناحية أصدقائه وأعدائه على حد سواء.

إسرائيل، التي تلقت طلباً غير مباشر لمساعدة سوريا، ربما عبر الروس، أعلنت بأنها مستعدة لتتجند وتساعد، غير أن السوريين سارعوا للإعلان بأنهم لا يريدون هذه المساعدة. يمكن للبطانيات أو الخيام من إسرائيل أن تصل في نهاية الأمر إلى سوريا، بالضبط كما وصلت مئات آلاف حقن التطعيم إلى السوريين عبر موسكو قبل سنتين، لكن لا يفترض أن يؤدي الأمر إلى أي تغيير في السياسة السورية، مثلما أيضاً في طبيعة علاقات دمشق مع طهران.

بالفعل، يجدر بالذكر أن هزة أرضية ضربت مدينة بام في إيران في كانون الأول 2003 قتل خلالها نحو 40 ألف نسمة. استغل الإيرانيون والسوريون الحدث لدبلوماسية من نوع مختلف قليلاً. فقد طلبوا وتلقوا الإذن لجسر جوي من الطائرات التي تجلب المساعدة من سوريا إلى إيران عبر المجال الجوي العراقي الذي تتحكم به الولايات المتحدة. لكن تبين أن الطائرات لم تعد فارغة إلى سوريا، بل محملة بصواريخ إيرانية مخصصة لـ”حزب الله”. ها هو طريق آخر في الشرق الأوسط لاستغلال المصائب والكوارث الطبيعية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى