أقلام وأراء

أنطـوان شلحـت يكتب – قرار محكمة لاهاي الدولية وقضية فلسطين

أنطـوان شلحـت  8/2/2021

لا يجوز التقليل من أهمية قرار المحكمة الجنائية الدولية، يوم الجمعة الفائت، الذي ينص على أن الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ 1967 تقع ضمن اختصاصها القضائي، ما يمهّد الطريق أمامها للتحقيق بشأن جرائم حرب ارتكبتها إسرائيل في هذه الأراضي. وإذا ما تناولنا القرار من زاوية الوضع الإسرائيلي الداخلي فلا بُدّ من التنويه بأن من شأنه أن يعيد، بكيفية ما، قضية فلسطين إلى موقع بارز في الأجندة العامة في إسرائيل الغارقة منذ نحو عامين في جولة انتخابات إثر أخرى على خلفية شبهات الفساد الحائمة حول رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، الأمر الذي تسبّب بالتوازي مع انقضاض جائحة كورونا بإقصاء الموضوعات السياسية جانباً، بقدر ما تسبّب بذلك أيضاً تلاشي الفروق الجوهرية حيال تلك الموضوعات من طرف مختلف ألوان الطيف الحزبيّ.

وسبق أن توقفنا، قبل أكثر من عام، عند تداعيات إعلان المدعية العامة في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، فاتو بنسودا، في حينه، أنها وجدت مسوّغات قانونية لفتح تحقيق شامل في جرائم حرب محتملة ارتكبتها إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأشرنا إلى أن أهميته تنطوي من بين عدة مترتبات يُحتمل أن تتداعى في وقت لاحق على أنه قد يتيح إمكان “وضع إسرائيل في مواجهة تسونامي سياسي وقضائي غير مسبوق”، كما وصف ذلك أحد المحللين الإسرائيليين، يشمل، من ضمن أمور أخرى، تحقيقات جنائية مع مسؤولين رسميين إسرائيليين، سياسيين وعسكريين، حاليين وسابقين، وإصدار مذكرات اعتقال بحق أرفع المسؤولين السياسيين والعسكريين الإسرائيليين، إذا ما استقر القرار في نهاية المطاف على إجراء تحقيق جنائي، بمعنى إقرار صلاحية المحكمة الجنائية الدولية بهذا الشأن، وهو ما حدث فعلاً قبل عدة أيام.

وحتى لا نبالغ في تقدير أهمية قرار محكمة لاهاي هذا، وفي انتظار ما سيسفر عنه من تطورات في الفترة المقبلة، سنكتفي بتسجيل ما يلي :

أولاً، يتماشى هذا القرار إلى درجة كبيرة مع المقاربة الذاهبة إلى أنه يتعيّن على العالم أن يدرك أنّ الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية لا يمكن إزالته بالاكتفاء بتوجيه مناشدات مهذّبة إلى المحتلّ، وإنّما أساساً بالعزم والخطوات الدوليّة الحاسمة. وهي للعلم مقاربة تلّح عليها أيضاً جهات في إسرائيل نفسها، وإن كانت هامشية، في مقدمها المنظمات العاملة في مجال حقوق الإنسان.

ثانياً، دأبت إسرائيل خلال الأعوام القليلة الفائتة على معارضة الانتقادات الدولية ضد الاحتلال والاستيطان والتصدي لها، من خلال الاتكاء على الإدارة الأميركية السابقة برئاسة دونالد ترامب. فخلال أعوام ولاية هذا الأخير، كما تشي المعطيات الجافة وحسب، واصلت إسرائيل، مثلاً، محاربة حركة المقاطعة، سواء على الصعيد القانوني ـ القضائي، أو في نطاق النشاط على شبكات التواصل الاجتماعي، أو على صعيد منع دخول أعضائها وناشطيها إلى إسرائيل. وجاء إعلان المدعية العامة في محكمة لاهاي بشأن التحقيق في جرائم حرب محتملة ارتكبتها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، في إطار موجة متصاعدة ومتسعة من النقد للاحتلال والاستيطان، شملت أيضاً قرار المحكمة الأوروبية بشأن منتجات المستوطنات الإسرائيلية، واتسمت حملات الردّ والتصدي الإسرائيلية بشن هجمات شخصية ضد المنتقدين، والاعتراض على صلاحية المحكمة الجنائية الدولية، ونزع الشرعية عن الادعاءات التي طُرحت، والاعتماد على إدارة الرئيس ترامب، على الرغم من تأثيرها الدولي الأقل بصورة واضحة عما كان عليه تأثير الإدارات الأميركية السابقة. غير أن ما ثبت حتى الآن هو أن وجود إدارة أميركية جديدة لن يفضي إلى موقف مغاير من جانب الولايات المتحدة حيال هذه المحكمة الدولية، وهو ما سارعت الخارجية الأميركية أيضاً إلى تأكيد انتفاء حدوثه. وفي ضوء ذلك تتجه الأنظار إلى جهات دولية أخرى ذات وزن، وفي طليعتها دول أوروبا، بعد أن قدّم لها هذا القرار طريقاً أخرى يمكن من خلال السير فيها إبداء العزم على اتخاذ خطوات عقابية تساهم في إزالة الاحتلال الإسرائيلي ووضع حد للظلم الواقع على الشعب الفلسطيني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى