أقلام وأراء

أنطوان شلحت يكتب –  عن جابوتنسكي وأدلجة الفنون المشهدية

أنطوان شلحت *- 7/7/2021

مع أن إسرائيل لم تبدأ الاحتفال رسميًا بذكرى زئيف جابوتنسكي، مؤسس التيار التنقيحي في الحركة الصهيونية، إلا في عام 2005، بعد أن سنّ الكنيست، في مارس/ آذار من ذلك العام، ما يُعرف باسم “قانون زئيف جابوتنسكي – إحياء ذكراه ومسيرته”، فإن خصومه، وفي طليعتهم رئيس الحكومة الأول والمؤسس الفعليّ للدولة، ديفيد بن غوريون، الذين استأثروا بكل عمليات التأسيس في أولى سنوات إقامة دولة الاحتلال حتى أواخر سبعينيات القرن العشرين الفائت، تبنّوا، في العمق، جوهر أفكاره العامة. وعلى وجه الخصوص، طبقّوا نظريته “الجدار الحديدي”، التي قضت بأن الأكثر أهمية في الممارسة الصهيونية يبقى كامنًا في إقرار وقائع ميدانية في الأرض، والحفاظ على قوة الذراع العسكرية، وسرعان ما أضحى هذا الشيء بمثابة سياسة رسمية لإسرائيل حيال العرب، ومنطقة الشرق الأوسط عمومًا، وحيال الشعب العربي الفلسطيني خصوصًا.

وفي مناسبة اقتراب إحياء ذكرى وفاة جابوتنسكي الـ81 غدًا الخميس، أشير في مقالات جديدة عنه إلى أنه، فضلًا عن مقارباته السياسية، كانت له نتاجات أدبية في المسرح والقصة القصيرة والشعر، وكذلك في الترجمة. وقد اهتمّ على نحو خاص بالمسرح، وكان من أوائل الذين هجسوا بكيفية جعله سوية مع الفنون المشهدية كافة، وبالأساس السينما، جزءًا من المشروع الصهيوني العام، وأوائل الذين روّجوا أن مهمتها أيديولوجية بامتياز، وبالتالي عليها أكثر شيءٍ أن تتطلع إلى تحقيق أمرين مركزيين: تطوير الأساطير أو الخرافات المؤسسة وترويجها وتقديمها باعتبارها واقعًا تاريخيًّا. تهميش الآخر، بل ومحاولة إلغاء وجوده، بهدف المساعدة على تعزيز هوية قومية ذاتية مختلقة وعلى تبريرها.

وأقام جابوتنسكي علاقات مع فرقة “المسرح الأرض إسرائيلي” التي نشطت في برلين في عشرينيات القرن الفائت، وقدّم لأعضائها الممثلين دروسًا في تهجئة اللغة العبرية. كما كتب عدة مسرحياتٍ عرضت على خشبات المسارح في روسيا. وتشير عدّة مصادر إلى أن بعضها حظي بإعجاب الكاتب الروسي مكسيم غوركي. لا يعني هذا الكلام أن ما كانه جابوتنسكي في هذا المضمار مغاير لما نحا نحوه غيره من زعماء الحركة الصهيونية، معروفٌ أن صيحات الصهيونية في ساحة الثقافة سبقت الدعاوى الصهيونية في الحلبة السياسية. وفيما يرتبط بالمسرح تحديدًا، ترجع “البداية الرسمية” لما يسمّى “المسرح العبري” إلى عام 1917 الذي أسّست خلاله في موسكو “فرقة مسرح هبيما” (“هبيما” بالعبرية تعني خشبة أو منصّة المسرح)، مجموعة من الفنانين الشبان اليهود الروس، بهدف، كما تناقلت أرشيفات هذه الفرقة، “إنشاء مسرح ناطق بالعبرية”، ويكون “معبّرًا عن النهضة القومية لشعب إسرائيل”.

وفي الأعوام التي سبقت إقامة إسرائيل، وأيضًا في الأعوام الأولى من إقامتها، عندما كانت “الثقافة الإسرائيلية” في مهدها، نشأت حاجة ملحّة إلى وسيط فنيّ يعكس، وفي الوقت ذاته، يعبّر عما اصطلح على تسميته “الواقع الجديد” الناشئ في البلد. واحتاج “الشعب” الذي جرى العمل، في تلك الأيام، على بلورته من خلال ما يُعرف باسم “بوتقة الصهر” إلى أداة شديدة النفوذ، تأخذ على عاتقها دور المؤسّس المركزي، والمساهم في تكوين الوعي القومي، وبلورة الهوية الجماعية الجديدة.

ووفقًا لأبحاث ووثائق كثيرة، تم إيلاء هذا الدور، إلى حد كبير، للمسرح الإسرائيلي حديث النشأة، بيد أنّ هذا الدور لم يكن من نصيب المسرح فحسب، بل كان أيضًا من نصيب سائر مضامير الثقافة الإسرائيلية، مثل الأدب والسينما والأغنية وما أشبه. ولم يكن من قبيل المبالغة أن إحدى الباحثات اعتبرت هذه الحقول الإبداعية كلها بمثابة “منظومات أيديولوجية” تجنّدت، شأن المدارس وحركات الشبيبة المتعدّدة وغيرهما، من أجل ما تطلق عليه “إنجاز عملية إنتاج أساطير قومية لدولة جديدة تحتاج إلى هوية وإلى تعريف ذاتيّ”، وكذلك من أجل التعبئة لها على الدوام، كما يثبت واقع الحال حتى بمرور الأعوام.

*أنطوان شلحت- كاتب وباحث فلسطيني في الشأن الإسرائيلي .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى