أقلام وأراء

إبراهيم نوار: عندما يتفق نصر الله مع لبيد فإن ما يصلح لـ«حزب الله» يصلح لإسرائيل

إبراهيم نوار 5-10-2022م

مشروع اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان، الذي أعده بعد مفاوضات شاقة آموس هوكشتاين مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الطاقة، يترافق مع تطورين كبيرين في كل من البلدين. في إسرائيل يحاول رئيس الوزراء الحالي يائير لبيد إعادة الاعتبار إلى «تيار الوسط»، وجعله التيار المركزي في السياسة الإسرائيلية، بعد عقود من صعود اليمين، وانحسار اليسار.

لبيد على ما يبدو يسعى لبناء أرضية سياسية ينمو عليها تيار يقبل بالتعايش الإسرائيلي- الفلسطيني، في إطار حل الدولتين، وهو ما عبر عنه في كلمته في افتتاح الدورة 77 للجمعية العامة للأمم المتحدة، ويقبل بالتعايش مع الدول العربية، على أساس فلسفة الصفقات الرابحة للطرفين، وتطوير المصالح المشتركة، بعيدا عن النزعة الأيديولوجية المتطرفة التي يتبناها زعماء ليكود والتنظيمات الدينية.

وقد هاجم نتنياهو زعيم اليمين الإسرائيلي كلمة لبيد في الأمم المتحدة، كما أنه فتح النار فورا على مشروع اتفاق ترسيم الحدود البحرية الاقتصادية مع لبنان. التحدي الذي يواجه لبيد حاليا هو أنه لا يملك وقتا كافيا لإقناع أغلبية الإسرائيليين بصحة «استراتيجية التعايش»، بينما الانتخابات العامة تدق الأبواب في أول الشهر المقبل. وهو إذا نجح فربما يقدم نموذجا جديدا للعلاقات الإسرائيلية – العربية، وهو نموذج يبدو أن الإدارة الأمريكية الحالية تدعمه، وكذلك الاتحاد الأوروبي، كما أن روسيا والصين تؤيدانه ضمنا.

في لبنان يترافق مشروع الاتفاق مع بدء مناورات انتخاب رئيس الجمهورية، واستمرار الأزمة الاقتصادية، وحالة الشلل التي تعاني منها السلطة التنفيذية، سواء بسبب تهديد الفراغ السياسي، أو تهديد النقص الحاد في الموارد المالية. وقد يجد بعض السياسيين اللبنانيين، ومنهم السيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله، أن اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، يمنح لبنان فرصة تاريخية لـ»تغيير قواعد اللعبة» في التعامل مع أزماته المختلفة، من بوابة فتح «كنز الغاز»، الذي لا يمكن فتحه من دون موافقة إسرائيل. وعلى الرغم من أن نصر الله لن يستخدم أبدا مصطلح «التطبيع»، وسط احتدام أزمة الاستقطاب السياسي في المنطقة بين إيران وإسرائيل، فإن اتفاق ترسيم الحدود البحرية يقيم قاعدة مصالح مشتركة، من خلال نظام متفق عليه لإدارة مورد مشترك هو «الغاز الطبيعي»، لن يمكن لأي من الطرفين استثماره من دون اتفاق مع الطرف الآخر. ونظرا لفوائده الاقتصادية غير المشكوك فيها، فإن الزعامات السياسية في بلد يعاني من أزمة اقتصادية طاحنة وممتدة، تقف في صف الاتفاق، ربما مع بعض التحفظات، التي يمكن وصفها بأنها «شكلية وجزئية».

مشروع الاتفاق الذي تلقته الحكومة الإسرائيلية والرئاسة اللبنانية، ما يزال موضع نقاش جاد في العاصمتين. وبسبب مصالح سياسية انتخابية ضيقة الأفق، ومنطق يميني متطرف؛ فإن زعيم المعارضة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، هو الذي يحاول الآن أن يلعب دور «القوة المعطلة»، على عكس موقف نصر الله في بيروت، الذي يعتبره خطوة «مهمة» وفرصة «واعدة»، ويصطف معه بعض الوجوه اليمينية في الحكومة الحالية. كما يواجه مشروع الاتفاقات انتقادات فنية من المبعوث الأمريكي السابق ديفيد شينكر.

ملامح مسودة الاتفاق

تفاصيل مسودة الاتفاق لم تُنشر حتى وقت كتابة هذه السطور، ومن المتوقع أن يُعرض غدا للمناقشة والتصويت في اجتماع مجلس الوزراء الأمني المصغر في إسرائيل. وفي حال الموافقة عليه، فإن الحكومة تكون ملزمة قانونا بعرضه على الكنيست، من دون الحاجة إلى طلب التصويت عليه. وفي لبنان أعلن نائب رئيس مجلس النواب إلياس بوصعب، الذي ينتمي إلى تكتل «لبنان القوي» الذي يضم 29 نائبا برئاسة جبران باسيل، ويمثل أكبر قوة برلمانية، أن لدى لبنان ملاحظات على مشروع الاتفاق، وأنه سيقدم ردا رسميا يتضمن تعديلات مقترحة. تصريحات بو صعب جاءت بعد اجتماع للرئاسات الثلاث في لبنان يوم الاثنين الماضي، ضم الرئيس ميشيل عون، ورئيس الوزراء نجيب ميقاتي ورئيس مجلس النواب نبيه بري. وقال إن لبنان سيقدم رده على مسودة الاتفاق خلال 48 ساعة على الأكثر، متمنيا أن يحصل على جواب من واشنطن قبل نهاية الأسبوع الحالي. ونعتقد أنه من المرجح أن يكون الغرض من هذه التعديلات هو إزالة اللبس، الذي يمكن أن يترتب على توقيع الاتفاق، بسبب عدد من النقاط الحساسة، أهمها التأكيد على أن الترسيم ليس اعترافا بإسرائيل ولا تطبيعا معها، وليس اتفاقا لتحديد الحدود السياسية، وأنه لا يلزم الحكومة اللبنانية بدفع رسوم للحكومة الإسرائيلية، مقابل الاستغلال الكامل لحقل «قانا»، بما في ذلك امتداده في المنطقة المتنازع عليها بين خطي 23 و29. لبنان يريد أن يكون صاحب الكلمة الأخيرة قبل توقيع الاتفاق. ولتجنب الصدام مع لبنان بشأن الرسوم المقترحة، فقد بدأت إسرائيل بالفعل مباحثات في باريس مع شركة توتال الفرنسية، للاتفاق على الصيغة التي ستقرر كيفية تحديدها وسدادها مباشرة من الشركة، وليس عن طريق الحكومة اللبنانية. ويمثل مشروع الاتفاق صفقة اقتصادية رابحة للطرفين بكل المقاييس، قدّم فيها كل منهما تنازلا للطرف الآخر، مقابل مكسب محدد، وسيكون كل منهما رابحا في حال إقراره. إسرائيل كما يؤكد لبيد ستحصل على أمن حدودها البحرية مع لبنان بنسبة 100%، وتبدأ فورا الإعداد لاستخراج الغاز من حقل كاريش (الكلمة تعني القرش بالعبرية) بعد أسابيع قليلة من توقيع الاتفاق. أما لبنان فإنه سيكون حرا في التنقيب عن الغاز والبترول في منطقة حقل «قانا». وعلى الرغم من أن لبنان منح امتياز التنقيب في المنطقة لشركة «توتال إنيرجيز» الفرنسية، فإن الشركة لم تتمكن حتى الآن من وضع تقديرات دقيقة للاحتياطي المؤكد القابل للاستغلال التجاري، حيث قالت إنها لا تستطيع العمل في منطقة متنازع عليها.

الضمانات الأمنية لإسرائيل

عندما انسحبت إسرائيل من جنوب لبنان في مايو/أيار 2000 تنفيذا لقراري مجلس الأمن رقم 425 و426 لعام 1978 اللذين يطالبان إسرائيل بسحب قواتها من «جميع الأراضي اللبنانية دون تأخير»، فإنها وضعت علامات بحرية طافية على سطح الماء، تحدد المنطقة العسكرية المسموح لقواتها بالعمل فيها، من دون تدخل من الطرف الآخر، أو من قوة المراقبة الدولية. ومع مرور الوقت أصبح خط العوامات الفاصل بين البلدين بحريا هو خط حدود عرفية، يعوض عن عدم وجود اتفاق رسمي. وطبقا لمشروع الاتفاق فإن الطرفين يقبلان بتقنين هذا الخط للمرة الأولى بعد أكثر من عشرين عاما على الانسحاب. ويعتبر لبيد أن هذا الخط ستكون له أهمية أمنية رئيسية لإسرائيل، وسيتم تسجيله في وثائق الأمم المتحدة. كما أنه سيكتسب أيضا قوة دولية، نظرا لأنه سيكون جزءا من اتفاقية تضمنها الولايات المتحدة وفرنسا.

تأثير الانتخابات الإسرائيلية

مع اقتراب التصويت في الانتخابات العامة أول الشهر المقبل، فإن المناقشات بشأن مشروع الاتفاق في إسرائيل، تكتسب طابعا انتخابيا حادا، ويريد نتنياهو أن يحصل من معارضته للاتفاق على شعبية وأصوات جمهور اليمين الصهيوني، والأحزاب الدينية المتطرفة، بما يؤهل حزب ليكود وأنصاره لتشكيل الحكومة المقبلة. وقد انتقلت الحملة الانتخابية لمعسكر نتنياهو خلال الأيام الأخيرة للتركيز على العداء للفلسطينيين، والتعهد بتشجيع الاستيطان في القدس والضفة الغربية، واتهام الحكومة الحالية بالتفريط في حقوق السيادة الإسرائيلية، في ما يخص حدود المنطقة الاقتصادية البحرية مع لبنان.

تغيير قواعد لعبة الغاز

إذا تم توقيع اتفاق ترسيم الحدود البحرية الاقتصادية، فإنه سيقيم نموذجا جديدا للتعاون الإقليمي بين إسرائيل ودولة مجاورة لا ترتبط معها باتفاقية سلام، وما تزال في حالة حرب معها من الناحية القانونية البحتة. النموذج الجديد يقوم على مبدأ «التطوير المشترك للموارد المشتركة»، وهو أحد المبادئ المستقرة تقريبا في العلاقات الدولية والقانون الدولي. كما أن توقيع الاتفاق يسمح بتطوير البنية الأساسية الإقليمية للطاقة بمشاركة إسرائيل، ويفتح الباب لانضمام لبنان إلى منتدى غاز شرق المتوسط، الذي يضم في عضويته مصر وإسرائيل والأردن وفلسطين واليونان وقبرص وإيطاليا وفرنسا، وتشارك فيه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بصفة مراقبين، كما يمهد الطريق للبنان لاستخدام خطوط أنابيب تصدير الغاز الإسرائيلي إلى مصر، ويعزز إمكانيات تطوير شبكة الكهرباء الإقليمية المشتركة بين لبنان والأردن ومصر. وعلى الصعيد الدولي فإن تشغيل حقل «كاريش»، وبدء التنقيب في حقل «قانا» يعزز دور منطقة شرق المتوسط في تصدير الغاز المسال إلى جنوب أوروبا عن طريق معامل الإسالة في مصر، تعويضا عن نقص الإمدادات بسبب العقوبات على روسيا. ومن ثم تحويل الحرب الأوكرانية إلى فرصة لتحقيق مكاسب اقتصادية وجيوسياسية للمنطقة.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى