أنطوان شلحت: في أبرز الانشغالات الراهنة للحكومة الإسرائيلية

أنطوان شلحت 18-12-2025: في أبرز الانشغالات الراهنة للحكومة الإسرائيلية
من يسترق السمع إلى أقطاب الحكومة الإسرائيلية وإلى أبواقها الإعلامية يمكنه أن يقتفي أثر أبرز ما يشغل تفكيرها، ويحدّد انشغالاتها واتجاهاتها في الوقت الحالي، والمدى المنظور فيما يتعلق، بالأساس، بصيرورة الحرب في قطاع غزة. ومن غير العسير أن نشير إلى ثلاثة أمور تبدو كما لو أنها الشغل الشاغل الراهن لهذه الحكومة.
الأول، الافتراض، الذي تتشارك فيه المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، أن تظل المواقع المرتبطة بإسرائيل وباليهودية في العالم، بما في ذلك المعابد، ومراكز حركة “حباد”، والمدارس، أهدافاً محتملة لهجمات متنوعة، وذلك في ظل هجوم إطلاق النار على شاطئ البحر في مدينة سيدني في أستراليا الأحد الماضي. وفي هذا الخصوص، لا بد من الالتفات إلى مسألتين: ثمة إجماع في إسرائيل على أن الحرب في قطاع غزّة، وارتكاب الجيش الإسرائيلي إبادة جماعيّة ضد السكان الفلسطينيين، تسبّبا بإطلاق موجة عالمية واسعة من العداء لإسرائيل، وفي عدد الحالات موجة معاداة للسامية. كما أن تراجع القتال في القطاع بعد وقف إطلاق النار الذي فرضه الرئيس الأميركي دونالد ترامب في منتصف أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، لم يؤد إلى انكفاء مماثل في التحركات الخارجيّة المناهضة لإسرائيل.
الثاني مرتبط بعملية الاغتيال التي ارتكبتها إسرائيل أخيراً، واستهدفت القيادي في حركة حماس رائد سعد، أحد مخطّطي هجوم 7 أكتوبر (2023)، والمسؤول بموجب البيانات الإسرائيلية الرسمية عن خطّة إعادة تأهيل الجناح العسكري لـ”حماس” في الأشهر الأخيرة. والملاحظ أن مثل هذا الاغتيال يحظى بترحيب إسرائيلي واسع وبعبارات تهليل، على غرار أن سعد “لقي المصير الذي كان يستحقه”، غير أنه بالتوازي يندُر العثور على تقييم لهذا الاغتيال خارج إطار الانتقام الإسرائيلي البهيمي المعهود. وبموجب ما يؤكّد محللون عسكريون، لا يشكّل مقتل سعد ضربة قاضية لـ”حماس”. وعند هذا الحدّ، يذكّر بعضهم بأنه خلال العامين المنصرمين فقدت “حماس” قيادتها العليا بالكامل، وتأدّت عن ذلك أضرار كبيرة وضعف بيّن. على الرغم من ذلك، كما كتب أحدهم، “لا يوجد في غزّة طرف قادر على تحدّي هذه الحركة، التي عادت بسرعة مثيرة للإحباط لتكون صاحب البيت الحصري في غزّة، بعد أكثر من عامين على الهجوم المسلّح الرهيب”، وذلك بينما يواجه الأميركيون صعوبة في بلورة قوة متعدّدة الجنسيات، تتولّى المسؤولية الأمنية عن قطاع غزّة، وتعمل على نزع سلاحه.
يتعلق الأمر الثالث بنشوء ما سماه أستاذ الدراسات الإسلامية والشرق أوسطية في الجامعة العبرية في القدس، إيلي بوديه، تحالف “الدول الثماني” المؤلف من خمس دول عربية، السعودية ومصر والأردن والإمارات وقطر، وثلاث دول إسلامية، تركيا وباكستان وإندونيسيا، والذي يشكّل برأيه ظاهرة جديدة في الهندسة السياسية الإقليمية، كونها تربط بين دولٍ غير متجاورة جغرافياً، وكذلك بين دولٍ ذات توجهات سياسية مختلفة ومصالح متباينة. وفي قراءته، نشأ حلف “الدول الثماني” على خلفية الحرب في قطاع غزّة، وتعود بدايته إلى القمة العربية – الإسلامية في الرياض في نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، بعد نحو شهر على هجوم “حماس” واندلاع الحرب. كان عقدُ مؤتمر مشترك لجامعة الدول العربية (22 دولة) ومنظمة التعاون الإسلامي (57 دولة، في معظمها عربية) وهو يُعدّ أمراً استثنائياً، هدفه إظهار موقف عربي– إسلامي موحّد.
يجزم هذا الأستاذ الجامعي بأن هذا التحالف لا يحمل أخباراً سارّة لإسرائيل، كما يجزم بأن ظهوره نتيجة مباشرة للحرب على غزة، ويبدو أن تخوفه الأكبر راجع إلى ما وصفه بأنه “محاولة تركيا وقطر قيادة هذا التحالف في إطار سعيهما لترسيخ دورهما المركزي في إعادة إعمار غزّة وبناء القيادة الجديدة فيها”. ويدعو إلى أن تُحدِث إسرائيل شرخاً بين أعضاء هذا التحالف، عبر “اعتماد سياسة ناشطة وغير صدامية في الملف الفلسطيني”، وهو ما لا قبل لهذه الحكومة به، مثلما تؤكد معظم الوقائع.



