إسرائيل اليوم: إسرائيل فوّتت فرصتين لتغيير الوضع الراهن في الحرم

إسرائيل اليوم 2023-01-08، بقلم: ايال زيسر: إسرائيل فوّتت فرصتين لتغيير الوضع الراهن في الحرم
رئيس الوزراء الجديد – القديم، بنيامين نتنياهو، وشركاؤه في العالم العربي وأساسا في دول الخليج اجتازوا العقبة الأولى التي وقعت في طريقهم منذ الأسبوع الأول من ولاية الحكومة: حجيج الوزير بن غفير إلى الحرم. ومع أنه سمعت من كل صوب تنديدات واحتجاجات بل أخذت الإمارات على عاتقها دور المبادرة ورفعت باسم الفلسطينيين شكوى لا داعي لها لمجلس الأمن، لكن الرسالة العربية كانت واضحة: سنفعل كل شيء كي لا ندع المسألة الفلسطينية تعود لتفرض نفسها على جدول أعمالنا، وتغرقنا من جديد في نزاع لا جدوى منه مع إسرائيل.
ينبغي الافتراض بأن الدول العربية كان يسرها لو وجدت المسألة الفلسطينية حلاً ما، كان يحيد دفعة واحدة وإلى الأبد هذه المسألة المشحونة، التي تشعل كل مرة من جديد المنطقة بأسرها. لكن لا ينبغي الوقوع في الخطـأ، فهي لا تبدي أي اهتمام بالفلسطينيين وبمطالبهم من إسرائيل. ومع ذلك، في الرأي العام العربي، المنقسم والمنشق حول كل شأن وأمر، تحتل المسألة الفلسطينية مكان الشرف الذي يصعب على الأنظمة العربية تجاهله. ولهذا السبب فهي تحتاج إلى تعاون من جانب إسرائيل موضوعه إبداء ضبط النفس والامتناع عن عروض مغطاة إعلاميا لأغراض داخلية ليس وراءها ما هو حقيقي لكن من شأنها أن تؤدي إلى اشتعال زائد.
يمكن، بالطبع، الموافقة على الادعاء الذي يقول إن الوضع الراهن القائم اليوم في الحرم ليس مريحا لإسرائيل، وإن ليس فيه فقط مس بحرية العبادة الدينية لليهود بل أيضا وأساسا تجاهل لأهمية الحرم للشعب اليهودي. لكن بالمقابل، فإن معنى الوضع الراهن هو أن إسرائيل هي صاحبة السيادة على الأرض بالفعل وبهذا يعترف أيضا العالم العربي.
إن الصراع الذي يشتعل صباح مساء في الحرم لا يتعلق بالسيطرة الفعلية في الحرم بل موضوعه الاستعراضات والصورة الإعلامية، وغير مرة أيضا استفزازات من الجانب الفلسطيني ليس فيها ما يغير حقا الوضع الفعلي.
يوجد في إسرائيل من يسعون إلى أن يغيروا من الأساس الوضع الراهن الذي في إطاره يخضع الحرم كمكان مقدس لإدارة رجال دين الأوقاف الإسلامية، ولكن ليس لسيطرتهم. غير أن احتمال هذا ليس كبيراً فما بالك أنه في الماضي فوتنا أكثر من مرة الفرصة لإحداث تغيير كهذا.
في المرة الأولى فوتت الفرصة حين فشلت إسرائيل في الأيام الأولى بعد قيام الدولة. في أيار 1948، في محاولاتها لاحتلال البلدة القديمة والتي توجد فيها حارة اليهود والحرم. وفي وقت لاحق أيضا، عندما رجحت الكفة في الحرب لصالحها، اختار زعماء إسرائيل إعطاء أولوية لمسائل أخرى على جدول الأعمال – تثبيت الدولة التي ولدت لتوها، ضمان الحدود واستيعاب الهجرة الجماهيرية – وهكذا تركوا مهمة تحرير البلاد كلها للأجيال القادمة.
في المرة الثانية فوتت الفرصة عندما حررت القدس في حزيران 1967، لكن حكومة إسرائيل اختارت إبقاء الحرم بإدارة الأوقاف. في نظرة إلى الوراء كان هذا تفويتا لفرصة تاريخية، بمثابة بكاء للأجيال، إذ في تلك اللحظات التاريخية كان بوسع إسرائيل أن تملي شروطها وتقرر وضعا راهنا جديدا في الحرم، دون أن تراعي الدول العربية التي شنت حربا عليها. منذئذ تمسكت عموم حكومات إسرائيل بالوضع الراهن الذي تقرر في حزيران 1967، بل سار بعضها شوطا أبعد، وعندما أديرت مفاوضات مع الفلسطينيين أعربوا عن الاستعداد للتخلي عن السيطرة في الحرم.
لا يطالب اليوم أحد إسرائيل بأن تتخلى عن سيطرتها في الحرم، والعالم العربي والفلسطينيون يسلمون، عمليا، بتواجدها فيه. كل ما نحتاجه هو أن نبدي ضبطا للنفس والحفاظ على الوضع الراهن، الذي يوجد فيه، كما أسلفنا، ليس ظلالا فقط بل أيضا نقاطاً إيجابية.
صحيح أنه يمكن الجدال في هذا التفصيل أو ذاك للوضع الراهن في الحرم، لكن يجدر بنا أن نتذكر أنه من المهم بقدر لا يقل الحفاظ على البيت نفسه، على دولة إسرائيل وعلى مصالحها التي تتركز اليوم بالدفع قدماً في علاقاتها مع العالم العربي وبإقامة جبهة موحدة حيال إيران.
هذه أهداف قابلة للتحقق ولها يجب أن تمنح الأولوية، مثلما فعل بن غوريون في العام 1948 ومثلما اختارت في نهاية المطاف الحكومة الحالية أيضاً.