شوؤن عربية

إبراهيم نوار يكتب – الحوار الاستراتيجي بين أمريكا وإسرائيل في مفترق طرق… ماذا يفعل العرب؟

إبراهيم نوار *- 5/5/2021

مع أن هذه ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها العلاقات الأمريكية – الإسرائيلية لاختبار صعب، إلا أن الخلافات بين الطرفين هذه المرة ارتفعت إلى مستوى غير مسبوق، بسبب تغيرات تستدعي إعادة التموضع الاستراتيجي لكل منهما في منطقة الشرق الأوسط، الولايات المتحدة بسبب احتياجها للانسحاب العسكري، وإسرائيل بسبب الانتصارات الدبلوماسية التي حققتها منذ سبتمبر الماضي.

إن مصلحة الولايات المتحدة في العودة للاتفاق النووي تثير حالة من الفزع السياسي في إسرائيل، بينما نظرة إسرائيل للصراع مع إيران على إنه صراع وجود، وأفعالها لتخريب السياسة الأمريكية في المنطقة، تعوق حتى الآن تطوير الجولة الجديدة من الحوار الاستراتيجي بين الطرفين. الجولة التي بدأت بزيارة قائد المنطقة الوسطى الجنرال كينيث ماكينزي في يناير الماضي، ثم زيارة وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن لإسرائيل في الأسبوع الثاني من إبريل، ثم زيارة وفد أمني إسرائيلي كبير للولايات المتحدة أخيرا، ضم رئيس المخابرات ومستشار الأمن القومي، وكان من المفترض أن يضم أيضا رئيس الأركان الإسرائيلي، ما تزال مستمرة حتى الآن، لكنها تكشف يوما بعد يوم تباعدا بين الطرفين. السؤال المطروح على الدبلوماسية العربية في هذا الخصوص هو، كيف يمكن للدول العربية أن تصبح من جديد رقما في معادلة توازنات القوى في الشرق الأوسط، بعد أن فقدت تقريبا قوة التأثير، التي كانت لها منذ حرب أكتوبر 1973، ثم تداعت كثيرا في السنوات الأخيرة؟

ماذا نعني بإعادة التموضع الاستراتيجي في الشرق الأوسط؟

العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، هي علاقة ديناميكية تتأثر بالتغيرات التي تحدث داخل كل منهما، كما تتأثر بالتغيرات التي تحدث في الشرق الأوسط والعالم. وبدأت هذه العلاقات منذ اليوم الأول لقيام إسرائيل، لكن الولايات المتحدة ظلت لفترة طويلة حريصة على إقامة نوع من التوازن في علاقاتها بدول المنطقة، بغرض المحافظة على مصالحها النفطية، وعدم السماح بتوسع النفوذ السوفييتي. في تلك الفترة أيضا كانت إسرائيل ما تزال دولة ناشئة ضعيفة، تعتمد على فرنسا وعلى اتفاقيات التعويضات الألمانية، أكثر من اعتمادها على التأييد الأمريكي.

تغير ميزان القوة الإقليمي

الآن تبدو الأمور وقد سارت في مصلحة إسرائيل، أكثر مما سارت في مصلحة الولايات المتحدة شرق أوسطيا، فإسرائيل تحولت إلى قوة عظمى إقليمية تتمتع بتفوق استراتيجي ساحق على جيرانها، وتسعى لأن تصبح قوة عالمية. وبعد أن كان كثيرون ينظرون إليها على أنها دولة تابعة للولايات المتحدة، فإن كثيرين في الولايات المتحدة أصبحوا يعتبرونها حليفا استراتيجيا رئيسيا. أما الولايات المتحدة التي خرجت من الحرب العالمية الثانية منتصرة، وتولت قيادة النظام الديمقراطي الغربي، واستخدمت فائض قوتها الشاملة في مساعدة حلفائها لإعادة بناء ما خربته الحرب، فإنها تجد نفسها الآن في وضع أضعف بكثير، وهو ما عزز الدعوة إلى تخفيف الوجود العسكري الأمريكي حول العالم، وزيادة إسهام الحلفاء في تكاليف الدفاع الاستراتيجي. ومع تراجع الاعتماد على النفط العربي، ونهاية الحرب على الإرهاب، وقرارات الانسحاب من أفغانستان وسوريا والعراق، أدركت الولايات المتحدة أن إسرائيل تستطيع أن تلعب دورا محوريا في نظام جديد للدفاع الإقليمي يملأ فراغ القوة الذي تعاني منه المنطقة. لهذا لعبت واشنطن دورا جوهريا في اتفاقيات التطبيع الأخيرة، وما تزال تعمل بقوة من أجل توسيع نطاقها، لكن اختلاف نظرة كل من الطرفين إلى إيران، وإلى كيفية تسوية القضية الفلسطينية، يهدد العلاقات بينهما، إلى الدرجة التي قد تضع استراتيجية كل منهما في مواجهة الأخرى، فإسرائيل تعارض بشدة عودة واشنطن للاتفاق النووي، وتطالب بتوقيع اتفاق جديد، تشارك في التفاوض بشأنه، يجرد إيران تماما من قدراتها النووية والصاروخية في الأجل المنظور. كما أنها مستمرة في توسيع الاستيطان وبناء حقائق يهودية جديدة على الأرض، يمكن أن تؤدي في نهاية الأمر لتجريد الفلسطينيين من وجود ما يمكن أن يتفاوضوا عليه. الولايات المتحدة من ناحيتها تعتبر أن العودة إلى الاتفاق النووي هي الطريق الصحيح لوضع البرنامج النووي الإيراني تحت الرقابة الدولية، بما يحقق هدف منع الانتشار النووي في الشرق الأوسط. أما بالنسبة للقضية الفلسطينية فإنها تكتفي في الوقت الحاضر بتعديل سياستها لتقديم مساعدات «إنسانية» أكبر للفلسطينيين، مع تأجيل أي قرار سياسي في ما يتعلق بالتسوية على أساس حل الدولتين. هذا الحل مهدد في الوقت الراهن.

استقواء إسرائيل بدول الخليج

من الملامح الجديدة المهمة للدبلوماسية الإسرائيلية في خلافاتها مع الولايات المتحدة بشأن إيران وفلسطين، العمل على تصدير فكرة أن السعودية والإمارات والبحرين تقف إلى جانبها. وهناك جوقة في هذه الدول وفي مصر، تعزف هذا اللحن الإسرائيلي كل يوم ضد إيران وضد الفلسطينيين. وتستند الدبلوماسية الإسرائيلية في التعامل مع الخلافات الأمريكية منذ نشأتها على خمسة مرتكزات:

الأول، هو بناء قوة عسكرية ونووية مستقلة تزيد قدرتها على الدفاع عن نفسها بدون الحاجة إلى أحد. ومع أنها لم تصل بعد إلى تلك النقطة، فإنها استطاعت بالفعل أن تطور برنامجها النووي، وصولا إلى إنتاح ترسانة من الأسلحة النووية، كما استطاعت أن تطور برنامجها للدفاع الصاروخي، وتطوير أنظمة عسكرية متقدمة بالمشاركة مع برامج التسلح الأمريكية والأوروبية.

الثاني، هو إزاحة العقبات التي تعترض طريق المصالح الإسرائيلية في المنطقة، حتى إن تعارض ذلك مع السياسة الخارجية الأمريكية، وهو ما نشاهده بصورة جلية في التوسع الاستيطاني، وابتلاع القدس، ودفع الحدود الإسرائيلية شرقا إلى غور الاردن، وضم الجولان. وهي سياسة تخلق حقائق جديدة على الأرض، تجعل الضغوط الأمريكية عديمة القيمة وبعيدة عن الواقع.

أما المرتكز الثالث، فهو العمل بكل الطرق على إضعاف الخصوم، وإعادتهم عقودا إلى الوراء، وتهشيم مصادر قوتهم، ووضعهم دائما في مرمى التهديد الإسرائيلي. هذا ما فعلته إسرائيل تجاه دول عربية مثل مصر والعراق وسوريا، وهي تسعى الآن لتحقيق الهدف ذاته مع إيران.

ويتمثل المرتكز الرابع في العمل على بناء تحالف سياسي إقليمي تكون فيه هي المتحدث باسم المنطقة، وأنها ليست وحدها عندما يقع خلاف بينها وبين واشنطن. نجاح إسرائيل في هذه المرتكزات الأربعة هو محركات عملية إعادة تموضعها الاستراتيجي في الشرق الأوسط، لكي تجلس في موقع القيادة، وأن تكون استراتيجيتها هي الغالبة. ومع أنها قطعت شوطا طويلا في بناء هذا التحالف، فإن الوقت ليس متأخرا لكي تقدم الدول العربية الدليل على أن إسرائيل ليست هي المتحدث باسمها لدى الولايات المتحدة، عن طريق إبطاء إجراءات التطبيع، مع الحرص على استمرار التواصل المعنوي مع قوى السلام في المجتمع الإسرائيلي. وخامسا فإن إسرائيل وهي تستخدم محركات القوة السابقة لإعادة تموضعها الاستراتيجي، فإنها تسعى أيضا لأن تثبت للولايات المتحدة أنها رصيد استراتيجي للمصالح الأمريكية في المنطقة والعالم وليست عبئا عليها.

العرب والانتفاضة الفلسطينية

أدت مصادرة السياسة عموما في الدول العربية بعد فشل ثورات الربيع العربي إلى تراجع تيار دعم القضية الفلسطينية، وإضعاف التمسك بحل الدولتين. كما أن تأييد القضية الفلسطينية شعبيا في العالم العربي تأثر سلبا بالخلافات الفلسطينية. ومن المحتمل أن تتصاعد هذه الخلافات أكثر بعد تعليق الانتخابات العامة، على خلفية عدم سماح إسرائيل للفلسطينيين في القدس بالتصويت، وهو ما يتطلب العمل لدرء مخاطر تداعيات تعليق الانتخابات. وتقدم انتفاضة القدس الدليل على أن روح المقاومة باقية، لكنها يجب أن تكون ذات أهداف سياسية واضحة وليست مجرد رد فعل للانتقام، وألا تختلط فيها الأمور بسبب الصراع بين فتح وحماس. ومن الضروري أن تحصل الانتفاضة في هذا الإطار المحدد، على دعم عربي مادي ومعنوي، وهو ما يتطلب تعزيز التواصل بين مصر والأردن والسعودية وقطر، التي تلعب دورا مهما في العلاقات مع الفلسطينيين. ومن المؤكد أن الأردن يتحمل عبئا كبيرا في هذا الخصوص، ومن الضروري أن يحصل على الدعم الكافي. إن الدبلوماسية الإسرائيلية تحاول إدارة دفة الحوار الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، بما يعزز قيادتها الإقليمية، وهي لن تستطيع أن تنجح في ذلك بدون دعم إقليمي، ولذلك يجب حرمانها من هذا الدعم الذي تقدمه الآن الإمارات والبحرين. كما أنها تعاني في الوقت نفسه من أزمة سياسية محلية، تعود جوهريا إلى الخلل في التمثيل السياسي لعرب إسرائيل. ولهذا فإننا ندعو إلى ضغط عربي منسق من خلال تأييد ودعم الانتفاضة، بتصويب اتجاهها، وتعزيز أولوية حل الدولتين، وإبطاء إجراءات التطبيع، مع الحرص على إقامة تواصل مع قوى السلام في المجتمع الإسرائيلي، وتهدئة الوضع على جبهة الصراع مع إيران، حتى تنجح عودة الولايات المتحدة للاتفاق النووي بدون مضاعفات سلبية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى