إسرائيل اليوم: العلاقات مع الولايات المتحدة تمر بتغيير عميق

إسرائيل اليوم 21/10/2025، د. ابراهام بن تسفي: العلاقات مع الولايات المتحدة تمر بتغيير عميق
في 8 اكتوبر 1973 فشل الهجوم الإسرائيلي المضاد في سيناء فشلا تاما. فامام الجيشين المصري والسوري المندفعين الى الامام في حرب يوم الغفران احتاجت إسرائيل حاجة ماسة لما سمي “القطار الجوي” من الذخيرة الامريكية.
منحت هذه اللحظة وزير الخارجية هنري كيسنجر رافعة ضغط تاريخية في معانيها. فقد أتاح التوريد لإسرائيل بان تقلب الجرة رأسا على عقب، ووصول قواتها حتى مسافة 101 كيلو متر عن القاهرة فيما هي في الجانب الاخر من القناة وعلى شفا محاصرة الجيش المصري الثالث الذي علق في الضفة الشرقية من قناة السويس. لكن عندها جاء وقت دفع الثمن لقاء حبل النجاة الأمريكي: فقد اجبر كيسنجر إسرائيل على رفع الطوق عن الجيش المحاصر. فتطلعه لمنع النصر المطلق عن إسرائيل وفي نفس الوقت الاثبات لمصر بان فقط الولايات المتحدة قادرة على ان تمارس ضغطا فاعلا على إسرائيل، كان اكثر قطعا من إرادة إسرائيل لشطب صدمة 6 أكتوبر. لقد استخدم وزير الخارجية الأمريكي كل روافع الضغط التي كانت تحت تصرفه، بما في ذلك التهديد بارسال قوات الاسطول السادس الى المنطقة للتدخل ولرفع الطوق. استسلمت إسرائيل للضغط واضطرت لان تفتح مسار انسحاب للجيش المحاصر. وهكذا تبلور نمط جديد في علاقات الولايات المتحدة مع حليفها الإسرائيلي.
عندما قالت إسرائيل لا
لم يكن هذا دوما هكذا. فمنذ قيام إسرائيل كدولة مستقلة، وعلى خلفية دائرة العداء والمقاطعة التي فرضت من جيرانها في اعقاب هزيمتهم في حرب الاستقلال سعت إسرائيل برئاسة دافيد بن غوريون الى شبكة امان متينة تمنح الدولة الشابة دعما عسكريا وسياسيا وقدرة على ردع اعدائها بقواها الذاتية.
لقد رأى بن غوريون في الولايات المتحدة شريكا مثالثا لكنه كان مصمما على الا تلزم هذه الشراكة إسرائيل في التنازل عن سيادتها. وقوله الشهير “اعطونا الأدوات ونحن نقوم بالمهمة” عبر عن هذا التصميم.
في 1955، عندما بادرت الولايات المتحدة وبريطانيا لـ “خطة الفا” – بتر النقب من خلال ممر بري بين مصر والأردن – هدد مساعد وزير الخارجية الأمريكي هنري بايرد رئيس الوزراء موشيه شاريت بارسال قوات أمريكية لفرض الخطة. وكان جواب شاريت: في مثل هذه الحالة سيصطدم الجنود الامريكيون بجيش إسرائيلي مصمم على القتال. في 1967 رفضت إسرائيل طلب الرئيس الفرنسي شارل ديغول الامتناع عن هجوم مسبق.
خط مباشر يربط بين 6 أكتوبر 1973 و 7 أكتوبر بعد 50 سنة بالضبط. فالمذبحة الوحشية التي قامت بها حماس والضربة العسكرية في ذاك اليوم تركا إسرائيل مرضوضة، مذهولة ومتألمة. شروط البدء، التي تطلبت دعما أمريكيا معززا بالفعل وبالقول، أعطت الأمريكيين روافع ضغط ذات مغزى وأدت بموظفين رسميين من واشنطن لان يجلسوا في جلسات الكابنت الإسرائيلي.
التعلق المتزايد
جو بايدن تغير وهكذا أيضا النهج تجاه إسرائيل في البيت الأبيض والذي بات اكثر راحة بكثير لحكومة إسرائيل. لكن مزيجا من العزلة السياسية والتعلق المطلق بالدعم الأمريكي تحولا بالتدريج الى رافعة شديدة القوة في يدي ترامب.
لقد كان الهجوم في الدوحة خط الفصل. فالخطوة الإسرائيلية مس بشكل مباشر بالمصلحة الامريكية التي ترى في قطر شريكا استراتيجيا، اقتصادية وتجاريا في كل المنطقة. إسرائيل لم تتشاور مسبقا مع الإدارة واكتفت بتبليغ في اللحظة الأخيرة. ولم يتأخر الرد الأمريكي. البيت الأبيض صمم خريطة طريقه لانهاء القتال وللتسوية في غزة دون أن تكون إسرائيل شريكا بشكل كامل في المباحثات. واضطرت إسرائيل لان تقبل ليس فقط الاملاءات الامريكية بل اضطرت أيضا لان تعاني من إهانة علنية: فقد فرض على نتنياهو اعتذار هاتفي لرئيس وزراء قطر، في صيغة امليت عليه في البيت الأبيض.
هكذا فرض الرئيس على إسرائيل وقف النار رغم تحفظات نتنياهو على جواب حماس، وهكذا أيضا اجبرها على وقف النار بعد أن ردت بالقصف على خروقات الاتفاق. واذا لم يكن هذا بكافٍ، فقد رابط 200 من رجال الجيش الأمريكي في إسرائيل كي يراقبوا تنفيذ الاتفاق. تطلع ترامب للدفع قدما بالمرحلة الثانية من خطته كان اقوى من تطلع نتنياهو لمحاسبة حماس.
بُعد تسيد
وهكذا سحق تماما مبدأ الاستناد الحصري الى القوة الإسرائيلية لحالات الازمة. تبخر مبدأ السيادة غير القابل للتجزئة وتبددت القدرة على اتخاذ مواقف في مواضيع أمن حرجة أيضا. على هذه الخلفية، فان تمنح جائزة إسرائيل لترامب ترمز الى التغيير العميق: فقد اضيف الى الصداقة بُعد التسيد. ومثلما رفع كيسنجر مستوى علاقاته مع السادات من خلال الضغط على إسرائيل هكذا ترامب أيضا ليس مستعدا لان يخاطر بعلاقاته مع قطر. في الحالتين يفرض الثمن على إسرائيل.
هل إسرائيل، اذا ما بقيت معزولة ستجد نفسها ككيان حكم ذاتي برعاية سيد سخي – لكنه ذو مصالح مختلفة. الأيام ستقول.