أقلام وأراء

إبراهيم نوار: السياسة الأمريكية تغرق في بحر من المذلة في الشرق الأوسط

إبراهيم نوار 2-5-2023: السياسة الأمريكية تغرق في بحر من المذلة في الشرق الأوسط

تبدو الولايات المتحدة وكأنها القوة الوحيدة في العالم، التي لا تدرك حتى الآن إنها لم تعد القوة المهيمنة في الشرق الأوسط! الزوج هو آخر من يعلم! هذه حقيقة تنطبق على الرئيس جوزيف بايدن، الذي لم يدرك بعد أنه تحول إلى متفرج، بعد أن كان صانعا للأحداث، فأصبح بذلك موضوعا للسخرية، ومرمى سهلا للإجراءات المذلة في الشرق الأوسط، منذ اليوم الأول لإعلانه الترشح لفترة رئاسية ثانية يوم 25 من الشهر الماضي. ومن المصادفات الغريبة أن هذا الإعلان ترافق مع مرور 43 عاما على العملية العسكرية الفاشلة لتحرير الرهائن في السفارة الأمريكية في طهران، التي عرفت بعملية «مخلب النسر»، وانتهت نهاية مُذِلة في 24 أبريل/نيسان 1980، بتدمير طائرتي هليكوبتر ومقتل 8 جنود أمريكيين. وكانت السبب الرئيسي في هزيمة كارتر، وفوز ريغان. وبعد إعلان ترشحه بيومين تقدم مايكل راتني السفير الأمريكي الجديد لدى السعودية بأوراق اعتماده إلى وزارة الخارجية، ولم يتمكن من لقاء الوزير، واستقبله عبد المجيد السماري وكيل الوزارة لشؤون المراسم، وهو ما اعتبره المراقبون إهانة سعودية متعمدة لأمريكا. وقبل ذلك بأقل من أسبوعين انتظر وليام بيرنز، مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية في الرياض لمدة 48 ساعة، ليتم تحديد موعد له للقاء الأمير محمد بن سلمان.

وبعد يومين من إعلانه الترشح لفترة رئاسية ثانية، قامت البحرية الإيرانية بتحويل مسار ناقلة نفط متجهة للولايات المتحدة، واحتجازها في إيران، تحت سمع وبصر القوات الأمريكية في الخليج وشرق البحر المتوسط، بما فيها الأسطول الخامس، والغواصة النووية «فلوريدا» المزودة بصواريخ «توماهوك» الموجهة، ومجموعة حاملة الطائرات «جورج بوش» القتالية، بما تضمه من قطع بحرية وطائرات، أُضيف إليها أخيرا سرب كامل من طائرات A-10 القاذفة – المقاتلة المزودة بقنابل ثقيلة خارقة للتحصينات تحت الأرض!

الخطوة الإيرانية التي تمت بهبوط قوة من الكوماندوز على ظهر ناقلة النفط «أدفانتدج سويت»، في وضح النهار، كانت ردا على قيام البحرية الأمريكية باحتجاز الناقلة «راجان السويس» التي تحمل نفطا إيرانيا، وتحويل مسارها إلى الولايات المتحدة. هذه التطورات التي جرت خلال الشهر الماضي، وتسارعت وتيرتها وازدادت حدتها في الأسبوع الأخير منه، تقدم لنا إشارات مبكرة عن أزمة قد تشتد في عام الانتخابات الأمريكية. وإذا لم تتم معالجتها بحكمة، فإن جو بايدن سيلقى هزيمة انتخابية مذلة في العام المقبل، تذكرنا بهزيمة كارتر أمام ريغان في انتخابات 1980.

عسكرة الدبلوماسية الأمريكية

فقدت الدبلوماسية الأمريكية روحها الديمقراطية، كما اختفى ذكاؤها في استخدام مقومات القوة الناعمة، وهي تبدو في معظم الأحوال أسيرة للجنوح إلى «عسكرة» الحلول للمشاكل التي تواجهها. ويبدو الآن أن هذه النزعة تعكس ضعفا وعدم مصداقية، ما يؤكد تضاؤل نفوذها في الشرق الأوسط وليس العكس. كما أن تزايد تلك النزعة جعل واشنطن أسيرة لضرورات التنسيق العسكري مع تل أبيب، على الرغم من الأزمة السياسية الداخلية في إسرائيل، وتوتر العلاقات بين البلدين، إلى الدرجة التي يرفض فيها بايدن حتى الآن دعوة نتنياهو لزيارة البيت الأبيض. وقد انحازت الدبلوماسية الأمريكية بوضوح، منذ أوائل العام الحالي، إلى زيادة وزن قوتها العسكرية في الشرق الأوسط، لثلاثة أسباب رئيسية: الأول، هو محاولة رفع الروح المعنوية للقوات الأمريكية في سوريا والعراق، بعد انهيارها نتيجة تعرضها لهجمات، أوقعت خسائر في الأرواح والمنشآت. الثاني، هو محاولة زيادة المجهود العسكري لمقابلة التحديات المترتبة على استئناف العلاقات بين السعودية وإيران. السبب الثالث هو الحاجة لتوسيع نطاق التنسيق العسكري مع إسرائيل، خصوصا في مجالات الدفاع الجوي والصاروخي لردع القوة البحرية الإيرانية الناشئة.

ولهذه الأسباب الثلاثة فإن أهمية الجنرال مايكل كوريلا قائد القيادة المركزية أصبحت تفوق أهمية كل سفراء الولايات المتحدة في المنطقة، ومنهم توماس نايدز سفيرها في إسرائيل. كوريلا كان المسؤول الأمريكي الأول الذي يزور إسرائيل بعد احتجاز الناقلة أدفانتدج سويت، التي تحمل نفطا لصالح شركة «شيفرون»، وهي في طريقها من الكويت إلى ميناء هيوستن في ولاية تكساس.

الشرطي والقرصان

حرب احتجاز وتغيير مسارات ناقلات النفط بدأت عام 2019 عندما قامت بريطانيا باحتجاز ناقلة نفط إيرانية، في مضيق جبل طارق، وهي في طريقها إلى سوريا. وقد ردت إيران على الفور باحتجاز ناقلتين تحملان العلم البريطاني. وفي العام الماضي قامت الولايات المتحدة بخطف ناقلة تحمل نفطا إيرانيا، وتحويل مسارها إلى ميناء في اليونان، حيث تم تفريغ النفط هناك في ناقلة أخرى، اتجهت بعد ذلك إلى ميناء أمريكي. وقد ردت إيران على ذلك باحتجاز ناقلتي نفط في مضيق هرمز ترفعان العلم اليوناني، بعد أن اتهمت اليونان بالتواطؤ في عملية الخطف، واشترطت إعادة الناقلة الإيرانية. وفي 22 من الشهر الماضي قامت البحرية الأمريكية باحتجاز الناقلة «راجان السويس»، وهي في المياه الدولية. وذكرت تقارير أمريكية أن تحويل مسارات ناقلات النفط الإيراني في عرض البحار، يأتي تنفيذا لحكم قضائي ضد إيران، بتعويض ضحايا 11 سبتمبر بمبلغ 3.6 مليار دولار. وطبقا لأرقام جمعتها وكالة «رويترز» فإن قيمة النفط الإيراني الذي تمت مصادرته منذ عام 2019 تبلغ حوالي 228 مليون دولار.

وتتفاعل الردود الأمريكية على المستويين التشريعي والدفاعي بسرعة منذ أواخر الأسبوع الماضي، بهدف تطوير رد طويل المدى ضد إيران. في 27 أبريل قدمت مجموعة من أعضاء مجلسي النواب والشيوخ اقتراحين متناظرين إلى المجلسين، بإصدار قانون يحدد هيكلا واستراتيجية للرد على «الإرهاب البحري الدولي في الشرق الأوسط» (MARITIME). ويطالب المشروع وزارة الدفاع بتطوير استراتيجية فعالة للتعامل مع أعمال تهديد الملاحة في المنطقة، وردع أطراف مثل «إيران وعصابات الإجرام البحري العابرة للحدود، والإرهابيين»، على حد قول آن فاغنر نائبة رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، التي شاركت في صياغة وتقديم مشروع القانون.

دور الشريك الإسرائيلي

بينما كانت المشاورات جارية في ردهات الكونغرس بشأن إصدار القانون، كان الجنرال مايكل كوريلا يلتقي في إسرائيل كلا من وزير الدفاع الجنرال يؤاف غالانت ورئيس الأركان الجديد الجنرال حرزي هاليفي، لمناقشة كيفية تطوير استراتيجية مشتركة لمواجهة «التهديدات البحرية الإيرانية». كما شمل برنامج كوريلا مشاهدة بيان عملي قامت به قوة الكوماندوز البحرية «شايتيت -13»، وهي قوة عمليات كوماندوز بحرية (ضفادع بشرية) عالية التدريب متخصصة في القيام بعمليات عسكرية نوعية. وقد بات تطور القوة البحرية الإيرانية يمثل مصدر قلق رئيسي للعسكريين الأمريكيين والإسرائيليين على السواء. واستجابة لهذا القلق جرت تدريبات عسكرية بحرية مشتركة في مارس/آذار الماضي في مضيق باب المندب والبحر الأحمر. كما جرت في شرق المتوسط مناورات بحرية في الشهر الأول من العام الحالي، شاركت فيها قوة بحرية أمريكية ضخمة. وكان كل من وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، ورئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارك ميلي قد قام بزيارة للمنطقة في شهر مارس، كما عقد الكونغرس عددا من جلسات الاستماع لتقييم وضع القوات الأمريكية في الشهر نفسه. وتقرر بعد ذلك اتخاذ أربعة قرارات كبرى لتعزيز قوة القيادة المركزية. القرار الأول هو إبقاء حاملة الطائرات «جورج بوش» في المنطقة، الثاني هو إمداد القيادة المركزية بسرب إضافي من طائرات A-10 القاذفة المقاتلة، الثالث هو إرسال الغواصة النووية «فلوريدا» لدعم الأسطول الخامس في الخليج، وهي غواصة مزودة بصواريخ توما هوك موجهة بحر – أرض، الرابع هو إنشاء قوة بحرية مسيرة (ذاتية القيادة) إقليمية تحت إشراف القيادة المركزية بمشاركة إسرائيل وحلفاء أمريكا في المنطقة. وذكر تقرير لـ»وول ستريت جورنال» (28 أبريل) أنه تقرر تزويد الطائرات A-10 بقنابل خارقة للتحصينات، تحمل الواحدة منها 250 رطلا من المتفجرات القوية. وهناك دواعٍ لافتراض إمكان مشاركتها في شن هجمات مباشرة على مواقع إيرانية، إذا تطلب الأمر. وقد ألمح وزير الدفاع الإسرائيلي إلى ذلك في لقائه الأخير مع الجنرال كوريلا، عندما نبه إلى ضرورة التعاون بين الطرفين في القيام بعمل عسكري وقائي ضد إيران، وتحديدا ضد المنشآت النووية الإيرانية.

وعلى ضوء ما يجري في الشرق الأوسط حاليا من تغييرات جيوستراتيجية، فليس من المتوقع أن تتوقف دبلوماسية إذلال بايدن في المنطقة. و ليس من المتوقع أن تنتهي حرب احتجاز ناقلات النفط قريبا، حتى إذا اقترحت واشنطن الإفراج عن أموال إيرانية مجمدة لتعويضها عن الخسائر. وهو ما يضع بايدن في موقف شديد الصعوبة في الانتخابات الرئاسية المقبلة، ما يزيد احتمال خسارته فيها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى