ترجمات عبرية

إسرائيل اليوم: الهجوم في القدس يتطلب عودة الردع اليهودي

إسرائيل اليوم 24-11-2022، بقلم اريئيل كاهانا: الهجوم في القدس يتطلب عودة الردع اليهودي

الردع هو أحد المفاهيم الأكثر تملصاً في العالم العسكري. فلا توجد صيغة دائمة لكيفية تحقيقه. وسبب ذلك أنه متعلق بما يمر على العدو في رأسه ونفسيته وليس بالعقلانية. أو في الحالة الإسرائيلية، يمكنها استخدام قوة هائلة ضد خصومها، ولكنهم لن يخافوا مواصلة المس بها وبمواطنيها. فها هي قوات الجيش الإسرائيلي قتلت في السنة الأخيرة 130 فلسطينيا في “الضفة الغربية”، العدد الأعلى منذ سنين، ومع ذلك تزداد العمليات.

بالمقابل، وأحياناً يردع الطرف الآخر دون إطلاق رصاصة واحدة أو حتى بتشمير الأكمام. فضلاً عن ذلك، حصل غير مرة أن اعتقدت إسرائيل أن الردع فُقد، لكن يتبين أن العكس هو الصحيح. مثلاً، بعد حرب لبنان الثانية في 2006. في الزمن الحقيقي اعتبرت إدارتها في نظر الجمهور بل وفي نظر الجيش، كفاشلة. حطمت مكانة رئيس الوزراء في حينه أولمرت، وأدت إلى استقالة وزير الدفاع عمير بيرتس، ورئيس الأركان دان حلوتس. لكن بعد 16 سنة، لا يزال نصر الله فزعاً منها، وهو حتى اليوم لا يخرج من الخندق ويحسب خطواته بحذر.

بالمقابل، أحياناً كان الناس عندنا مقتنعين بأن الطرف الآخر يخاف، لكنه فاجأ وهاجم. في 1973 استنتجت الاستخبارات الإسرائيلية بأن مصر لن تخرج إلى حرب دون أن تكون في أيديها طائرات قصف بعيدة المدى. هو مفهوم فشل كما هو معروف، ونشبت حرب يوم الغفران.

في 2014 التقطت الاستخبارات قادة حماس يقول أحدهم للآخر إنهم لا يريدون حرباً مع إسرائيل. “حماس مردوعة”، هكذا قالت الاستخبارات لـ”الكابينت”. والنهاية؟ أطلقت المنظمة الصواريخ وقاتلت إسرائيل 50 يوماً في “الجرف الصامد”. وثمة سيناريو مشابه تقريباً كرر نفسه في 2021 قبل “حارس الأسوار”. والاستنتاج وجود شيء ما إضافي، يتجاوز القوة ذاتها، سيدفع الخصم، سواء كان فرداً يحمل سكيناً أم رئيس منظمة استنتج أن لا معنى للخروج للمس باليهود.

خطر في الطريق إلى البيت

ما هو ذاك الشيء الإضافي؟ الجواب ليس موحداً. امرأة تبحث عن مفر من زواج عنيف ستكون مستعدة لهذا الغرض؛ أن تموت بنار الجنود. من جهة أخرى، شاب يعاني من أزمة اقتصادية ما كان سيخرج لعملية لو كان يعرف بأن عائلته لن تتمتع بالمخصصات التي تدفعها السلطة الفلسطينية. هذا ردع يمكن خلقه حيال أناس أفراد.

غير أن التحدي الذي تواجهه إسرائيل أوسع وأعمق بكثير. على الورق، إسرائيل هي الدولة الأقوى على الأقل من هنا وحتى روسيا. ومع ذلك، هذا المعطى الجاف لم يمنع الخلية التي زرعت العبوتين في القدس هذا الأسبوع من تنفيذ مأربها. القوة النظرية هذه لا تبهر عصابات الخاوة التي تنتشر في أرجاء البلاد، ولا سارقي السلاح والذخيرة الذين يتصرفون وكأنهم في بيوتهم في قواعد الجيش الإسرائيلي، ولا منظمي سباقات الجمال في النقب، أو المشاغبين القومجيين الذين قتلوا وأحرقوا وأغلقوا الطرق في “حارس الأسوار”. إذا ما أردنا أن نلخص الأمر، فإن لإسرائيل طائرات قد تضرب كل نقطة في الشرق الأوسط، لكن الطيارين لن يعودوا إلى قاعدتهم بسلام.

التحدي أعمق واوسع من “المشكلة الأمنية”. يدور الحديث عن مشكلة قومية حتى سلطات الدولة غير واعية لحجمها. إذ إن يأس الكثير من المواطنين من معالجة السلطات كبير لدرجة أن بعضهم لا يشتكون للشرطة. من يعيش في الميدان يعرف أن “الخاوة” تعربد في أرجاء البلاد، وأن كل مقيم في الجنوب يبني بيته يحتاج لدفع “خاوة حراسة”، وأن كل صاحب دكان في “بيتح تكفا” أو في “كفار سابا” يمكنه أن يستقبل متجره محروقاً في صباح ما.

ستقولون “لكن هذا موضوع جنائي”. دولة إسرائيل، بعموم أذرعها، لا تردع من يتحدى في داخلها أنظمتها الأساسية. “لولا روع المملكة لابتلع كل أحدنا الآخر”، قال الحكماء في سجل الآباء. وبالفعل، ضاع الروع في مطارحنا منذ زمن بعيد. لماذا؟ أولاً وقبل كل شيء، أن المنظومات كفت منذ زمن بعيد عن بث الرسالة بأنها رب البيت الذي تمثل الدولة اليهودية. هذا أمر ما لم يعد.

تفضيل تعديلي

في مسيرة متراكمة وعديدة السنين، نبع بعضها من نوايا طيبة، بثت إسرائيل للمتحدين من بين السكان العرب والبدو بأنها تتخلى عن التزامهم تجاهها. بدأ هذا من عدم هدم المباني غير القانونية، وتواصل بعدم جباية الضرائب واتسع إلى عدم إنفاذ القانون بشكل عام. بالتوازي، جاءت القطيعة بين مخصصات التأمين الوطني والخدمة في الجيش، وكذا تسليم أراضي الدولة لسلطات محلية عربية، وبعدها التفضيل التعديلي للعرب، الذي عملياً يميز ضد جنود خدموا ثلاث سنوات. وأخيراً، ثقة أكبر بشكاوى المشتكين العرب ضد اليهود في الشرطة، من العكس.

أضيفت إلى هذه شرعية “النكبة” ومؤيدين في الكنيست، مما عزز الانطباع بأن اليهود، أو على الأقل نخبتهم – التي يتردد بعضها في تسمية نفسه يهودياً – فقدت الثقة بالنفس، وأنها لم تعد واثقة بأن مكانها في هذه البلاد، أو انهار البيت عليها. وعندما يغيب رب بيت، يمكن المفاجأة بالجنائي وبالقومي على حد سواء، داخل الخط الأخضر وخارجه على حد سواء.

لكن في الوقت الذي توقف فيه الطرف اليهودي عن التفكير والعمل بتعابير قومية، ولا يزال الطرف العربي يعيش على أساسها، وحين تنفذ جريمة جنائية من جانب العرب ضد اليهود، فإن لها أيضاً جوانب قومية. وفضلاً عن ذلك، وليس أقل أهمية، عندما يغيب رب الدولة، فإن العنف والقتل والسلاح غير القانوني تعربد داخل الوسط العربي. وهذا أيضاً بات ضرراً تسبب به الضعف اليهودي.

إذن، ما العمل؟ مثلما يتواصل تراجع قوة الدولة اليهودية منذ عقود، فإن عودتها أيضاً لإدارة المناطق التي تحت إمرتها لن تحصل في يوم واحد. هذه مسيرة طويلة تستوجب سلسلة طويلة من الخطوات على المستوى التربوي، والأمني، والجنائي، والتخطيطي – الاستيطان، وعلى جانبي الخط الأخضر، إذ إن البلاد واحدة، والشعبين المتناكفين اثنان. وحتى إن شئنا لن يسمح لنا الطرف الآخر بالهرب من هذه الحقيقة الأساسية.

 ينبغي الانطلاق إلى العمل على أساس هذا الفهم. ولإعادة الأمن المدني والقومي، على الحكومة الجديدة أن تفعل في كل البلاد وعلى المدى الطويل نظرية النوافذ المحطمة (التي تقول إن ما يبدأ في إهمال إصلاح نافذة محطمة واحدة، سيجر على مدى الزمن ارتفاعاً في الجريمة وفي العنف) – تلك التي رممت نيويورك في الثمانينيات.

هذا يعني أنه يجب قلب القرص القضائي والاستيعاب بأن عدم إنفاذ القانون في الوسط العربي ليس دعماً له بل عقاب له، وبخاصة النساء والشباب الذين يقتلون بأعداد مفزعة. إلى جانب ذلك، يجب الخروج إلى حملة واسعة لجمع السلاح، بما في ذلك استخدام قوات الجيش الإسرائيلي عند الحاجة.

في الجانب الاستيطاني، مطلوب إعطاء منظومة التخطيط والبناء أدوات تدفع بالبناء اليهودي في كل البلاد: النقب، الجليل، “الضفة الغربية”. خطوة كهذه لا تمس بالوسط العربي، بل بالعكس. إذ إن أساس الوضع المهزوز في رسالة بأن اليهود ينسحبون من بلادهم. وعليه، فإن الاستقرار والهدوء لن يعودا إلا عندما يوضح ممثلو الدولة بأنها باقية هنا، إلى الأبد ودون تردد.

خطوات كهذه للحكومة الجديدة، والتي يتفق كل عناصرها على ضرورتها، ستثير نقد الإدارة الأمريكية. ولكن على أي حال، واشنطن غاضبة من عدد القتلى في الجانب العربي. ولهذا السبب، يجب المسارعة لتنفيذ السياسة الجديدة وبسرعة.

عندما يصل الجدال مع مبعوثي الرئيس بايدن، يجب أن نقول لهم بأن الطريق الأخرى فشلت. في عهد حكومة بينيت – لبيد “عربد” الجيش الإسرائيلي في “المناطق”. ومع ذلك، لم يتحقق الردع، وكان عدد المصابين من الجانبين عالياً. هذا الفشل يمنح شرعية أخرى لنتنياهو ولوزرائه أن يتبنوا نهجاً آخر وينفذوا سياسة أخرى – سياسة الردع اليهودي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى