أقلام وأراء

أنطوان شلحت يكتب – إسرائيل ، بايدن وأوروبا

أنطوان شلحت  *- 30/12/2020

على أعتاب تسلم الرئيس الأميركي المنتخب، جو بايدن، مهمات منصبه يوم 20 الشهر المقبل (كانون الثاني/ يناير 2021)، تتعامل إسرائيل مع عدة فرضيات، كما يمكن أن يُستشفّ من آخر التقارير البحثية، منها فرضية أنه سيتم فتح صفحة جديدة في ما تسميها “منظومة العلاقات العابرة للأطلسي”، وأن من المتوقع أن تبذل الولايات المتحدة جهودًا ملفتةً لتنسيق المواقف مع الاتحاد الأوروبي، في سلسلة من القضايا التي ستشكل الواقع الجيو ـ إستراتيجي خلال العقود المقبلة، بعضها ذو صلة وأهمية بالنسبة إلى دولة الاحتلال، وفي طليعتها قضية فلسطين والبرنامج النووي الإيراني.

ولهذه الفرضية مسوّغ منطقيّ، يستند إلى ما عبّر عنه الحزب الديمقراطي الأميركي في برنامجه الانتخابي الرسمي، وكذلك الرئيس الجديد، خلال المعركة الانتخابية وإثرها، ناهيك بنشر الاتحاد الأوروبي اقتراحا لجدول أعمال عابر للأطلسي وللتعاون الكوني، يأخذ في الحسبان موازين القوى والواقع الجيو- سياسي والتكنولوجي المتغيّر في الساحة الدولية. وقد نُشر المخطط التفصيلي الذي صاغته مفوضية الاتحاد الأوروبي في هذا الشأن، تحت عنوان “جدول أعمال جديد للاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة من أجل التغيير العالمي”، بالإضافة إلى توصيات مجموعة التفكير في إطار “الناتو 2030 ـ مُتَّحِدّون نحو عهد جديد”.

غير أنه في ثنايا هذه الفرضية، يمكن العثور على ما تعتبرها إسرائيل بمثابة مضادّات حيوية، تدرأ عنها احتمال حدوث تغييرٍ جوهري، برسم تلك الصفحة الجديدة، سيما في ما يرتبط بسياستها حيال الفلسطينيين وقضيتهم. وهي مضادّاتٌ لا تشكّل آخر التطورات الإقليمية الناجمة عن اتفاقات التطبيع المتسلسلة مصدرها الوحيد، بل تُشتق مما سبقها من فروق، سواء في المواقف أو في السلوك العام.

مثلًا، تؤكّد ورقة سياسات صادرة عن معهد أبحاث الأمن القومي في إسرائيل، أخيرًا، أنه في وقت يوجد اتفاق بين الحزب الديمقراطي الأميركي والاتحاد الأوروبي على الحاجة إلى حلٍّ متفق عليه للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني على أساس مبدأ “دولتين للشعبين”، إلا أنه ليس ثمّة تماثل بينهما بشأن المركّبات المركزية لهذا الصراع. فعلى عكس موقف الاتحاد الأوروبي، لا يذكر البرنامج السياسي للحزب الديمقراطي حدود الرابع من يونيو/ حزيران 1967. وثمّة في البرنامج الديمقراطي اعترافٌ بالقدس عاصمة لإسرائيل من دون أي تطرّق خاص، منفصل، إلى القدس الشرقية، بينما يتعامل الاتحاد الأوروبي مع القدس الشرقية جزءا من الأراضي التي احتلتها إسرائيل في 1967. وعلى الرغم من الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ينوّه برنامج الحزب الديمقراطي بأن مكانة القدس تبقى موضوعًا للمفاوضات في إطار المباحثات بشأن التسوية النهائية.

وبينما يكتفي برنامج الحزب الديمقراطي بالإعراب عن معارضته توسيع المستوطنات الإسرائيلية في أراضي الضفة الغربية، يعارض الاتحاد الأوروبي المستوطنات. وقبل أكثر من شهر، قال الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، جوزيب بوريل، خلال جلسة مناقشة في البرلمان الأوروبي حول الشرق الأوسط، إن الوضع على الأرض لا يزال مقلقًا للغاية، وخصوصًا بسبب استمرار التقدم في بناء المستوطنات غير القانونية والارتفاع الكبير في عمليات الهدم، مُشدّدًا على أنه ما انفكّت هناك حاجة إلى التخلّي عن خطط الضم الإسرائيلية وليس تعليقها مؤقتًا. غير أنه بالتلازم مع هذه الأقوال، سيبقى ماثلًا في الخلفية أن إسرائيل تتجاهل الاتحاد الأوروبي منذ فترة طويلة وبات هذا التجاهل أشدّ مع وجود صديقاتٍ لدولة الاحتلال في الاتحاد، مثل هنغاريا ورومانيا وسلوفاكيا وتشيكيا، ومع خضوع دولٍ أخرى فيه لمقاربة تجريم أي معارضةٍ للاحتلال، وإقامة المساواة التامة بينها وبين معاداة السامية.

وتتردّد إلى الآن أصداء قول بنيامين نتنياهو خلال لقاء مغلق مع زعماء تلك الدول الصديقة: “لدينا مشكلة في مكان واحد في العالم فقط”، بينما خريطة العالم من ورائه، وهو يشير عليها إلى الجزء الغربي من أوروبا، وملامح وجهه تُعبّر عن استخفاف عميق، ما يعني أنه إذا كانت أوروبا راغبةً في التأثير فعلًا، فعليها تبنّي نهج سلوك جديد.

*كاتب وباحث فلسطيني .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى