إسرائيل اليوم: الإصرار على المسيرة في المستقبل أيضاً

إسرائيل اليوم 2022-05-31، بقلم: يوآف ليمور
خيراً فعلت إسرائيل إذ سمحت لمسيرة الأعلام أن تتحقق، أول من أمس، بصيغتها الدائمة في القدس. الإصرار على ذلك، بحد ذاته نزع غير قليل من احتمال التفجر في الحدث: من اللحظة التي كان واضحاً فيها أن إسرائيل مصممة ولا تعتزم التراجع أو الانحراف عن طريقها تحت تهديدات «الإرهاب» أو الضغط السياسي، ضعف كل أولئك بقدر كبير. كما كان متوقعاً، لم تطلق أي منظمة صاروخاً من غزة أو من لبنان، لا عند بدء المسيرة ولا في نهايتها. كما أن الضفة أيضاً لم تشتعل، وحتى في شرق القدس كانت أحداث طفيفة نسبياً. كل من هو خبير في الأمر قدر باحتمالية عالية بأن هذا ما سوف يكون، في أنه لو خرجت الأمور عن السيطرة، وأساساً إذا كان – لا سمح الله – قتلى في الحرم، المسيرة ستسير، وستنتهي بسلام.
لقد وثقت إسرائيل غير قليل من الجهود كي يحصل هذا. في الجانب السياسي، استخدمت سلسلة من الرافعات على الفلسطينيين في الضفة وفي غزة. الأميركيون، المصريون، القطريون، الأردنيون وممثلو الأمم المتحدة، كل من يعرف كيف يسير ويتحدث بين الطرفين، سار وتحدث (بل وحذر من أن إسرائيل سترد بشدة). وساعد هذا على تهدئة الخواطر، وأساساً حين كانت الرسالة الإسرائيلية حادة وواضحة: المسيرة ستسير، لكن ليس فيها ما يغير الوضع الراهن في القدس.
إلى جانب هذا الجهد السياسي، اتخذت خطوات عديدة للوصول إلى حدث في صيغة قصوى. شرطة إسرائيل تستحق كل الثناء على الإدارة الناجحة لحدث مركب وقابل للتفجر، بدأ في ساعات الصباح الباكر في الحرم مع حجيج عدد كبير نسبياً من اليهود إلى الحرم، تواصل في مسيرة الأعلام بعشرات الآلاف من المشاركين، وتضمن أيضاً غير قليل من المواجهات الموضعية التي افترضت تصرفاً حساساً لأجل منع التصعيد.
أثبتت الشرطة أنها استخلصت الدروس من أحداث مشابهة في سنوات سابقة، حين اختارت استخدام القوة بعقل، وأساساً في ظل التخطيط المسبق. كما أن تعاونها مع «الشاباك» كان في أفضل حال، لا سيما في الاعتقال المسبق للمشاغبين المحتملين، يمكن فقط أن نأسف على أن خطوات مشابهة لم تتخذ ضد بضعة محافل من أوساط اليمين المتطرف ممّن أصروا، أول من أمس، على المسّ بالاحتفال المقدسي. فالاستفزازات التي أثاروها عن قصد كان من شأنها أن تخرب على الجهد لاجتياز الحدث بسلام.
كما أن الأناشيد التي رافقت بعض المشاركين في المسيرة كانت حادة. فالقدس تستحق في يوم عيدها كلام أكثر نجاحاً من «فلتحرق لهم القرية» أو «محمد مات». في مدينة احتفلت، أول من أمس، بتوحيدها، هذه الأصوات شددت بالذات على الفرقة وعلى الفجوة بين طرفيها – الغربي والشرقي. الذين لم يشاركوا في ذلك وعموم سكان المدينة يستحقون أكثر من هذا، من لا يعالج ذلك منذ الآن، سيحصل على هذه الأطراف بقوة مضاعفة في المسيرة التالية.
لكن الدرس الأساس من المسيرة، أول من أمس، هو أن إسرائيل لا تحتاج لأن تخجل من تحقيق سيادتها في كل نقطة في البلاد. فالتخلي عن ذلك أخطر بأضعاف لأنه يبث صورة ضعف. وعليه فعلى إسرائيل أن تصر على ذلك في المستقبل أيضاً بما في ذلك تجاه التهديدات (بل وحتى تجاه الإرهاب الحقيقي). عليها أن تفعل ذلك بعقل بالطبع، في ظل البحث عمّا يجمع والامتناع عن الاستفزاز الزائد، وأساساً أن تتذكر أنه دوماً سيكون أيضاً «اليوم التالي»، الذي سيواصل فيه الطرفان العيش الواحد إلى جانب الآخر، في القدس وما وراءها.