ترجمات عبرية

إسرائيل اليوم: إسرائيل بحاجة الى زعامة ايديولوجية

إسرائيل اليوم 27/11/2025، د. نيسيم كاتسإسرائيل بحاجة الى زعامة ايديولوجية

على مدى سنين طويلة جدا، أصبحت السياسة الإسرائيلية ساحة صدام شخصي. الخطاب الجماهيري، الذي عصف في الماضي حول مسائل تتعلق بـ “الطريق” – اشتراكية مقابل رأسمالية، بلاد إسرائيل الكاملة مقابل تسوية إقليمية – تقلص الى المسألة الضحلة: “نعم بيبي” أم “لا بيبي”. المأساة الكبرى للعقد الأخير ليست الاستقطاب الاجتماعي بل ضياع الطريق. دولة إسرائيل، التي توجد في احدى الفترات الأكثر تعقيدا في تاريخها، تدار بلا بوصلة. نحن نوجد في أزمة قيادة عميقة، تنبع من أن سياسيين أحلوا التكتيك محل الأيديولوجيا والاستطلاعات محل الرؤيا.

النموذج الأكثر صراحة على الفجوة التي بين الشكل والمضمون هو بنيامين نتنياهو. نتنياهو هو علامة تجارية بحد ذاته بنجاحه كـ “قائد اليمين”، الدرع الحصري لبلاد إسرائيل والامن القومي. لكن مراجعة صادقة لاعماله على مدى السنين تظهر صورة معاكسة بل واحيانا مذهلة في ثغراتها. فقد كان نتنياهو هو الذي صافح عرفات، وقع على اتفاق واي وسلم الخليل. كان نتنياهو هو الذي صوت في صالح فك الارتباط (حتى لحظة الحقيقة)، جمد البناء في يهودا والسامرة غير مرة تحت ضغط امريكي، وادار سياسة “احتواء” تجاه حماس في غزة على مدى نحو 15 سنة في ظل الامتناع الثابت عن حسم عسكري واضح – الى أن فرض علينا الواقع.

مع نهاية القتال الشديد في غزة يمتنع نتنياهو عن ضم يهودا والسامرة، يثني على قرار مجلس الامن الذي يشق مسارا مستقرا لدولة فلسطينية، يخلق تدويلا للمواجهة الإسرائيلية – الفلسطينية ويصدر بحكم الامر الواقع الحلول الأمنية الإسرائيلية الى دول أخرى. هذا ليس يمينا. خطاب نتنياهو يميني – صقري، لكن السياسة الفعلية هي في مرات عديدة سياسة يسار – وسط حذرة، مترددة وبراغماتية اكثر مما ينبغي. هذه الفجوة تخلق طيفا معرفيا لدى الجمهور الذي ينتخب اليمين ويتلقى سياسة حفظ الوضع الراهن التي تتميز بها أحزاب الوسط – اليسار.

على الجانب الاخر من المتراس السياسي – الفكري (ظاهرا) يقف نفتالي بينيت، الذي يمثل مشكلة من نوع آخر تماما. فلئن كنا لدى نتنياهو نعرف ما هي الأيديولوجيا المعلنة لكننا نرى تنفيذا معاكسا، فاننا لدى بينيت لا نعرف على الاطلاق ما هي الأيديولوجيا او هل هي موجودة على الاطلاق، باستثناء التطلع الى الكرسي. بينيت الذي بدأ طريقه كمدير عام مجلس “يشع” للمستوطنين وكرمز يميني لنتنياهو، اثبت في ولايته كرئيس للوزراء بان المرونة هي قيمته العليا.

ان إقامة “حكومة التغيير” للشراكة مع أحزاب يسار بامتدادها ومع الموحدة، كشفت عن فراغ فكري. فهل بينيت يؤيد الضم؟ التسوية؟ الاقتصاد الحر أم الدعم المالي الحكومي؟ حقيقة أنه كان يمكنه أن يجلس في الحكومة ذاتها مع نيتسان هوروفيتس ومع منصور عباس تشهد على ان الأيديولوجيا بالنسبة له هي عجينة يمكن تصميمها وفقا للظروف السياسية. الجمهور الإسرائيلي يبقى مشوشا: هل بينيت هو رجل يمين؟ رجل وسط؟ ام ببساطة مدير تكنوقراطي يسعى الى “تهدئة الخواطر” وإعادة انتخابه لرئاسة الوزراء بكل ثمن؟

ان نتيجة غياب قيادة أيديولوجية هي نتيجة هدامة. فعندما لا يعمل القادة انطلاقا من منظومة قيم مرتبة، فان الدولة تدار على طريقة “إطفاء الحرائق”. فلا توجد استراتيجية بعيدة المدى لان الاستراتيجية تنشأ عن الرؤيا والرؤيا تنشأ عن الأيديولوجيا. الجمهور يصبح تهكميا والثقة بمؤسسات الدولة تتآكل، والاحساس هو أن السياسة هي لعبة تهكمية للبقاء الشخصي.

ان إسرائيل بحاجة ماسة الى قيادة “الحقيقة في النشر”. نحن بحاجة الى قائد يمين ينفذ سياسة يمين – سيادة، حوكمة وردع – والى قائد يسار يعرض بديلا سياسيا واقتصاديا واضحا، دون ان يتخفى في صورة وسط. نحن بحاجة الى قادة مستعدين لان يدفعوا ثمنا سياسيا على مبادئهم، ولا يبيعون مبادئهم من اجل ثمن سياسي. وحدها العودة الى الصراع الفكري الحقيقي، بين مذاهب مرتبة وواضحة، يمكنها أن تعيد إسرائيل الى مسار النمو، الامن والامل. حان الوقت للتوقف عن التصويت للأشخاص والبدء بالتصويت للطريق.

 

مركز الناطور للدراسات والابحاثFacebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى