ترجمات عبرية

إسرائيل اليوم: أوروبا تستيقظ من وهم التعددية الثقافية

إسرائيل اليوم 6-11-2022م، بقلم أيال زيسر: أوروبا تستيقظ من وهم التعددية الثقافية

انكبت أوروبا لسنوات طويلة على تطوير صورة القارة المتنورة، المتسامحة، متعددة الثقافات والمنفتحة على الآخر. قارة تنكرت لحمل الماضي – حمل القومية المتطرفة وكراهية الأجانب ومطاردة بل وقتل اليهود، مثلما تخلصت من حمل الماضي الاستعماري للسيطرة والاستغلال الاقتصادي للقارات والشعب في أرجاء العالم.

وجد الوجه الجديد الذي اتخذته أوروبا تعبيره بالنقد الحاد على إسرائيل التي “ليست متنورة ومتسامحة مثل الأوروبيين”، وإلى جانب ذلك فتحت بواباتها أمام المهاجرين من أرجاء العالم، وأساساً من مناطق الأزمة في إفريقيا والشرق الأوسط، التي سيطرت الدول الأوروبية على بعضها في الماضي. إن استيعاب هؤلاء المهاجرين بدا طبيعياً بل وواجباً في ضوء رغبة أوروبا بأن تصبح كياناً فوق قومي ومتعدد الثقافات يطمس بل ويخفي الحدود القديمة في هويات الماضي.

تيار المهاجرين هذا، كما ينبغي الاعتراف، يستهدف أيضاً الإجابة على النقص الحاد في الأيدي العاملة بسبب معدلات الولادة المتدنية وبسبب امتناع الشباب الأوروبي ممن يتمتعون بمخصصات الإعانة والبطالة السخية، عن الانخراط في سوق العمل.

شكك كثير من الإسرائيليين في السيمياء الجديدة التي سعى الأوروبيون لأن يتبنوها لأنفسهم ورأوا في النقد المهووس على إسرائيل لاسامية حديثة، تضيف إلى كراهية اليهود من الماضي مدماكاً جديداً من كراهية إسرائيل، كدولة تقف ظاهراً في خلاف مع الطابع الذي ترى فيه أوروبا نفسها.

غير أن ثورة بطيئة ومتدرجة حدثت غير مرة في أوروبا من تحت الرادار. تحول الرذاذ إلى طوفان كبير يغطي أوروبا. في الأسابيع الأخيرة، ما كان يمكننا تجاهل الأصوات والصور التي تأتي من القارة، وتبدو أحياناً أنها تنتمي لعهود أخرى. في اليونان وزعت ملابس عشرات المهاجرين ممن حاولوا الدخول إلى الدولة وألقي بهم إلى منطقة الحرام، على الحدود مع تركيا؛ وفي بولندا يسير الجنود في دوريات على طول الحدود مع روسيا البيضاء ويمنعون تحت تهديد السلاح دخول المهاجرين إلى أراضي الدولة؛ بينما في إيطاليا يبعد سلاح البحرية سفناً محملة بالمهاجرين عن شواطئ الدولة، والعديد منها تغرق في قلب البحر على مسافريها. وتعمل بلجيكا على قوانين ولوائح في موضوع الدفن أو الذبح، الرامية إلى التضييق على السكان المسلمين (قوانين تمس باليهود أيضاً)، وفي الدانمارك، في بريطانيا وفي فرنسا تقرر أيضاً طرد مهاجرين وطالبي لجوء.

ولم يعد زعماء أوروبا يرغبون برؤية القارة متعددة الثقافات، بل ويعلنون التزامهم بالدفاع عن الهوية القومية والطابع المسيحي لدولهم، كدعوة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون “لطرد كل من ليس له ما يفعله هنا”.

بعد سنوات من السبات، استيقظ الأوروبيون واكتشفوا أن موجات الإجهاض ولا سيما تلك الإسلامية، لم تؤد إلى خلق مجتمع مزدهر متعدد الثقافات، بل خلق تهديد انعزال وراديكالية، وإرهاب أيضاً.

يبلغ عدد السكان المسلمين في أوروبا نحو عشرين مليون نسمة، أقل من 5 في المئة من سكان القارة. لكن وتيرة التكاثر الطبيعي لديهم أعلى ثلاثة أضعاف عن الأوروبيين. وحسب التقديرات، سيصل عدد سكان الشرق الأوسط في العام 2050 إلى نحو 750 مليون نسمة (مقابل نحو 450 مليونا اليوم)، وكثير من سكان المنطقة سيبحثون عن مستقبل أفضل لهم ولأولادهم في أوروبا.

كثير من المهاجرين المسلمين لا ينخرطون في سوق العمل ولا في المجتمع الاقتصادي أيضاً، بل يبقون محشورين في مجتمعاتهم في أحياء فقر وضائقة. وأصبحت هذه مجالات خارج إقليمية تشكل دفيئة للتطرف الديني بل والإرهاب.

لقد ساهم هذا الواقع في تعزيز قوة أحزاب اليمين في كل أرجاء القارة والتي تعد الصراع ضد المهاجرين عنصراً مركزياً في برنامجها السياسي. كما في السويد وإيطاليا، حيث قامت حكومتان يمينيتان أعلنتا عن مكافحة الهجرة وعن إلغاء الامتيازات التي كانت تعطى للمهاجرين بيد سخية في الماضي، وهكذا في دول عديدة تسير في أعقابهما.

الصراع على أوروبا بدأ. فإلى أي حد سيسير فيه الأوروبيون؟ أم لم يعد ممكناً وقف الهجرة الديمغرافية؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى