ترجمات عبرية

إسرائيل اليوم: العدو يعلم، إنهم يختبئون من الجمهور في إسرائيل

إسرائيل اليوم: العدو يعلم، إنهم يختبئون من الجمهور في إسرائيل، بقلم أيال زيسر 23-10-2022م

أدارت الحكومة على مدى أشهر طويلة مفاوضات مع لبنان على ترسيم الحدود البحرية بين الدولتين. الأيادي التي وقعت على الاتفاق في النهاية هي أيادي الحكومة في بيروت، لكن الصوت هو صوت “حزب الله”، الذي أطلق بإرادته تهديدات الحرب، وبإرادته – بعد أن رضي وجرف المكاسب، حالياً دعائية وربما اقتصادية مستقبلاً – أعطى للاتفاق مباركته.

غير أن ما ينبغي أن يقلق في هذا الاتفاق ليس بالضرورة مضمونه وتفاصيله، بل شكل سلوك الحكومة في أثناء خوض المفاوضات. فعلى مدى أشهر طويلة، تم إخفاء تفاصيله عن الجمهور الإسرائيلي، وكأن به سر دولة، ولم تكن لأحد أدنى فكرة عن المطالب اللبنانية وعن مواقف لبنان، ولا عن خطوط إسرائيل الحمراء.

غير أن مفاوضات كهذه لا يمكن إخفاؤها. وبالفعل، كل من يريد معرفة أين تقف الأمور، يمكنه تصفح الصحافة اللبنانية، التي كان يمكن من خلالها متابعة يومية لتطورات المفاوضات وعلى ما أصرت عليه إسرائيل أو كبديل على ما سبق أن تنازلت عنه.

ينبغي الاعتراف بأن حكومة لبيد ليست الأولى التي تتخذ سياسة الإخفاء لدرجة التضليل، تجاه الجمهور في إسرائيل، فتخفي عنه المعلومات وتضعه أمام حقائق ناجزة، لأن عموم حكومات إسرائيل تصرفت وفقاً لهذا في العقود الأخيرة في أي مفاوضات أدارتها مع الطرف الآخر.

إسحق رابين، شمعون بيرس، بنيامين نتنياهو، إيهود باراك وايهود أولمرت، كلهم تعهدوا أمام السوريين بالانسحاب من هضبة الجولان. السوريون والوسطاء الأمريكيون عرفوا بذلك، وكذا قراء الصحف في دمشق. لكن الأمر أخفي عن الجمهور في إسرائيل، وبالمناسبة عن معظم وزراء الحكومة أيضاً.

تصرفت حكومات إسرائيل على هذا النحو لأنها خشيت من الجمهور الإسرائيلي، وأساساً لأنها لم تثق به في أن يبدي النضج ويدعم خطوات فيها –برأيها- ما يدفع المصالح الإسرائيلية إلى الأمام. وأملت بأن الجمهور سيدعم ذلك حين تأتي اللحظة، وبعد تحقيق الاتفاق، حتى وإن انعدم البديل.

إن سلوكاً كهذا غير جدير، ليس لأنه غير ديمقراطي فحسب، بل لأنه يلحق ضرراً لا مرد له بالمصالح الإسرائيلية.

فقد درج الطرف الآخر، بخلافنا، على إعلان مواقفه بشكل واضح، ويكبل نفسه بها بمثابة شجرة عالية يتسلقها، وفي نهاية الأمر ينجح في إقناع الوسطاء الأمريكيين، بل والأسرة الدولية بأن لا مفر من قبول هذا الموقف. وبالمقابل، صوت إسرائيل لا يسمع، وليس واضحاً لأحد ما الذي تريده وما هي خطوطها الحمراء.

بهذه الطريقة نجح السوريون بأن يثبتوا في الوعي، وفي وعينا أيضاً، مطالبتهم بانسحاب إسرائيل إلى شاطئ بحيرة طبريا، في الوقت الذي لم يعرض من الجانب الإسرائيلي على الجمهور وعلى العالم موقف مضاد هو بمثابة خط أحمر أن تتنازل عنه إسرائيل (مثلاً، خط الحدود الدولية). هكذا أيضاً تحول موقف البداية اللبناني في المفاوضات إلى نقطة نهاية لها.

كما أسلفنا، من الخير التوقيع على اتفاق، لأن مصير بضعة كيلومترات مربعة في عمق البحر على أي حال، لا تقدم ولا تؤخر. لكن المهم أن نفهم بأنه ليس اتفاقاً تاريخياً يبشر بالسلام مع لبنان أو بأن هدوءاً سيسود من الآن فصاعداً على الحدود الشمالية.

لـ”حزب الله” قائمة طويلة من المطالب من إسرائيل، ابتداء بمزارع شبعا وانتهاء بخط الجرف الذي يقضم بحكم الأمر الواقع – وهذا ما تعترف به إسرائيل أيضاً – بالسيادة اللبنانية.

إن المفهوم القائل بأن “حزب الله” مردوع ويخاف المواجهة انهار في بداية السنة بعد أن بدأ نصر الله يهدد بالحرب. أزمة ترسيم الحدود علمتنا إذن بأنه في ضوء الانهيار الاقتصادي والسياسي للبنان، ليس لنصر الله ما يخسره، وهو مستعد لجر لبنان إلى الحرب. وفضلاً عن ذلك، فإن الكثير من اللبنانيين معنيون بالتعايش مع إسرائيل، لكن هذا لا يقدم ولا يؤخر، فلـحزب الله حق الكلمة الأخيرة في هذا الشأن.

لبنان لن يكون إذن الدولة العربية التالية، بل على ما يبدو الأخيرة لتوقع معنا على اتفاق سلام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى