أقلام وأراء

إبراهيم نوار: بعد تعليق مفاوضات الاتفاق النووي الإيراني ما هي «الخيارات الأخرى»؟

إبراهيم نوار 14-9-2022م

كتبت على هذه الصفحة يوم الأربعاء الماضي أن انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني المقبل في كل من الولايات المتحدة وإسرائيل ستقرر مصير مفاوضات إحياء الاتفاق النووي بين إيران والقوى العالمية الكبرى، وقد أكدت الأحداث في الأيام الأخيرة هذا الاستنتاج، حيث توقفت المفاوضات عمليا، وإن كانت الأطراف كلها لم تجرؤ على إعلان وقفها. وسيظل الأمر كذلك، على الأرجح حتى انتهاء انتخابات نوفمبر، وظهور نتائجها، التي ذكرت أيضا أنها «قد تنقذ الاتفاق أو تغرقه».

ومع توقف مفاوضات فيينا، فإن حكومة إسرائيل، التي يمكن وصفها بأنها «مهندس عملية إفشال المفاوضات»، فتحت لنفسها طريقا مستقلا للعمل ضد إيران، بصرف النظر عن مواقف القوى الأخرى. روسيا والصين وإيران تتمسك باستمرار المفاوضات، وتدعو إلى استئنافها، بينما استطاعت إسرائيل عمليا «تحييد» خيارات كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ووضعت أمامهما خيارا واحدا، هو «مواصلة الضغط على طهران، وانتظار نتائج انتخابات نوفمبر»، وبذلك فقد أصبحت تل أبيب هي اللاعب الرئيسي في مفاوضات فيينا، وليست واشنطن، وليست بروكسل. ومن ثم فإن خريطة توزيع القوة على مائدة المفاوضات النووية المتوقفة، تظهر وجود كتلتين، الأولى تضم طهران وموسكو وبكين، وهي جميعها أطراف رسمية تلعب دورها «حضوريا»، والثانية تضم بروكسل وواشنطن وتل أبيب. بروكسل عديمة القدرة على العمل أو اتخاذ قرار مستقل، وواشنطن تشارك بشكل غير مباشر، بينما تل أبيب ليست طرفا رسميا في المفاوضات، لكنها برهنت على أنها تقود التحالف الغربي في مفاوضات فيينا غيابيا ومن وراء الستار.

ويمكننا القول بلا تردد، إن موقف واشنطن وبروكسل حاليا هو مفعول حملة الضغط الإسرائيلية، التي يديرها ما يمكن وصفه بأنه «مجلس حرب» بقيادة يائير لبيد، وبيني غانتس، وديفيد بارنيه، وإيال حولاتا. كما أن بيان المجموعة الثلاثية الأوروبية، الذي اتهم إيران بعدم الرغبة في توقيع اتفاق، وانتهاك التزاماتها كعضو في معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، تمت صياغته، وصدر بعد طلب من وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن خلال زيارته الأخيرة لبروكسل. خيار التحالف الغربي عمليا هو تعليق المفاوضات، وتصعيد حملة الضغط على إيران، بما يحقق شعبية للحكومة الإسرائيلية الحالية في الانتخابات العامة المقبلة، ويساعد إدارة بايدن في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، ويضمن استمرار الموقف الأوروبي داخل سلة المصالح الإسرائيلية. وفي هذا السياق يزور لبيد ألمانيا، ويتوجه غانتس إلى واشنطن، وتجري اتصالات من وراء الستار مع السعودية.

محركات الوضع الراهن

جاء البيان الأوروبي الأخير بعد تصريحات أدلى بها بلينكن للصحافيين في بروكسل، قال فيها إن الرد الإيراني الأخير «يعيدنا إلى الوراء»، وإن أوروبا يجب أن تلتزم بالعمل المشترك ضد إيران، وإن واشنطن لن توقع صفقة إلا إذا كانت تعزز أمنها القومي، وإن الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن، على الرغم من سعيه للتوصل إلى اتفاق، قد وجه تعليماته إلى كل الأجهزة المعنية، بأن تكون لديها «خيارات أخرى قوية متاحة، لضمان عدم امتلاك إيران لقدرات صنع سلاح نووي». طهران، هي الأخرى، قررت أن تهدد باللجوء إلى «الخطة باء»، في الوقت الذي تعيد فيه التأكيد على استعدادها لاستئناف مفاوضات جادة، تقود إلى اتفاق «قوي ومستدام، يضمن حقوقها». مثل هذا الاتفاق سيحرر موارد الطاقة الإيرانية، ويطلقها للأسواق الأوروبية، التي تستعد لشتاء قارس البرد. في المقابل فإن الولايات المتحدة وإسرائيل تعدان العدة للتهديد بخيارات ساخنة، بينما تقف روسيا والصين بصلابة في ظهر الموقف الإيراني. المفاوضات النووية في فيينا معلقة إلى حين قد يطول انتظاره، ومن المرجح أن تؤدي الضغوط الانتخابية في واشنطن للتخلي عن أي خطط لاستئناف المفاوضات قريبا، خصوصا مع الحملة المنظمة التي تقودها إسرائيل. أما في داخل إسرائيل نفسها فإن أولوية الانتخابات، وعلاج الوضع الملتهب في الضفة الغربية، يتقدمان كثيرا على الاهتمام الفعلي بملف المواجهة مع إيران، إلا في ما يخدم السعي لتحقيق مكاسب انتخابية، وتهدئة الوضع في الضفة. الخط الأحمر الأول للحكومة الحالية هو «منع نتنياهو من العودة للحكم».

الموقف الإيراني

ردت إيران على البيان الأوروبي بالتأكيد على ثلاث حقائق رئيسية؛ الأولى، أن إيران قدمت دائما الأفكار والمبادرات التي حافظت على قوة الدفع اللازمة لاستمرار تقدم المفاوضات خلال الأشهر الماضية، بينما كان أداء الأطراف الأخرى عقيما، وأنها ملتزمة بالعمل من أجل التوصل الى اتفاق ينهي العقوبات، لأن لها مصلحة أكيدة في ذلك. الثانية، أن أوروبا يجب أن تتبع سياسة مستقلة تجاه إيران، وألا تقع في الفخ الإسرائيلي أو الأمريكي، لأن نتيجة ذلك ستكون الفشل، كما فشلت سياسة «الضغوط القصوى» الأمريكية. ووصفت الخارجية الإيرانية بيان الترويكا بأنه «غير بناء، ويدعو للأسف»، وقالت إن أوروبا يجب أن تكون مستعدة لتحمل مسؤولية السير خلف إسرائيل، بما قد يؤدي لانهيار المفاوضات. الثالثة، التأكيد على الطابع السلمي لبرنامجها النووي، وحرصها على أن تتحمل مسؤوليتها كعضو في معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية.

الخط الأحمر الإسرائيلي

كتب ياكوف كاتز رئيس تحرير صحيفة «جيروساليم بوست» مقالا مهما يوم 8 سبتمبر/أيلول الحالي، يثبت فيه أن «سيف التهديد النووي الإيراني» ما يزال بعيدا عن رقبة إسرائيل. ويدعو إلى إعادة تعريف «الخط الأحمر» الذي يوجب على إسرائيل التحرك عسكريا ضد إيران. المهم في المقال هو أن كاتز لا يعبر عن وجهة نظره وحده، وإنما تشاركه فيها شخصيات من قيادات النخبة العسكرية والمدنية الإسرائيلية، مثل رئيس الوزراء يائير لبيد، ووزير الدفاع بيني غانتس، ورئيس الأركان السابق جادي أيزينكوت، الذي انضم أخيرا إلى حزب «الوحدة الوطنية» بقيادة غانتس، ورئيس المخابرات العسكرية السابق الجنرال تامير هايمان، الذي يرأس حاليا معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي. وجهة نظر كاتز تدعو إلى إعادة تعريف الخط الأحمر الإسرائيلي، ومن ثم إعادة تقييم طبيعة الرد على إيران في المرحلة الحالية. التعريف الدقيق لهذا الخط من وجهة نظره ليس «منع إيران من الوصول إلى تخصيب اليورانيوم بنسبة 90%» كما حدده نتنياهو في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2012. ويقول كاتز إن تطورات كثيرة وقعت منذ ذلك الوقت حتى الآن، أبطأت مسار البرنامج النووي الإيراني، توجب إعادة تعريف «الخط الأحمر»، منها الاتفاق النووي لعام 2015 الذي فرض قيودا على إيران، التزمت بها حتى مايو/أيار 2018 عندما انسحبت منه الولايات المتحدة، والعقوبات التي أُعيد فرضها، وعمليات التخريب الإسرائيلية المستمرة في الداخل الإيراني، التي تستهدف البرنامج، و»اتفاقيات أبراهام»، التي فتحت لإسرائيل بوابة واسعة لإقامة تحالف إقليمي مع الدول العربية ضد إيران. وبناء على المبررات التي عرضها كاتز، فإنه يعيد تعريف الخط الأحمر على أنه «منع إيران من الشروع في إنتاج سلاح نووي». ويضيف أنه لا حاجة لإسرائيل في الوقت الراهن لأن تبادر إلى القيام بعمل عسكري ضد إيران، وإن كان ذلك لا يمنع من مواصلة تهديدها بشن عمليات عسكرية، والاستعداد لذلك. مقال رئيس تحرير صحيفة «جيروساليم بوست» يؤكد أن الضغوط ضد إيران يجب أن لا تتوقف، لكن توجيه ضربة عسكرية، مع أنه قائم نظريا «مهما كانت النتائج»، ما يزال احتمالا بعيدا.

ومع تحول مسألة الرد على إيران إلى «قضية انتخابية» في تل أبيب وواشنطن فإننا سنشاهد ونسمع خلال الأسابيع المقبلة ردود فعل متفاوتة، تحركها دوافع انتخابية، لا علاقة لها بالتقييم الحقيقي للموقف الاستراتيجي في الصراع الإسرائيلي- الإيراني على النفوذ في الخليج والبحر الأحمر وشرق البحر المتوسط. من الناحية العسكرية البحتة، فإن الخطر المباشر الذي يهدد إسرائيل ويقلقها أكثر من أي شيء آخر في الوقت الحالي، هو حدوث انفلات في الأوضاع الأمنية في الضفة الغربية، وظهور بوادر موجة جديدة من المقاومة المسلحة هناك. ومن ثم فإن أجهزة الاستخبارات، وليس الجيش الإسرائيلي، تكون بالضرورة هي الأكثر نشاطا في الملف الإيراني. بينما سيكون على المؤسسة العسكرية، حتى الانتخابات، العمل على مواجهة تهديدات أخرى أكثر قربا؛ مثل أمن الضفة الغربية، والحدود الشمالية، وأمن الحدود مع سوريا (الجوية والبحرية والبرية)، الذي يتضمن عدم السماح بتمركز إيراني عسكري هناك، إضافة إلى أمن غزة. تحريك «الخط الأحمر» الإسرائيلي ضد إيران إلى أسفل لا يعني تخفيف الضغوط عليها، بل إنه على العكس، يخلي الطريق لحملة ضغوط دبلوماسية شديدة عليها في الأسابيع المقبلة. تحريك الخط الأحمر ضد إيران إلى أسفل يسمح لحكومة لبيد بتحريك الخط الأحمر ضد نتنياهو إلى أعلى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى