أقلام وأراء

إبراهيم نوار: أوروبا المتورطة في حرب أوكرانيا تنقصها إقامة مخابئ لحماية مواطنيها

إبراهيم نوار 22-2-2023: أوروبا المتورطة في حرب أوكرانيا تنقصها إقامة مخابئ لحماية مواطنيها

وسط حملة مستعرة لتوسيع نطاق الحرب الأوكرانية بإمدادات متطورة من الدبابات والصواريخ والطائرات، فإن استبعاد سيناريو امتدادها عبر الحدود، هو تصور أحمق قصير النظر. ويجب على السياسيين الأوروبيين مصارحة شعوبهم بالتداعيات الخطيرة الممكنة، في حال أصبحت أسلحة حلف شمال الأطلسي المتطورة هي أدوات القتال التي يحارب بها زيلينسكي، وأصبحت معاهد ومؤسسات التدريب العسكري لدول الحلف هي قنوات إمداد قواته بالمحاربين، وأصبحت هزيمة روسيا، هي الهدف النهائي للحرب. حرب أوكرانيا لها تداعيات خطيرة.

تذكروا العراق، وخذوا العبرة، فقد شنت الولايات المتحدة حربها على العراق عام 2003 بدعوى تخليص العراقيين من صدام حسين، لكن العراقيين ما زالوا حتى اليوم، رغم إعدام صدام، يدفعون ثمن الحرب. ويكذب السياسيون الغربيون عندما يتحدثون عن إسقاط نظام حكم أوتوقراطي يقوده فلاديمير بوتين، فهم يعلمون كيف أصبحت صناديق الانتخابات وسيلة لصعود الأوليغاركية الجديدة، وسيطرتها سياسيا واقتصاديا وإعلاميا في الأنظمة «الديمقراطية الغربية»، خصوصا في الولايات المتحدة.

ومن الحماقة أن يتصور أي عاقل أن حريق حرب أوكرانيا لن ينتشر عبر الحدود الأوروبية والعالم، في ظل هذا الإصرار المتوحش على تغليب الحرب، وتغييب الدبلوماسية عمدا مع سبق الإصرار، وستكون نهايته حرب عالمية ثالثة، ليست كما سبقها من حروب، بل سيكون فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على عقل بشر. الخطاب السياسي الذي هيمن على لقاءات مؤتمر الأمن في ميونيخ، هو خطاب حرب عالمية تحشد لها دول حلف الأطلنطي، وما أوكرانيا إلا مجرد مدخل، ومنصة انطلاق هذه الحرب. الأخطر في الأمر هو توسيع دائرة الحرب، فبدلا من استهداف روسيا فقط، فإن الخطاب الرسمي، يستهدف معها كلا من إيران والصين. بل يمكننا القول، إن استهداف الصين هو الغاية الكبرى للحرب العالمية الثالثة التي أطلق مؤتمر ميونيخ للأمن دخانها، بينما تكمن النار تحت الرماد. ومع ذلك نقول إن نشوب حرب عالمية ثالثة ليس مصيرا محتوما في ضوء الظروف الراهنة، وإنه ما يزال من الممكن تجنبها. لكن إذا استمر هذا الإصرار الأحمق على خيار توسيع نطاق الحرب، فإن الأولى بقيادات أوروبا الآن هو توفير وسائل الحماية لشعوبها، قبل تقديم السلاح إلى أوكرانيا، وذلك بالتدريب على أعمال الحماية المدنية، والإغاثة، وتوفير القدر الكافي من الملاجئ الحصينة، لحماية المواطنين من الغارات الجوية والقصف الصاروخي، والتعامل مع تداعيات اختراق أنظمة المعلومات التي لا تسير الحياة من دونها. وعلى التوازي مع إعداد القوات الأوكرانية وتدريبها وتسليحها، يجب أن لا ينسى السياسيون في أوروبا أن ما يفعلوه يجب أن يتقدم عليه مجهود أكبر لإعداد قواتهم وتسليحها، ورفع مستوى جاهزيتها للحرب، فهذا أهم، وهو مسؤوليتهم الأولى تجاه شعوبهم قبل توسيع نطاق الحرب الأوكرانية. مسؤولية الحكام الغربيين ليست قلب أنظمة الحكم في الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية وفنزويلا وكوبا. من فضلكم دعوا الآن هذه المسؤولية لشعوب تلك البلدان، ولا تسرفوا في استخدام أسلحة العقوبات، فإنها تصيب الشعوب ولا تصيب الحكام. هذا التعطش للدم الذي سيطر على الخطاب السياسي في ميونيخ، يجعل العالم يمضي معصوب العينين إلى كارثة محققة جنونية، يمكن أن تنهي حضارة البشرية كما نعرفها الآن، يمضي إلى دمار متبادل محقق، أو ما يسمى في علم الإستراتيجية (Mutual Assured Destruction) أو اختصارا MAD إنه فعلا الجنون الأعمى، الذي وصل إليه السياسيون، بعدما تحولت الأحزاب والحكومات إلى جماعات للمصالح الخاصة self-interest groups لا يعنيها أن يحترق المجتمع، ولا أن تخرب حضارة البشرية، طالما أنهم باقون على مقاعد القيادة. في مؤتمر الأمن في ميونخ غاب مصطلح «السلام» وانزوى خجلا، أو خشية من دعاة الحرب. في المؤتمر تحولت روسيا إلى شيطان أكبر يتبرك الجميع بلعنته، وإعلان العداوة له، العداوة إلى حد الموت. الذين يرددون دعاء الموت لروسيا ينسون أنها إحدى حقائق العالم الجيوستراتيجية، وأنها تمتد عبر 11 منطقة توقيت زمنية، تحدد للعالم أوقات صحوه ونومه، وأنها أكبر مخزن للطاقة في العالم منذ بدأت الثورة الصناعية بالفحم، وأنها ستظل كذلك مع الطاقة النووية، بما فيها من مخزون اليورانيوم، كما ينسون أن سلة غذاء العالم لا تكتمل من دونها. الذين يرددون دعاء الموت لروسيا ينسون إبداعات أبنائها في الأدب والموسيقى والرقص، وأن العالم من دونها لا يمكن أن يكون هو العالم الذي نعرفه، وأنها بامتدادها في سهول القوقاز والأورال وشرق أوروبا هي قلب العالم، ومن دونها فإن العالم لا قلب له.

وفي المسيرة العمياء إلى الكارثة المحققة تم استدراج روسيا إلى الحرب بطريقة الاستفزاز المتواصل، طبقا لسيناريو يشبه إلى حد كبير سيناريو استدراجها إلى حرب أفغانستان التي استمرت حوالي عشر سنوات (1979- 1989). وقد ابتلع فلاديمير بوتين الطُعم الذي ابتلعه من قبله ليونيد بريجنيف. وكما كانت حرب أفغانستان هي بداية النهاية للاتحاد السوفييتي، وانتصار الولايات المتحدة في الحرب الباردة، فإن الولايات المتحدة تأمل في أن تنتهي حرب أوكرانيا إلى هزيمة روسيا، وإجهاض محاولة إقامة نظام عالمي متعدد الأقطاب، محل نظام القطب الواحد الذي تحاول فرضه منذ تسعينيات القرن الماضي، ولكنها لم تفلح في ذلك حتى الآن. لقد أرسل بوتين قواته إلى أوكرانيا رافعا شعار إسقاط «النازية الجديدة» في كييف. وهو شعار يضاهي السياسة التي تقوم على مبدأ «إسقاط الأنظمة» regime change الذي حاولت الولايات المتحدة استخدامه في تغيير الشرق الأوسط منذ حرب العراق الثانية.إن الأوليغاركية الجديدة في أوروبا والولايات المتحدة تتربح من الحرب ومن الاحتكار، ومن خلق الأزمات حول العالم، وتحويل كل أزمة إلى فرصة تاريخية تحقق من خلالها المزيد من الأرباح. كان بوتين يستطيع أن يقف وراء مواطنيه في إقليم دونباس شبه المستقل، وأن يعلن تمسكه باتفاقيات مينسك الأولى والثانية، وأن يمدهم بالمساعدة من وراء الحدود. كان يمكن للقوات الروسية أن تلعب دورها المطلوب في حماية الروس في إقليم الدونباس من وراء الحدود الأوكرانية، وليس باقتحامها، وليس بالتقدم إلى كييف. ومع أن أمن أوروبا لا يمكن أن يتحقق من دون اتفاق سلام مع روسيا، وربما إلى معاهدة «وستفاليا» جديدة، فإن بوتين لم يُدع إلى ميونيخ، ليدّعي الحاضرون على روسيا غيابيا، ويدقوا طبول الحرب ضدها. القصة لا تنتهي عند طلب هزيمة روسيا، بل تتضمن التمثيل بجثتها، تماما كما حدث في العراق، والادعاء عليها بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، كما قالت كمالا هاريس نائبة الرئيس الأمريكي. الخطاب السياسي الأمريكي – الأوروبي- الأوكراني ضد روسيا يتضمن أيضا إعداد ملف يبرر مطالبتها بتعويضات قد تستمر في سدادها، لما تبقى من القرن الحالي، على غرار التعويضات التي حصلت عليها الكويت من العراق بمقتضى قرارات دولية، بل إن الاتحاد الأوروبي في عجلة من أمره، ولا يريد انتظار صدور قرارات دولية، وإنما يسعى لمصادرة الأرصدة والممتلكات الروسية في دول الاتحاد، وتحويلها إلى أوكرانيا في صورة تعويضات، بل ربما يطالب البعض بالسطو على موارد روسيا الطبيعية من نفط وغاز ويورانيوم والألومنيوم وغيرها! شرق أوروبا والمنطقة الاستراتيجية الممتدة بين سهول الأورال وسهول الدانوب والراين، كانت على مرّ التاريخ منطقة صراعات وحروب، إلا خلال عصر الإمبراطورية العثمانية، التي أقامت عازلا سياسيا بين روسيا القيصرية وأوروبا الغربية، وحتى بعد تفكيك الإمبراطورية، فقد اتجه البريطانيون إلى تفضيل إقامة دولة كردية على تخوم روسيا الجنوبية الغربية، تشكل مع تركيا حاجزا ضد روسيا، بلشفية كانت أو قيصرية، لكن تطورات ما بعد الحرب العالمية الثانية وضعت حلف شمال الأطلنطي على الحدود الروسية، ثم تعمل الولايات المتحدة على توسيع الحلف شرقا من ناحية وسط وشمال أوروبا، وهو ما يحقق لها فرض حصار كامل على روسيا من الغرب. الحقيقة الناصعة تقول إن الولايات المتحدة تريد أن تجعل من حلف الأطلنطي قاطرتها العسكرية لفرض هيمنتها المنفردة على العالم، وليس لأوروبا مصلحة في ذلك وإنما هي ضحية مثلها مثل روسيا. ومن ثم فإن فتح طريق للدبلوماسية وإقامة السلام هو السياسة الصحيحة لتجنب كارثة الحرب، التي إذا تحولت بطريق الخطأ أو العمد إلى حرب نووية، فإنها تعني فناء العالم، كما نعرفه الآن، ودفع الحضارة التي بناها الإنسان عبر آلاف السنين إلى ركام لا قيمة له في عصر شتاء نووي مظلم. الحرب في جوهرها هي احتفال بالقتل وليس بالحياة، ويجب ألا يسمح العالم لأي قوة يائسة بأن تتسبب في خراب يعادل مئات المرات ما حدث في هيروشيما وناغازاكي في نهاية الحرب العالمية الثانية.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى