أقلام وأراء

أنطوان شلحت: بايدن من أجل إسرائيل

أنطوان شلحت ٢٠-٧-٢٠٢٢م

بغضّ  النظر عن أي نتائج أسفرت عنها زيارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، إلى الشرق الأوسط، ولا سيما فيما يتعلّق بإطلاق ما وُصف بأنه “ناتو شرق أوسطي” يقف في مواجهة إيران، بغية كبح برنامجها النووي وتطلعاتها للهيمنة الإقليمية، أو بتوسيع نطاق “اتفاقيات أبراهام” التطبيعية مع دولة الاحتلال، على قاعدة خفض مكانة قضية فلسطين في جدول أولويات الدول العربية، والتأدية إلى دفن مبادرة السلام العربية في خاتمة المطاف، فإن الزيارة أصابت الهدف المُشتهى على أكثر من صعيد بالنسبة إلى إسرائيل.

على المستوى الثنائيّ، نجم عن الزيارة ترسيخ العلاقات الخاصة والإستراتيجية. ولهذا الأمر أهمية خاصة، كونه يأتي من رئيس ديمقراطي. فوفقًا لقراءات إسرائيلية متطابقة، تحوّلت إسرائيل، على الأقل منذ 2015، إلى مسألة تخصّ الجمهوريين أكثر بأضعاف من الديمقراطيين، وها نحن الآن بإزاء رئيس ديمقراطي مُحبّ لإسرائيل، ويقدّم نفسه صهيونيًّا، ويعزّز كل المقولات الإيجابية المتعلقة بالعلاقات بين الدولتين، موجّهًا صفعة إلى الجناح الراديكالي في الحزب الديمقراطي الذي يؤيّد حركة مقاطعة إسرائيل (BDS)، ويعارض أي مساعدات أمنية أميركية إلى دولة الاحتلال، ويدعو إلى فرض عقوبات عليها، غير آبهٍ باستطلاعات الرأي العام التي تتنبّأ باحتمال زيادة قوة هذا الجناح في الانتخابات النصفية القريبة للكونغرس الأميركي.

وعلى سيرة المساعدات الأمنية الأميركية، ورد في وثيقة “إعلان القدس”، التي تم توقيعها خلال الزيارة، أن واشنطن تدعم بقوة تنفيذ بنود “مذكرة التفاهم” الحالية التي وقعت في 2016 وتنصّ على تقديم مساعدات أميركية سنوية بقيمة 3.8 مليارات دولار لمدة عشرة أعوام، إلى جانب التزام بالسعي للحصول على مساعدة إضافية تتجاوز مستويات “مذكّرة التفاهم”. وهناك تسريبات إسرائيلية موثوقة أن هذه الإضافة ترتبط بتطوير منظومات الدفاع الصاروخية، وستصل إلى معدل مليار دولار سنويًا.

يُشار هنا إلى أن “إعلان القدس” هو الثالث من نوعه الذي يصدُر على مدار تاريخ العلاقات الخاصة الأميركية – الإسرائيلية. وسبقه إعلان صدر عام 1999 ممهورًا بتوقيع بيل كلينتون وإيهود باراك، رئيس الولايات المتحدة ورئيس الحكومة الإسرائيلية في ذلك الوقت، وكان موضوعه اتفاقيات السلام، وتعزيز علاقات الدولتين، وآفاق التعاون في المجال الأمني والدفاع الجوي. وقبله صدر إعلان في عام 1974 وقّعه ريتشارد نيكسون وإسحق رابين، رئيس الولايات المتحدة ورئيس الحكومة الإسرائيلية آنذاك، وتضمّن التزام الولايات المتحدة بالحفاظ على أمن إسرائيل، وبتقديم مساعدات أمنية واقتصادية، وبدفع عملية السلام قدمًا.

وثمّة في “إعلان القدس” فقرة عن تعميق التعاون التكنولوجي، في ما يشبه إشهار تحالف تكنولوجي. وللولايات المتحدة تعاون من هذا الصنف مع ثلاث دول فقط، مستعدّة لأن تتقاسم فيما بينها التكنولوجيات المتطورة التي تمتلكها، بريطانيا وأستراليا واليابان، وأضيفت إليها الآن إسرائيل. وتم التنويه بهذا الشأن بأن مثل هذا الأمر قد يضيّق حجم مثل هذا التعاون بين إسرائيل والصين وروسيا، غير أنه في العُمق يعكس مبلغ اهتمام أميركا بالتكنولوجيا الإسرائيلية.

أخيرًا وليس آخرًا، تنبغي الإشارة إلى أن زيارة بايدن شملت المشاركة في افتتاح دورة ألعاب “المكابياه” إلى ناحية توكيده الطابع اليهودي لإسرائيل، والذي عكس نفسه ببريق أخّاذ أيضًا في تصريحاته وفي “إعلان القدس”. وتتبدّى رمزية مشاركته هذه أكثر فأكثر، لدى معرفة ما تنطوي عليه هذه التظاهرة الرياضية من دلالاتٍ صهيونيةٍ محضة، ماضيًا وحاضرًا ومستقبلًا.

توصف “المكابياه” بأنها أولمبياد رياضية عنصرية قائمة على أساس “طهارة العرق اليهودي”، وتنظّمها حركة “مكابي”، ويشترك فيها رياضيون يهود من جاليات الشتات، وتهدف بالأساس إلى جذب الشباب اليهود من مختلف أنحاء العالم للتعرّف على إسرائيل والحياة فيها ولقاء مواطنيها. ويعتمد منظّموها، وكذلك ساسة إسرائيل، عليها في إقناع الشباب اليهود بالبقاء في إسرائيل والعيش فيها. وقبل عام 1948، كانت بمثابة غطاء للهجرة اليهودية غير الشرعية إلى فلسطين، وهذا أبرز ما بقي من غاياتها في المرحلة الراهنة للحركة الصهيونية.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى