شؤون إسرائيلية

أنطوان شلحت يكتب – هزيمة ترامب وتداعياتها إسرائيلياً

أنطوان شلحت  *- 9/11/2020

أشرنا قبل ثلاثة أسابيع، على أعتاب انتخابات الرئاسة في الولايات المتحدة، إلى تواتر تأكيد جلّ الناطقين المفوهين بلسان رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ومعسكره اليميني على أن تداعيات هزيمة الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمام منافسه جو بايدن، نائب الرئيس الأميركي السابق، قد تكون ذات طابع دراماتيكي على إسرائيل، نظراً لكون مواقف ترامب وبايدن حيال مختلف موضوعات السياستين الخارجية والأمنية تظهر بجلاء أن ثمة “فجوة كبيرة” بينهما.

كما نوهنا بأن من أبرز الملفات التي قد تكون مُرشحة لأن يطالها تغيير نتيجة تلك الفجوة، ويُشار إليها على نحو خاص من طرف أولئك الناطقين، ما يلي: احتمال تقليص ميزانية الأمن الأميركية؛ تراجع الضغوط المُمارسة على النظام الإيراني أو العودة إلى ما توصف بأنها “سياسة الإذعان” التي انتهجتها الإدارة الأميركية السابقة برئاسة باراك أوباما وتسببت بإبرام الاتفاق النووي في العام 2015 والذي اعتبر بمثابة عامل محفّز لنظام الملالي أسفر في الوقت عينه عن مسّ الأنظمة العربية الموالية لواشنطن؛ عدم الاستمرار في شنّ حرب على ما تصفه إسرائيل بـ”الإرهاب الإسلامي” والذي تماهت معه إدارة ترامب في حين امتنعت إدارة أوباما عن استخدام هذا التوصيف الذي يخلط بشكل عامد بين الإسلام والإسلاموية.

وفيما يخص الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية طرح هؤلاء الناطقون احتمالات شتى، منها أن تلجأ الولايات المتحدة، إذا ما تمت إطاحة ترامب، إلى إعادة بناء تحالفاتها السابقة في الخارج، ما من شأنه أن يجعلها تمنح وزناً أكبر لمواقف الأمم المتحدة وقوة عظمى أخرى مثل أوروبا. وبالرغم من أنهم لا يرجحون أن يقوم بايدن بإلغاء قرارات أساسية اتخذها ترامب، مثل نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، والاعتراف بضم إسرائيل لهضبة الجولان، لكنهم يتوقعون بأن يحاول إعادة التوازن إلى حد ما إلى علاقات الولايات المتحدة مع إسرائيل والفلسطينيين.

بموازاة ذلك رجح هؤلاء بألا تكون علاقة بايدن ببنيامين نتنياهو أو أي رئيس حكومة إسرائيلية آخر في مستوى علاقة ترامب، وكذلك يتوقعون أن يتجاهل بايدن بعض عناصر خطة ترامب للسلام (“صفقة القرن”) ولا سيما منح ضوء أخضر لضم مناطق في الضفة الغربية إلى ما تسمى بـ”السيادة الإسرائيلية”، مشيرين إلى أنه من الناحية الرسمية لا يزال ملتزماً بحل الدولتين.

ما يتعيّن فعله الآن بعد هزيمة ترامب، هو ترقّب ما سيحدث حيال كل هذه الملفات وغيرها، مع وجوب عدم التغاضي عن أن العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل تتسم بكونها خاصة واستراتيجية وستظل كذلك حتى في أثناء ولاية بايدن كما كانت أيضاً إبان ولاية أوباما.

(2) ماذا يتبقى من نتان زاخ؟

توفي هذا الأسبوع الشاعر الإسرائيلي نتان زاخ عن 89 عاماً.

وبالوسع أن نشير في عجالة إلى أن ما مثله زاخ في شعره وسيرة حياته يتجوهر أكثر من أي شيء آخر في كونه الرائد المُتوّج لحداثة القصيدة الإسرائيلية. هذه الريادة تجسدت بتمرده على كتابة القصيدة التقليدية، الكلاسيكية، في الأدب الإسرائيلي كما عبّر عنها الشاعر نتان ألترمان. ولم يتغيّا هذا التمرد شكل القصيدة فحسب بل أيضاً المضمون الذي كان ألترمان أحد واضعي أسسه، إلى ناحية تحديد ما يعرف بـ”دور الكاتب في مجتمعه”، عبر المماشاة مع الإجماع، وبسبب ذلك وصف وما زال يوصف بأنه شاعر بلاط.

وتأدت عن تمرد زاخ هذا سيرورتان :

الأولى، إبراز الأنا المفكرة في القصيدة والأدب التي تسبح ضد التيّار عبر ركل الأنا الجمعية التي انساقت وراء التيّار ونأت بنفسها عن الاحتجاج؛

الثانية، الاحتجاج على ما يُبرّر من آثام بحق الإنسان، تحت غطاء الإجماع.

بكلمات أخرى، يمكن القول إن مشروع زاخ الأدبي بقي يراوح بين عالمين، عالم الواقع والعالم الشعري، وظلّ في كليهما بمثابة صوت متميّز في المشهد الأدبي الإسرائيلي.

تُسجل لزاخ الكثير من المواقف الإنسانية والاحتجاجية ضد سياسة الاحتلال والاستيطان والتمييز العنصري الإسرائيلية. وكان أكثرها حدّة مواقفه خلال الحرب على لبنان في العام 1982 وفي أثناء الانتفاضة الفلسطينية الأولى في العام 1987. ومنها مثلاً لا بُدّ من استعادة انسحابه، مع أدباء آخرين، من عضوية لجنة تنظيم مهرجان عالمي للشعر كانت السلطات الإسرائيلية تزمع عقده في احتفالات الذكرى الأربعين لـ”يوم الاستقلال” (1988) ما أدّى بالتالي إلى إلغاء المهرجان.

وكتب زاخ في رسالة الاستقالة التي وجهها إلى الجهات المعنيّة: “إن الوقت الحالي ليس وقت مهرجانات في إسرائيل. فحكومة الحزبين الكبيرين (الليكود والعمل) التي تفجّر منازل المدنيين وتشرد مواطنين من دون محاكمة وتطلق سلاح الغاز ضد النساء وتقتل فتياناً وفتيات فيما لا يمكن وصفه إلا بأنه إرهاب رسمي، والتي تتيح لكتائب المستوطنين المسلحين إمكان أن تنشر الرعب بين صفوف شعب مقيم في وطنه وأرضه وأن تستبيح حرماته، ليست أهلاً لأن يأتي شعراء إلى احتفال منظم من جانبها كي يلقوا فيه قصائدهم. توصلت إلى الاستنتاج بأن مهرجان الشعر من شأنه أن يفسر، خلافاً لكل غاياته، كنشاط تأييد وتماثل مع سلطة تجاوزت منذ مدّة الخطوط الحمر التي من دونها يفقد الشعر إيقاعه. وتوصلت إلى الاستنتاج بأن مجرّد رغبة الفرد الطبيعية في أن يحتفل بعيد دولته الوطني، الذي هو عيده أيضاً، ستفسّر بأنها تسليم بما هو حاصل في هذه الأيام في دولة اليهود. إننا ندعو كل الشعراء الذين جرت دعوتهم إلى المهرجان من جانبنا، في البلد وخارجها، إلى الانضمام إلينا في مقاطعة مهرجان الشعر العالمي في إسرائيل”.

وتعقيباً على خطوة زاخ هذه كتب رئيس تحرير مجلة “عيتون 77” الأدبية يقول: “ربّما هذه هي المرة الأولى في تاريخ البلد التي لم تنجح فيها المؤسسة الحاكمة في أن تتستر بالشعر كورقة تين في سبيل التعمية على الإثم الواقع في أيام الانتفاضة. وإذا كانت كلمات “احتجاج” و”إنذار” و”تحذير” ليست فارغة المضمون أصلاً، فإنها أسمعت هذه المرة بشجاعة مواطنية تستحق التقدير من جانب زاخ والذين تجاوبوا مع مبادرته”.

تصدق على زاخ المقولة الذاهبة إلى أن الشاعر ليس منجّماً ولا ساحراً، وليس عنده مفتاح الغيوب، ولكن أهميته تكمن في أنه يسبق الآخرين بثانية، أو بجزء من أجزاء الثانية، في اكتشاف الحقيقة، ويقدمها لهم على طبق من الدهشة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى