#شوؤن عربية

أي مستقبل ينتظر الإخوان المسلمين في موريتانيا في مرحلة ما بعد الانتخابات؟

المركز العربى للبحوث والدراسات – محمود جمال عبد العال – 15/10/2018

يرتبط تنظيم الإخوان المسلمين بفكرة “أستاذية العالم”، لذا عملت الجماعة منذ تأسيسها عام 1928 على تصدير فكرها إلى محيطها العربي والإسلامي وصولًا إلى الانتشار الدولي. وقد أفرزت الانتخابات التي شهدتها موريتانيا في الثلث الأول من سبتمبر/أيلول 2018 واقعًا جديدًا بالنسبة لمستقبل الإخوان المسلمين هناك. وعلى الرغم من تمكن الحزب الحاكم الذي يترأسه رئيس الجمهورية “محمد ولد عبد العزيز” من الفوز بالأغلبية في المجلس التشريعي والمجالس البلدية والجهوية إلا أن هذه الانتخابات أبرزت خطاب عدائي متصاعد من الحكومة الموريتانية تجاه تيار الإخوان المسلمين؛ حيث أطلق “ولد عبد العزيز” العديد من التصريحات ضد التنظيم؛ إذ اتهمه بالراديكالية والتطرف بل وصل الأمر حد اعتباره أخطر من إسرائيل على المنطقة العربية(1).

تعالى نفوذ الإسلاميين واليساريين في موريتانيا بعد محاولات الرئيس الموريتاني السابق “محمد ولد الشيخ عبد الله” الذي قام بتوظيفهم سياسيًا بغرض تجاوز نفوذ المؤسسات الأمنية والعسكرية، ولكن برزت محاولات الفشل نتيجة سطوة هذه المؤسسات وسيطرتها على القبائل الموريتانية، وكذلك سيطرتها على الأغلبية النيابية، وانتهى الأمر في الأخير إلى الإطاحة بالرئيس “ولد عبد الله”، وتراجع مشروع الإسلام السياسي الذي بدا “ولد عبد الله” معتمدًا عليه للقضاء على مراكز القوى في السياسة الموريتانية.

سنحاول في هذا التقرير رصد خريطة الإخوان المسلمين في موريتانيا سواءً الاجتماعية أو السياسية مثل حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (تواصل) الذي يُعد بمثابة الذراع السياسي للتنظيم، أو الدعوية مثل مركز تكوين العلماء الذي تم إغلاقه مؤخرًا. وسنتطرق كذلك إلى أداء التنظيم السياسي وسياسات الحكومة الموريتانية المتصاعدة ضده مؤخرًا.

الخريطة التنظيمية للإخوان في موريتانيا وقدرتها على التأثير

تعمل أنشطة التنظيم في موريتانيا من خلال العديد من المؤسسات الاقتصادية، والخيرية، والدعوية، والدعائية إضافة إلى ذراعهم السياسي المتمثل في حزب تواصل.  وسنحاول فيما يلي تفكيك هذه الخريطة، والبحث في علاقاتهم المتشابكة.

1-     العمل السياسي؛ بدأت التيارات الإسلامية في موريتانيا مع تأسيس حركة الإصلاحيين الوسطيين في منتصف السبعينيات، وظهرت الجماعة الإسلامية كأول تنظيم للتيار الإسلامي عام 1978؛ حيث خرجت من رحم المساجد، وتطور التنظيم حتى تم تأسيس تنظيم حاسم عام 1990، ثم حزب الأمة، وأخيرًا حزب تواصل الذي تم إشهاره في أغسطس/آب عام 2007. وتأسس الحزب بعد فشل تيار الإسلام السياسي في العقود الماضية في الحصول على الشرعية الحزبية، ليصبح بذلك حزبًا معترفًا به من طرف الدولة في ضوء التحولات السياسية والاجتماعية التي شهدتها موريتانيا مطلع القرن الحادي والعشرين(2). ويستند الحزب في عمله السياسي على المساجد، واستغلال التوجه الديني والصوفي الغالب في مناطق وولايات موريتانيا بالإضافة إلى الاستفادة من اخطاء النظام في مجالات السياسة والاقتصاد والتي تتعلق بمعايش واحتياجات الشعب الموريتاني اليومية.
2-     النشاط الاقتصادي؛ يرصد المتابعون والمحللون أنشطة تيار الإخوان الاقتصادية في موريتانيا؛ حيث تتهمه الدوائر الحكومية بالحصول على تمويلات خارجية
تحت مسميات دعم النشاط الأهلي وعمل المجتمع المدني. ويسيطر التنظيم على ميزانيات ضخمة ترتبط بالعديد من المجالات التجارية مثل الاستثمار في انتاج وبيع الأدوية، ومحطات البنزين، ومحلات بيع الملابس والمواد الغذائية ووكالات بيع وتأجير السيارات إضافة إلى مراكز بيع العملات الأجنبية.

3-     المنظومة الدعائية؛ تتهم الحكومة الموريتانية الآلة الإعلامية التابعة للتنظيم ببث الشائعات والأكاذيب لتمرير مشاريعها السياسية، لذا يعتبر التنظيم المنظومة الإعلامية أحد أهم الأسلحة التي يمكن أن يتكئ عليها لمواجهة السياسات الحكومية المضادة لأنشطته، ويسيطر الحزب على عددٍ كبير من المنصات الإلكترونية والصحف مثل الأخبار، والسراج. وتتبنى هذه المنصات والأبواق الإعلامية سياسة معادية لنظام الرئيس الموريتاني الحالي “ولد عبد العزيز” مما يعتبره البعض سببًا مهمًا في تأجيج الحرب الكلامية الدائرة رحاها بين الجانبين منذ شهورٍ قليلة.

4-     النشاط الخيري والاجتماعي؛ تتهم الحكومة الموريتانية التنظيم بمحاولة استغلال التراخيص الممنوحة للجمعيات والتنظيمات الخيرية التابعة له لتسهيل الحصول على المساعدات والتمويلات الخارجية بهدف دعم أجندته السياسية. ويعتمد الحزب في دعم هذه الأنشطة على جمعية المستقبل للدعوة والتربية والثقافة، والتي تمثل الذراع الاجتماعي والخيري للحزب.

5-     النشاط الديني؛ تعتمد حركة الإخوان في موريتانيا على مركز تكوين العلماء لإعداد الكوادر من العلماء الدينيين. وتتهم الحكومة الموريتانية المركز الذي يترأسه القيادي الإخواني “ولد الددو” عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ببث خطابات الكراهية والفكر المتطرف، وتعتبر الحكومة أن الإخوان يقومون بتوظيفه لاستقطاب أعضاء جدد والترويج لأفكار الحركة بين الجماهير. وفي المقابل، ينفي تنظيم الإخوان أي دور سياسي للمركز؛ إذ يعتبرونه صرحًا تعليميًا عالميًا يسعى إلى إعداد العلماء المؤهلين لاستيعاب إشكاليات الواقع و تقديم حلول شرعية فيما تُصر الحكومة الموريتانية على أن التنظيم وأذرعه السياسية تستغل المركز للاستفادة من أنشطته والمصادر التمويلية التي يوفرها، بل واتخاذه واجهة علمية لأنشطتهم الدينية والسياسية(3).

حزب تواصل صداع دائم في رأس النظام الموريتاني

يُعتبر الإسلاميون في موريتانيا صداعًا كبيرًا في رأس السياسة الموريتانية؛ ويمثل حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية المعارضة المتشددة في وجه الرئيس الموريتاني “ولد عبد العزيز”؛ حيث يعتبره الرئيس الموريتاني معول هدم في تغذية أزمات الشارع الموريتاني، ومن بين الأزمات التي افتعلها الحزب انسحاب أعضاؤه الممثلون في البرلمان من جلسة التصديق على النشيد الوطني الموريتاني إضافة إلى رفضهم التعديلات الدستورية التي جرت عام 2017، وترتب عليها إجراء الانتخابات النيابية والبلدية والجهوية. من ناحيةٍ أخرى، دافع أعضاء حزب تواصل عن مجلس الشيوخ الذي تم حله واستبداله بالمجالس الجهوية وفق التعديلات الدستورية الأخيرة. وحاول الحزب تصدير خلافاته مع الحكومة الموريتانية إلى الشارع؛ حيث قام بتنظيم العديد من المظاهرات الشعبية لرفض هذه التعديلات ولكنهم فشلوا في إحداث التأثير.

ويعتبر المحللون الموريتانيون أن تنظيم الإخوان في موريتانيا يتبع سياسة البراجماتية التي يعتمدها الإخوان المسلمين في مصر(4)؛ حيث تقوم سياساتهم على عقد الصفقات، وتوظيف الدعاية السياسية بغرض الضغط على النظام السياسي للحصول على مزيد من المكاسب السياسية. ويستشهد في ذلك بمشاركة حزب تواصل في الانتخابات البرلمانية والبلدية والجهوية فيما يقاطعون الانتخابات الرئاسية على الرغم من تشابه البيئة السياسية، لذا يُمكن اعتبار أنهم يتبنون الاستراتيجية التي تعتمد على مقاربة الفرص المتاحة التي تعتمد على أخذ ما هو متاح بدلًا من تركه، وكذلك التحلي بالصبر لتحقيق ما لم يدركونه في الوقت الحالي للحصول عليه مستقبلًا. ويمتلك الحزب قناة تليفزيونية لتسويق برامجه.

سياسات الرئيس الموريتاني تجاه أنشطة التنظيم

فتح الرئيس الموريتاني جبهة مواجهة مع تنظيم الإخوان في موريتانيا؛ حيث اعتبر “ولد عبد العزيز” في احد تصريحاته أن تنظيم الإخوان يُشكل خطرًا على كبيرًا على موريتانيا واستقرارها. ونُسب إليه تصريحًا يهاجم فيه حزب “تواصل”؛ حيث اتهم أعضاءه أنهم مجموعة من المتطرفين الذين يرتدون ربطات عنق، لكنهم سرعان ما يستبدلونها بالأسلحة عندما لا يستطيعوا الوصول إلى أهدافهم من خلال السياسة، وألمح إلى إمكانية حل الحزب لسد الباب أمام ما اعتبره محاولات نشر الفكر المتطرف بين أوساط الشباب الموريتاني(5). واتخذت الحكومة الموريتانية العديد من الإجراءات بحق التنظيم، وسنحاول أن نرصد بعض شواهدها فيما يلي:

1-     التضييق على الأنشطة الاجتماعية؛ بادرت الحكومة الموريتانية عام 2014 لحل جمعية المستقبل للدعوة والتربية والثقافة، والتي تمثل الذراع الخيري للحزب، ويرأسها “محمد الحسن ولد الددو” القيادي في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي يرأسه الشيخ “يوسف القرضاوي”. ويرفض التنظيم هذه الاتهامات معتبرًا أن العمل الخيري والدعوي من صلب اهتماماته وأجنداته التي بدأها منذ تأسيسه ودخوله للعمل السياسي. وعلى الرغم من ذلك، لم تقتنع الحكومة الموريتانية بهذه التبريرات خاصة بعد رصد الأجهزة الرقابية الإمكانيات الكبيرة التي بدا عليها الحزب في الانتخابات الأخيرة، وهو ما يتعارض مع الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها نواكشوط(6).

2-     سحب التراخيص من المؤسسات الدعوية؛ سارعت الحكومة الموريتانية مؤخرًا بإغلاق مركز تكوين العلماء؛ حيث اعتمد قرار الإغلاق على ما ادعته الحكومة من استغلال حزب تواصل وحركة الإخوان لأنشطة المركز لاستقطاب وتمويل أنشطة الحزب السياسية. وكانت قد تمركزت قوات الأمن في محيط المركز قبيل اتخاذ القرار الرسمي بإغلاقه وسحب تراخيصه، كما قامت القوات الحكومية بإغلاق كافة الطرق المؤدية إليه(7). على صعيدٍ آخر، سارعت وزارة التعليم العالي الموريتانية بسحب ترخيص جامعة عبد الله بن ياسين التابعة للتنظيم في نواكشوط.

3-     رفض منح التراخيص لأنشطة التنظيم الدعائية؛ رفضت الحكومة الموريتانية محاولات التنظيم للحصول على ترخيص بتأسيس إذاعة للقرآن الكريم؛ إذ سعى التنظيم لتعظيم منظومته الدعائية على الرغم من هيمنته على العديد من المنصات والمواقع الصحفية والتلفزية.

4-     التهديد بحظر حزب تواصل؛ يشن “ولد عبد العزيز” هجومًا عنيفًا على حزب تواصل؛ حيث دائمًا ما يتهمه بالراديكالية والتطرف، بل يعتبره أنه يتخذ الإسلام وسيلة للوصول إلى السلطة. وكان قد هاجم “ولد الشيخ” التنظيم قُبيل الانتخابات النيابية والمحلية والجهوية التي تم إجراؤها مطلع سبتمبر/أيلول 2018معتبرًا فوز حزب الاتحاد من أجل الجمهورية يُمثل هزيمة ساحقة للمتطرفين الدينيين والعرقيين، وذلك في إشارة لحزب تواصل.

الهوامش

1-      محمود جمال عبد العال، الانتخابات الموريتانية: الخلفيّة، ودلالات التوقيت، وخريطة الفاعلين وأوزانهم النسبية (23/9/2018)، المركز العربي للبحوث والدراسات، على الرابط: http://www.acrseg.org/40928

2-      5 معلومات عن حزب الإخوان «تواصل» في موريتانيا (31/8/2018)، فيتو، على الرابط: https://www.vetogate.com/3286751

3-      الموقع الإلكتروني لمركز تكوين العلماء، على الرابط:http://cforim.org/

4-      فتحي خطاب، «إخوان» موريتانيا.. يتصدرون المشهد السياسي (4/9/2018)، على الرابط: https://goo.gl/KXqJcr

5-      الشيخ محمد، هل وصلت علاقة السلطات الموريتانية بـ«الإخوان» إلى نقطة اللاعودة؟ (29/9/2018)، الشرق الأوسط، على الرابط: https://goo.gl/4hbpn4

6-      أنظر: موريتانيا تتجه لحل الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين (23/9/2018)، العرب، على الرابط: https://goo.gl/Y9vj7P

7-      موريتانيا: صدام جديد بين السلطة وحزب “تواصل”؟ (28/9/2018)، فرانس 24، على الرابط: https://goo.gl/shreTy

1

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى