أقلام وأراء

أنطوان شلحت: في دلالة الترحيب الإسرائيلي بـ”وزارة الحرب الأميركية”

أنطوان شلحت 10-9-2025 : في دلالة الترحيب الإسرائيلي بـ”وزارة الحرب الأميركية”

في أول ردّة فعل إسرائيلية على قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب تغيير اسم البنتاغون من وزارة الدفاع إلى وزارة الحرب، وهو الاسم الذي كان معمولاً به حتى عام 1947، والدفع بمشروع قانون خاص لتثبيت هذا الأمر، اعتبرت الأبواق الأمنية القريبة من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو أنه ينطوي على رسالة سياسية استراتيجية مهمّة تتعلق بطابع القوة الأميركية وبالآلية التي ينبغي أن يُدار البنتاغون وفقها، وتحديداً إلى ناحية التشديد على الجهوزية العملياتية للحرب والقتال من جهة، وعلى تعزيز الردع حيال الأعداء وعلى بناء القوّة بوصفها صلب نشاط هذه الوزارة. وفي عُرف هذه الأبواق، يبدو أن الأهم من ذلك كله أن ترامب، من خلال تغيير اسم الوزارة، يسعى إلى استخدام لغة مجرّدة تحتفظ بكل ما يمكن أن يوحي به الاسم نفسه. وبالأساس، بغية بثّ رسالة فحواها أن غاية “البنتاغون” ليست الدفاع فقط، وإنما تحقيق النصر والحسم، مثلما هي الغاية القصوى من الحرب الحالية التي تشنّها إسرائيل ومستمرّة فيها.

استنكفت تلك الأبواق عن ذكر أن قرار ترامب جاء ملازماً ربما للإعجاب الذي يكنّه لإسرائيل على خلفية حرب الإبادة في غزّة، ولكنها، في الوقت نفسه، لمحت إلى أن هذه الحرب تعدّ بمثابة مساهمة أصيلة في التوصّل إلى هذا القرار الذي ما زال بحاجة إلى مصادقةٍ من الكونغرس.

لم يأت استخدام عبارة النصر والحسم من قبيل المصادفة، فمن السهل على من يتابع ما يصدُر عن هذه الأبواق في الآونة الأخيرة أن يستنتج أن النصر والحسم ما زالا الغاية التي بواسطتها يسوّغ نتنياهو استمرار الحرب، بالرغم من أنها استنفدت نفسها منذ مدة طويلة. وبموجب جديد التقديرات السائدة، يفضّل نتنياهو وحكومته استمرار الحرب حتى تحقيق ما يوصف بأنه “النصر المطلق”، وقد استُبدل أخيراً بعبارة “القضاء على حماس”. وإثر هذا الاستبدال، تساءل أحد كبار المحللين العسكريين الإسرائيليين: هل علمتنا أيام الحرب الـ700 أن الصواريخ، والطائرات، والمسيّرات، وأنظمة المراقبة الذكية، والإلكترونيات المتطوّرة، والدبابات، وحتى الغوّاصات، ليست ضماناً للنصر؟

ولدى متابعة ما صدر عن أبواق نتنياهو في شأن غاية “القضاء على حماس” في الوسع أن يُشار أولاً إلى أن المسوّغ الأبرز أن نتيجة الحرب على غزّة ستؤثر في المستقبل الذي سيسود أراضي الضفة الغربية، وأن استمرار وجود هذه الحركة سيضع علامة استفهامٍ على جدوى أي إنجازٍ تدّعيه إسرائيل في المواجهة معها.

كما أن في الوسع ملاحظة أن “آلية” القضاء على “حماس” باتت تشمل على نحو علني استهداف المستوى السياسي القيادي للحركة بمن في ذلك الموجودون في الخارج. ومثلما نوّه الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي، مئير بن شبات، وهو من أكثر المقرّبين من نتنياهو، لم يأت تصريح قائد الجيش الإسرائيلي الجنرال إيال زامير إن “تصفية قيادة حماس تمّت في معظمها. وإن القادة الأحياء، في أغلبيتهم، موجودون في الخارج، وسنصل إليهم أيضاً”، من قبيل المصادفة، بل على خلفية أنه بعد “الضربة القاسية لرؤوس حماس في غزّة”، تحوّلت قيادة الحركة في الخارج إلى مركز القوة الأهم الذي يحمل على عاتقه تلك الحركة. وتشكّل نشاطات المقرّ الخارجي عاملاً يضاعف قوتها، وله دور حاسم في تحويلها إلى طرف ذي نفوذ إقليمي، وبشكل خاص في ظل القيود المفروضة على نشاطها من غزّة، أو من الضفة الغربية.

وفي حين يعمل قادة غزّة بشكل سرّي، ويصعب عليهم أداء مهماتهم، ولا يُسمع صوتهم، فإن مجموعة من أصحاب المناصب في القيادة السياسية تؤدّي دورها في عرض سياسة الحركة، وهم مقيمون في الخارج. والجهة التي يمكنها إعادة بناء الحركة حين تتاح الفرصة موجودة في هذا المقر. ونظراً إلى الدور المركزي الذي تؤديه هذه القيادة، “لا يمكن لإسرائيل أن تتركها وشأنها”!.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى