شؤون إسرائيلية

أنطوان شلحت يكتب – الثمار المُرّة لـ”قانون القومية”!

أنطوان شلحت *- 7/12/2020

عاد “قانون القومية الإسرائيلي” (سُنّ في تموز 2018) وثماره المُرّة إلى صدارة الأحداث في إسرائيل، الأسبوع الفائت، على خلفية حدثين:

الأول، رفض محكمة الصلح في الكرايوت (منطقة حيفا) دعوى قضائية اتهمت بلدية كرميئيل (التي أقيمت على أراضي السكان الفلسطينيين من منطقة الشاغور في الجليل) بانتهاك التزامها بشأن توفير مواصلات للطلاب العرب في المدينة إلى المدارس في القرى العربية المجاورة، بحجة أن انتهاك هذا الالتزام جاء لحماية الطابع اليهودي للمدينة، كما أكد قاضي المحكمة، الذي كتب في قرار حكمه أن تقديم الخدمات إلى السكان العرب سيغير تركيبة كرميئيل التي قال إنها “مدينة يهودية تهدف إلى تعزيز الاستيطان اليهودي في الجليل”. وأضاف أن بناء مدرسة عربية أو توفير وسائل نقل للطلاب العرب أينما كان ولمن يريد ذلك، يمكن أن يغيّر الميزان الديموغرافي وهوية المدينة.

وقدم القاضي العديد من المبررات لرفض الدعوى القضائية، ومنها أنه كان على المدعين أن يقدموا طلب التماس وليس دعوى قضائية، وعدم وجود أي التزام قانوني من طرف البلدية لتوفير هذا التمويل للمواصلات، وأن طلب الالتماس يجب أن يُقدّم إلى وزارة التربية والتعليم بدلاً من بلدية كرميئيل. لكن القاضي لم يكتف بهذه المبررات، بل أكد أن من حق البلدية الحفاظ على الطابع اليهودي للمدينة. واستشهد بـ”قانون القومية الإسرائيلي” الذي يكرس إسرائيل باعتبارها “الدولة القومية للشعب اليهودي” ويؤكد أن الحق في ممارسة تقرير المصير القومي في دولة إسرائيل حصري للشعب اليهودي كما ينص على أن الدولة تعتبر تعزيز الاستيطان اليهودي قيمة قومية وينبغي العمل على ترسيخها. وكتب القاضي: “لذلك فإن تطوير الاستيطان اليهودي هو قيمة وطنية راسخة في قانون أساس. ويجب أن يكون اعتباراً مناسباً ومهيمناً في اعتبارات البلدية، بما في ذلك مسألة إنشاء المدارس وتمويل المواصلات”.

الثاني، إعلان المستشار القانوني للحكومة الإسرائيلية أفيحاي مندلبليت معارضته أي تدخل قانوني من جانب المحكمة الإسرائيلية العليا في “قانون القومية”، وذلك في سياق رسالة وجهها إلى المحكمة الإسرائيلية العليا واشتملت على ردّ الدولة على 15 طلب التماس قدمت إلى هذه المحكمة للمطالبة بإلغاء هذا القانون الأساس. وقال مندلبليت إن تدخل المحكمة العليا في قانون أساس يُعتبر خطوة لا سابقة لها في التاريخ القانوني لدولة إسرائيل، كما أن مقدمي طلبات الالتماس لم يشيروا إلى أي عيوب جوهرية في “قانون القومية” من شأنها أن تبرّر مثل هذا التدخل. وتوازت معارضة مندلبليت مع معارضة الكنيست الإسرائيلي تدخل المحكمة العليا الإسرائيلية في النظر بجميع طلبات الالتماس بشأن تعديل هذا القانون.

وقد يكون في مجرّد عودة “قانون القومية” إلى مركز الجدل، ما يستدعي التذكير بعدد من المُسوّغات التي التجأ اليمين الإسرائيلي إليها لتبرير سنّه. وسنتوقف عند أبرزها، وهو الإعادة إلى الأذهان أن وثيقة تأسيس الدولة (“وثيقة الاستقلال”) ليس فقط تجنبّت تعريف إسرائيل بأنها “دولة يهودية وديمقراطية”، حيث أنها لم تتضمن أي ذكر لكلمة ديمقراطية، على مختلف تصريفاتها، ولو مرة واحدة، بل إن كلمة ديمقراطية شُطبت من تلك الوثيقة عمداً، كما تبيّن الوقائع التاريخية المرتبطة بعملية صوغها، وذلك لصالح الإبقاء على تعريفها بأنها “دولة يهودية”!. وأشير في هذا الشأن إلى أن المرة الأولى التي ظهر فيها مصطلح “دولة يهودية ديمقراطية” في كتاب القوانين الإسرائيلي كانت في العام 1992، مع سنّ قانونيّ الأساس اللذين أرسيا قاعدة ما يسمى بـ”الثورة الدستورية” التي قادها القاضي أهارون باراك، الرئيس السابق للمحكمة العليا، وهما “قانون أساس: كرامة الإنسان وحريته”، و”قانون أساس: حرية العمل”. وقد حدّد النص هدف هذين القانونين بأنه “تثبيت قيم دولة إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية ضمن قانون أساس”. وقال إن هذا الهدف يسري، عملياً، على الدستور المستقبلي المتكامل لإسرائيل، لكنها ما تزال تفتقر إلى دستور، حتى الآن. وقد نصّت وثيقة إعلان تأسيس إسرائيل على أن دستور الدولة الجديدة سيوضع “في موعد أقصاه الأول من تشرين الأول 1948″، إلا إن الكنيست لم ينجح في التوصل إلى اتفاق على وضع الدستور، فتقرّر التقدم نحو الدستور بصورة تدريجية، من خلال قوانين أساس يتم تجميعها، في الوقت المناسب، في صورة دستور متكامل.  

وبرأي اليمين الإسرائيلي، فإنه بسنّ “قانون أساس: كرامة الإنسان وحريته”، حصلت ثورة دستورية في مكانة حقوق الإنسان في إسرائيل باتت تؤثر في القوة السلطوية. كما أحدثت تراجعاً دراماتيكياً في الوزن الذي تقيمه المحكمة الإسرائيلية العليا لهوية إسرائيل اليهودية، بالمقارنة مع الوزن الذي تمتعت به هذه القيمة خلال السنوات الأربع والأربعين الأولى من عمر الدولة، أي قبل “الثورة الدستورية”.

وهكذا ربط اليمين الإسرائيلي بصريح العبارة ليس فقط بين المصادقة على هذا القانون وبين الإقصاء والتمييز ضد العرب في مجالات المواطنة، والممتلكات والأرض، واللغة والثقافة، وترسيخ دونيتهم في كل مجالات الحياة، بل وأيضاً بين المصادقة عليه وضرورة الحدّ من حقوق الإنسان، ووجوب كبح احتكام الجهاز القضائي إليها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى