أقلام وأراء

أنطوان شلحت يكتب – ما هو جوهر التغيير الذي سيطرأ على إسرائيل في حال انتهاء عهد نتنياهو؟

أنطوان شلحت  10/8/2020

مع استمرار الاحتجاجات التي تشهدها إسرائيل منذ عدة أسابيع والتي يدفع مؤججوها نحو رفع المزيد من الأصوات في الوقت عينه ضد الأزمتين الصحية والاقتصادية الناجمتين عن تفشي فيروس كورونا، وضد أداء حكومة بنيامين نتنياهو الخامسة، والذي يتم تحت وطأة كون رئيسها يخصص جلّ وقته لهدف واحد فقط: بقاؤه بأي ثمن (اقرأ مقال برهوم جرايسي ومقال سليم سلامة)، شرع عدد من المحللين بطرح سؤال حول ماهية التغيير المرتقب في حال تأدية هذه الاحتجاجات إلى انتهاء عهد نتنياهو المستمر منذ أكثر من عقد.

وفي هذا الصدد لا بد من أن نكرّر أنه ليس من اليسير استشراف ما يمكن أن تؤول إليه هذه الاحتجاجات من النقطة الزمنية الحالية، فضلاً عن أن هناك تعويلاً كبيراً عليها يبدو في الجانب الأبرز منه رغبياً أكثر من كونه واقعياً، كما سبق أن أشرنا.

ومع ذلك ثمة جانب على صلة بهذا التعويل يبدو منذ الآن أن هناك شبه إجماع عليه، وهو أنه حتى في حال نجاح الاحتجاجات في وضع حدّ لعهد نتنياهو فليس من شأن ذلك أن يعني نهاية حكم اليمين في إسرائيل.

وكان من الملفت أن في طليعة هؤلاء المحللين رئيس تحرير صحيفة “هآرتس”، ألوف بن، وهي الصحيفة التي كانت بمثابة الحاضنة لأغلب التعليقات الرغبية ذات العلاقة المباشرة بتلك الاحتجاجات.

ومما كتبه بن (7/8/2020) أن تلك الاحتجاجات لم توجد إلى الآن بديلاً سياسياً أو قيمياً لحكم الليكود واليمين، وأنه حتى في حال ذهاب نتنياهو سيحل مكانه سياسي يميني آخر سيحظى من دون أي جهد كبير بائتلاف حكوميّ واسع ومستقر. فليس ثمة استطلاع واحد للرأي العام يشير ولو تلميحاً إلى أي احتمال آخر. ومن المفارقات، برأي الكاتب، أن نتنياهو نفسه يشكّل العقبة الأساسية أمام إقامة حكومة يمينية صافية بسبب علاقاته السيئة مع كل من زعماء حزبي “إسرائيل بيتنا” و”يمينا” أفيغدور ليبرمان ونفتالي بينيت وأييلت شاكيد، وميله إلى تفضيل شركاء ضعاف على غرار رئيس أزرق أبيض بيني غانتس. وقد أظهرت جولات الانتخابات الثلاث الأخيرة على نحو واضح للغاية أن أحزاب اليمين والمتدينين والحريديم (اليهود المتشددون دينياً) تحظى بأغلبية مستقرة في أوساط الناخبين. وإذا ما أضيف إليها سارقو الأصوات ستكون أغلبيتها البرلمانية أكبر بكثير. وبالتالي فإن الذي سيستبدل نتنياهو لن يكون أيمن عودة أو يائير لبيد أو غادي أيزنكوت وإنما من يؤيد ضم أراض من الضفة الغربية المحتلة، والاستمرار في انتهاج السياسة الرامية إلى إضعاف حراس التخوم في إسرائيل.

كما ينوّه بن بأنه في الواقع القائم خارج تظاهرات “نتنياهو ارحل” تحظى النزعات المتطرفة التي يمثلها رئيس الحكومة وأنصاره بتأييد ثابت في أوساط الجمهور الإسرائيلي العريض، وهو تأييد لم يتآكل كثيراً بالرغم من أزمة فيروس كورونا وما تسببت به من ارتفاع نسبة العاطلين عن العمل وازدياد نسبة العجز في الميزانية العامة. ولعل ما يشير إلى ذلك، من ضمن دلائل عديدة أخرى، هو حقيقة أن نفتالي بينيت هو الشخص الآخذ نجمه في الصعود بين أوساط المعارضين لنتنياهو، وفقاً لنتائج آخر استطلاعات الرأي العام.

وما يعزّز استنتاج محرّر “هآرتس” هو الصيرورة التي آل إليها “اليسار الإسرائيلي” والتي تجعل من الرهان عليه في ظروف إسرائيل الحالية أشبه بوهم قاتل.

وربما يتعيّن علينا في هذا الشأن أن نستعيد توكيد بعض أقطاب هذا اليسار حيال مآلاته. فقد ذهب بعضهم إلى أن اليسار الإسرائيلي كان أحد أبرز المدفونين في “القبر الجماعي” الذي حفرته الحرب الإسرائيلية على لبنان في صيف 2006 وأهالت التراب فيه على مجموعة من ساسة إسرائيل وعسكرها وإعلامييها. ومردّ ذلك أنه لم يفعل ما كان ينبغي به أن يفعله وهو معارضة الحرب بصريح العبارة من دون أدنى تلعثم وبقي يمارس “الرقص على حبلين”، بين المعارضة وبين التأييد للحرب، بمسوّغ أنها “عادلة” و”مبرّرة”. وأكد بعض آخر أن تلك الحرب على لبنان دقّت المسمار الأكبر في نعش اليسار، الذي كان يعتبر نفسه معسكر السلام الإسرائيلي، وأن الحديث لم يدر في ذلك الوقت حول ردات فعل عاطفية عابرة، قد تعدّ “نتيجة مطلوبة ومفهومة لمشاعر الغضب والإحباط والخوف”، وإنما دار حول “مرحلة إضافية في سيرورة عميقة ومتصلة من فقدان البوصلة واللهاث وراء حلول انعزالية وأحادية الجانب، لا بُدّ أن تكون نهايتها الطريق المسدودة وتكريس الصراع”. وقبل تلك الحرب فإن السهولة أو الخفّة، التي هضم فيها معسكر السلام هذا ذرائع رئيس الحكومة السابق إيهود باراك بشأن إخفاقه في مسار المفاوضات السوري- اللبناني والمسار الفلسطيني، في العام 2000، كانت بمنزلة أول شهادة على هشاشته. وما اتضح لاحقاً هو أن أغلبية الإسرائيليين الذين يتفاخرون بحمل لقب “يساريين” هم ليسوا أكثر من “حمائم تغرّد داخل السرب” لا “حمائم ذات قيم عالمية” (تتجاوز الإطار المحليّ الضيق). وهؤلاء يؤيدون عملية السلام من منطلق اعتبارات براغماتية تحيل فقط إلى ما يندرج في إطار مصلحة الشعب اليهودي، مثل الميزان الديموغرافي أو ضمان أمن إسرائيل أو دفع ازدهارها الاقتصادي قدماً. أما الصنف الذي يؤيد السلام بدوافع أخلاقية عالمية فقد بات صنفاً نادراً، وهذا الصنف هو الذي لا يبحث عن ملاذ في حضن الوطنية العمياء والإجماع العابـر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى