أقلام وأراء

أنطوان شلحت يكتب –  جهود استدرار شرعية للصهيونية

أنطوان شلحت  25/12/2019

لا تقتصر الجهود الرامية إلى استدرار شرعية للحركة الصهيونية، فكراً وممارسة، منذ تأسيسها، على أوساط اليمين الحاكم في إسرائيل التي تهلّل أخيراً لقرارات برلماناتٍ أوروبيةٍ تعتبر مناهضة الصهيونية معاداة للسامية، بل تتعدّاها إلى جهاتٍ تُريد أن تُعامل على أنها ما بعد صهيونية، وتعتقد أن من شأن هذه القرارات أن تمسّ النضال الداخلي الذي تخوضه من أجل مستقبلٍ أفضلٍ لدولة الاحتلال، في محور العلاقة مع الشعب الفلسطيني. وفي الحالتين، حالة اليمين وحالة ما بعد الصهيونيين، يبدو الهدف المنشود واحداً؛ وهو نزع الشرعية عن مناهضة الصهيونية في العالم.

للنمذجة على هذا، ثمّة مقال بقلم أحد المؤرخين ما بعد الصهيونيين، ديمتري شومسكي، نشره أخيرا في صحيفة هآرتس، واستهجن فيه القرار الذي اتخذته فرنسا واعتبرت فيه مناهضة الصهيونية معاداة للسامية. ويلفت المقال إلى مسألتين: أن مناهضة الصهيونية في الوقت الحالي ترتبط على نحو وثيق، داخل إسرائيل وخارجها، بالكفاح ضد السيطرة العنيفة على شعب آخر وعلى أراضيه. وفي ضوء ذلك، تعدّ مناهضة الصهيونية الآن من الظواهر السياسية العادلة في أيامنا، خلافاً لمناهضتها في زمان سابق. ويصل هنا إلى المسألة الثانية، وفحواها أنه لو كانت ماهية الصهيونية الآن متمثلةً في الإصرار على “حق تقرير المصير الذاتي القومي لليهود في إسرائيل” لكان من الجدير اعتبار مناهضة الصهيونية بمثابة معاداة للسامية.. هكذا بكل بساطة. 

في رأي هذا المؤرخ، الدلالة السياسية والعملية المركزية للصهيونية الحالية، كما يدل عليها أداء إسرائيل بأنها دولة محتلة أراضي 1967 ومستوطنة خارج حدود “الخط الأخضر”، أبعد ما يكون عن التأطير ضمن حق تقرير المصير الذاتي القومي الشرعي. ويضيف أنه، وكثيرين مثله، يرون أن ماهية الصهيونية وغايتها في بداية القرن الحادي والعشرين هما تعميق القمع المدني والاستعباد القومي للشعب العربي الفلسطيني، وكذلك ممارسات سرقة أراضيه ونهبها باسم الثيولوجيا التناخية اليهو- مسيحية.

“معنى هذا الكلام أن الصهيونية، في أدائها الحالي، والذي يقوده اليمين المسياني، انفصلت، إلى حدّ كبير، عن أصلها، بما قد يحيل إلى أن هذا الأصل لم تكن تشوبه أي شائبة، فهل هي كذلك فعلاً”؟

لدى العودة إلى ذلك الأصل، تتراءى دوائر عديدة تحيط بنواة المهاجرين الصهاينة في أولى مراحل دقّ الأوتاد في أرض فلسطين. مهما تكن هذه الدوائر، فإن ثلاثاً منها حافظت على استمرارية: دائرة الأيديولوجيا التي زعمت بالمطلق أن “هذه الأرض لنا وحدنا”. دائرة أوروبا الشرقية وروسيا، والتي يُشار عادة إليها بصفتها أحد أبرز جذور البلطجة والقوة في مجتمع دولة الاحتلال، وطوّرت مبدأ “ما لا يؤخذ بالقوة، يؤخذ بمزيد من القوة”. والدائرة الثالثة، الأكثر مركزية، هي التقاليد الدينية اليهودية. ولا نكشف سرّاً دفيناً حين نورد أن عناصر ما عرف باسم “الهجرة الأولى”، في أواخر القرن التاسع عشر، كانوا مرتبطين برباطٍ وثيقٍ بالديانة اليهودية وبتقاليدها التاريخية والتناخية، وآمن هؤلاء إيماناً مطلقاً لا بصحة طريقهم الصهيونية فحسب، بل أيضاً بطريقهم الدينية.

وعلى سيرة تهمة معاداة السامية، ربما يجدر أن أستعيد أن مؤرخاً إسرائيلياً آخر، ما بعد صهيوني، هو يحيعام سوريك، المتخصّص في موضوع جذور العنف في المجتمع الإسرائيلي وتاريخ الرياضة البدنية، سبق أن وُصف، قبل أكثر من عقد، بأنه معاد للسامية على خلفية أبحاثٍ له تكشف عن مكامن القوة في أسس الحركة الصهيونية وأصولها الفكرية والعملية، غير أن هذا الوصف خلعت عليه جهاتٌ يمينيةٌ أطلقت آنذاك حملةً لمكافحة ما سمّته تغلغل تيار الباحثين ما بعد الصهيونيين في المؤسسة الأكاديمية الإسرائيلية. وقد يُمسي الآن عرضة لهذا الوصف من بعض زملائه، لسببٍ بسيط هو قراءته ما تقوم به دولة الاحتلال في الزمن الراهن، من خلال تعقّب خط السير المتتابع للحركة الصهيونية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى