شؤون إسرائيلية

أنس إبراهيم يكتب – قانون الهيمنة الإثنية ونظام الفصل العنصريّ : عن الملاحقة الأمنيّة الإسرائيلية

أنس إبراهيم *- 31/5/2021

في الرابع والعشرين من أيَّار 2021، أعلنت الشّرطة الإسرائيليّة عن إطلاق عمليّة اعتقالاتٍ مُوسَّعة في مناطق 1948، تهدِفُ إلى اعتقال المتظاهرين الذين شاركوا في “أعمال الشغب”- على حدّ وصفِ وسائل الإعلام الصهيونيّة

[1]- ولكن دون الإشارة إلى هويَّتهم القوميّة للمحافظة رسميّاً على اعتِبار العمليّة تندَرجُ في إطار استعادة القانون والنّظام في إسرائيل، ولكنّ الواقع أنّ العمليّة تستهدفُ الفلسطينيين تحديداً ولا تلتفتُ في خلفيّتها السياسيّة أو الأيديولوجيّة إلى حقيقة ارتكاب المستوطنين

الصهاينة خلال الهبّة الأخيرة، العديد من الجرائم منها إطلاق النّار على الشّهيد محمّد كيوان (17 عاماً) وقتل الشّهيد موسى حسونة من قبل الشّرطة في بداية الأحداث ما أدّى إلى تصعيد احتجاجات الفلسطينيين في الدّاخل ضدّ السياسات القمعيّة الاستيطانيّة الصهيونيّة، وضدّ مخططات الاستيطان في مدينة القدس المحتلّة وعلى وجه الخصوص مخطط تهجير أهالي حيّ الشّيخ جرّاح، ومحاولات المستوطنين المتطرّفين المتكرّرة لاقتحام المسجد الأقصى. وبحسَب وصف وسائل الإعلام الصهيونيّة مرّة أخرى، فإنّ الهدف غير المُعلَنُ للعملية الأمنيّة، هو “تصفية حساب” مع “العناصر الإجراميّة” النّاشطة في القطاع العربيّ، بعد موافقة وزير الأمن الداخليّ أمير أوحانا ومفوّض الشرطة الجنرال كوبي شبتاي، على إطلاق عمليّة “النّظام والقانون Law and order“؛ وهي التسمية التي تُضفي طابع الحياد الرسميّ على عمليّة أمنيّة تستهدِفُ “عناصر إجرامية”، لكنّها في الواقع تستندُ إلى خلفيّة إثنيّة أيديولوجيّة عنصرية تندرج في إطار السياسة الصهيونيّة المعتادة التي تتعامل مع الفلسطينيين في الداخل على أنّهم خطر أمنيّ على الدّولة، أو طابور خامس، أو “حصان طروادة قومي”، يعملُ من الدّاخل على زعزعة أمن ونظام “الدّولة اليهودية”.

“على المرء أن يسأل، قانون مَن، وأيُّ نِظام؟” [2]- هذا كانَ سُؤال الكاتب الإفريقيّ الأميركيّ جيمس بالدوين في العام 1964، للخطاب السياسيّ الأميركيّ الرّسميّ والمؤسّسة الأمنيّة الأميركيّة البيضاء التي كانت تعملُ على تفتيت، شرذَمة وتصفية حركات الحقوق المدنيّة، والاحتجاج ضدّ حرب فييتنام، وحركات يساريّة، مثليّة ولاتينيّة أخرى، تقاطعَتْ نضالاتُها السّلميّة وغير السّلميّة ضدَّ السياسات الإثنيّة العُنصريّة القمعيّة التي اتبعتها المؤسّسة الرّسميّة الأميركيّة في مواجهة كلّ المجموعات الإثنية من غير البيض، فارضةً عليها حالة من “الحياة العارية” التي وضعت أجسادهم المتهالكة تحت خطّ الفقر، وجعلتها عُرضةً للقتل والاستباحة من دون تبعاتٍ قانونيّة أو قوانينَ تُحرِّم المساس بها كالأجساد البيضاء، وبلا أيّ نوع من أنواع التمثيل السياسيّ الفعال الذي يمثّل مصالح هذه المجموعات الإثنية ويدافع عن مجتمعاتها المهمّشة.

تلك كانت فَتَرة عصيبة على المؤسّسة الأمنيّة الأميركيّة التي طوَّرت نوعاً من الأيديولوجيا الدّاخليّة التي صنَّفَت الأميركيّ الأفريقيّ الأسود والمجموعات اليساريّة الماركسيّة المُعادية للنظام الرّأسماليّ، وتحديداً تحالفُ هذين التيارين؛ صنَّفتهُم كخطر أمني يمسُّ بصميم الحياة الأميركيّة، وأعداء للشعب الأميركيّ وتقاليده الاجتماعيّة العريقة، وطابوراً خامساً يتعاون مع العدوّ الشيوعيّ السوفييتي من الدّاخل كـ”حصان طروادة القوميّ” العربيّ في إسرائيل الذي يشكِّلُ تهديداً أمنياً وعسكرياً بالتعاون مع جهاتٍ خارجيّة.

وكان أن شكّلت هذه الأيديولوجيا مُبرِّراً ومحفِّزاً لاستخدام أساليب تجسّسية، وتنفيذ عمليّات مخابراتيّة ضدّ هذه المجموعات من جهة، واستخدام القمع الشّرطيّ العنيف بشكلٍ مُفرط في مواجهة التظاهرات مثلما حدَثَ في فضَّ تظاهرات شيكاغو العام 1968 التي تبعت اغتيال القائد السياسيّ الأميركيّ الأسود، القسّ مارتن لوثر كينغ. في ذلك العام، اندلعت المظاهرات في أكثر من 100 مدينة أميركيّة رئيسة مخلّفة أضراراً مادّية تزيدُ قيمتها عن 50 مليون دولار، وأدّت إلى مقتل 39 أميركيّا من بينهم 34 أميركيّا أسود، واعتقال ما يزيد عن 2150 شخصا في شيكاغو وحدها. [3] وأيضاً، عملت هذه الأيديولوجيا على تبرير سياسة الإعدام الميدانيّ والاغتيالات التي نفّذتهاالشّرطة الأميركيّة على مدار 10 سنوات بشكلٍ مُباشر، أو مِن خلال عُملاء متخفّين من الداخل؛ ومن بينها اغتيال مارتن لوثر كينغ في الرابع من نيسان 1968، واغتيال مالكوم إكس في الواحد والعشرين من شباط 1965، واغتيال فريد هامبتون في الرابع من كانون الأول 1969.

ولكن، وفي العام 1968، ظهَرَ المرشّح الرئاسيّ ريتشارد نيكسون ليُعلِنَ عن أساس حملته الانتخابيّة في عِبارةٍ تبدُو مألوفة في السياق الصهيونيّ اليوم في العام 2021: النّظام والقانون Law and Order. وعلى ما يبدو فإنّ بنيامين نتنياهو اليوم، يُحاول، مثل نيكسون، أن يطرحَ نفسه بصفته الرّجل القادر على استعادة “النّظام والقانون”، فاختار أن يكون اسم حملته الأمنية الانتقاميّة من الفلسطينيين في الداخل، هو نفسُ اسم الحملة الأمنيّة الانتقاميّة الأميركيّة الخاصّة بنيكسون من السّود في أميركا خلال ستّينيات القرن الماضي؛ وللمفارقة، فالمَصادر الخِطابيّة الإثنيّة العُنصريّة والذّهنيّة الأمنيّة في التّعامل هي نفسها التي حوّلت حياة كلّ من الفلسطينيين في إسرائيل والسود في أميركا إلى حالة من “الحياة العارية” التي تسجُن، تستبيح، تُهمّش وتقتل الأجساد الفلسطينيّة والسّوداء.

تاريخ سيادة المنطق الأمنيّ في التّعامل مع الفلسطينيين في مناطق 1948

يعودُ تاريخ المنطق الأمنيّ في التّعامل مع الفلسطينيين إلى ما قبل نكبة عام 1948، منذُ أن بدأ الييشوف الصهيونيّ في بناء الكيبوتس الاستيطانيّ على شكلِ ثُكَنٍ عسكريَّة، لحماية المشروع الفلسطينيّ من العدوّ العربيّ وإعداداً لنكبته العام 1948. لكنَّ حُلُمَ بن غوريون والقيادات الصهيونيّة لم يتحقَّق بشكلٍ كامِلٍ بعد نهاية أحداث النّكبة، فكان لا يزالُ هناك أقلّية فلسطينيّة داخل الخطّ الأخضر – الخطّ الذي اعتُبِرَ خطَّ الهُدنة ما بين الدّول العربيّة وإسرائيل بعد نهاية أحداث النّكبة – أقلّية كان على إسرائيل التّعامل معها ومع ممتلكاتها المادّية على الأرض ومع الحِسابِ الواقعيَّ لإمكانيّة نموّ أعداد السكّان الفلسطينيين في الداخل، وهي الإمكانيّة التي تحقَّقت بالفعل، إذ يصلُ عدد السكّان الفلسطينيين اليوم إلى ما يزيد عن المليون ونصف المليون فلسطيني. وذلك ما أدّى إلى نُشوء ما اصطُلح على تسميته في الأدبيّات الصهيونيّة بالتّهديد الديمغرافيّ الذي شكَّل حافزاً لمشاريع تهويد القُرى والمناطق العربيّة مثل الجليل والمثلّث وغيرها من المناطق التي تسود فيها أغلبيّة عربيّة. وكان ثمّة فرضيّة أنّ الوجود الفلسطينيّ في مناطق معيّنة داخل إسرائيل يجبُ موازنته ديمغرافياً بمواطنين يهود، وذلك ما نشأ عنه أحد أهمّ تمظهرات المنطق الأمنيّ في التعامل مع الوجود الفلسطينيّ في الدّاخل المحتلّ؛ وهو مشروع تهويد الجليل والمناطق العربيّة من خلال ما يُعرَفُ بالبؤرالاستيطانيّة التي تُسمَّى بالمنطَرة، والتي تعني حرفياً بؤرة مراقبة استيطانيّة مموضعة طبوغرافياً في مكانٍ مرتفع ومطلّ بشكلٍ فوريّ على مكانٍ بعينهِ، أيّ القرى والمدن العربيّة من أجل الإبقاء عليها تحت المُراقبة. ذلك ما يُسمِّيه الباحث مارسيلو سفيرسكي بالتنظيم البانوبتيكيّ للمكان – أي التنظيم شموليّ الرؤية – والذي يؤسِّسُ للقدرة على التحديق والمراقبة كوسيلة للسيطرة وتأطير العربيّ في إطار الكائن الذي يجبُ مراقبته وحراسته حذراً منه، وتعريف المستوطن اليهوديّ على أنّه حارسه؛ وتعكسُ علاقة الحارس بالسّجين هذه الطّريقة التي لطالما نظرت فيها الدّولة إلى السكّان العرب؛ بوصفهم “طابوراً خامساً” يجبُ إبقاؤهم تحت المراقبة والسّيطرة.[4]

وقد شكّل الحكم العسكريّ في خمسينيات وستّينيات القرن الماضي الإطار العام للمنطق الأمنيّ في التعامل مع الفلسطينيين في الدّاخل المحتلّ، وهو الإطارُ الذي تمّ فرضهُ على جميع مناحي الحياة، وأدّى إلى إخضاع كلّ من تبقّى من الفلسطينيين إلى الرقابة الأمنيّة، إضافةً إلى الملاحقات الأمنيّة السياسيّة للتيّارات السياسيّة الفاعلة آنذاك كالحزب الشيوعيّ وغيره من الحركات السياسيّة. وبحسَب كلّ من أنطوان شلحت وإمطانس شحادة، فإنّ وضع الفلسطينيين في خانة التهديد الأمنيّ أو الخطر الأمنيّ في الأدبيّات الإسرائيليّة يأتِي بهدَفِ شرعنة التعامل الأمنيّ معهم وتبريره. إلّا أنّ هناك جانباً آخر للملاحقة الأمنيّة يُغفَلُ عنه، وهو أنّ موضعة الفلسطينيين في سياقٍ أمنيّ، في مجتمعٍ إسرائيليّ يُسيطِرُ عليه الهاجس الأمنيّ، يُشَرْعِنُ ملاحقتهم الأمنيّة والسّياسيّة في نظر المجتمع الإسرائيليّ اليهوديّ الذي ينظُرُ إلى القيمة الأمنيّة كقيمة عُليا أكثر أهميّة من أيّ قيمة أخرى كحقوق الإنسان، المُواطنة، المساواة أو أيّ قِيَم أخرى قد يتمّ نقاشها في سياق نقدِ الممارسات الصهيونية الأمنيّة بحق الفلسطينيين في الدّاخل.[5]

ومثلما كان المنطق الأمنيّ مهيمناً في السياسة الأميركية الرّسميّة في التّعامل مع السود لغاية الحفاظ على أهداف أيديولوجيّة وسياسيّة ومصلحة سيطرة المجموعة الإثنيّة المهيمنة – البيض في أميركا واليهود في إسرائيل – كذلك استخدِمَ المنطق الأمنيّ للحفاظ على هيمنة المجموعة الإثنية المسيطرة في إسرائيل على حساب مجموعة إثنية أخرى، هي الفلسطينيون، وعلى حساب مواردهم وقدرتهم على تنظيم وحماية مجتمعاتهم.

لقد استخدِمَت حملة “النظام والقانون” في أميركا، وكلّ الحملات الأمنيّة الأخرى التي تبعتها مثل “الحرب على المخدّرات”، كغطاء سياسي لسياسة أمنيّة ممنهجة لتقويض قدرة مجتمع الأميركيين السّود على تنظيم أنفسهم والنّهوض بمجتمعاتهم اقتصادياً واجتماعياً وحتّى صحّياً، كما يرِدُ على لسان النّاشطة الحقوقيّة والكاتبة السوداء الأميركيّة أنجيلا ديفيس التي كانت إحدى المعتقلات خلال الستّينيات وتمّ إخضاعها للمحاكمة، والتي تقول: “بطُرقٍ مختلفة، إنّ الحرب المزعومة على المخدّرات هي حربٌ على المجتمعات الملوّنة، حرب على مجتمعات السّود وحرب على المجتمعات اللاتينيّة”.[6]

وهي نفسها الحرب التي تشنّها الشّرطة الصهيونية ومن خلفها المؤسسة الاستعماريّة على المجتمع العربيّ بعد كلَّ حِراك، هبّة أو انتفاضة شعبيّة تُوحِي بقدرة المجتمع العربيّ على تنظيم نفسه وعودته إلى التأكيد مرّة بعد الأخرى على هويّته الوطنيّة الفلسطينيّة. فحتّى اللحظة، قالت الهيئة العربيّة للطوارئ المنبثقة عن لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية، إنّها رصدت أكثر من 1700 حالة اعتقال و300 حالة اعتداء على مواطنين عرب أو على ممتلكات بحيازة مواطنين عرب خلال الأحداث الأخيرة. وكذلك أشارت إلى أنّه منذ بدء عمليّة “النّظام والقانون”، يتمّ بمعدّل يوميّ اعتقال 100 مواطن عربيّ. وفي بيانٍ لها، ذكرت الشّرطة عصر التاسع والعشرين من أيّار، أنّها اعتقلت نحو 70 شخصاً في اليوم الأخير، وأنّها اعتقلت 418 شخصاً منذ الإعلان عن حملة الاعتقالات الأخيرة، إضافةً إلى أنّها اعتقلت أكثر من ألفيّ شخص ما بين الخامس عشر من أيّار 2021 والتاسع والعشرين من الشّهر نفسه، وأنّها قدّمت لوائح اتّهام ضدّ نحو 175 شخصاً. وذلك بالإضافة إلى اعتقال القيادات الفلسطينيّة ومن بينها الشّيخ كمال الخطيب خلال الأسبوعين الأخيرين من شهر أيّار، واستدعاء العديد من النّشطاء الميدانيين من قبل جهاز المخابرات- الشاباك وتهديده للقيادات العربيّة في الدّاخل بضرورة عدم التّحريض على المشاركة في المظاهرات والعمل على إيقافها.

لكنَّ الجسم الاستعماريّ الأكثر حضوراً وفعاليّة في أحداث الهبّة الأخيرة في الدّاخل كان عصابات المستوطنين مثل “لا فاميليا” وغيرها من العصابات التي أظهرَت نزعةً تنظيميّة عنصريّة استهدفت الوجود الفلسطينيّ في الداخل وفي الضفّة الغربيّة لسنواتٍ من قبل. لكنّها خلال الهبّة الأخيرة أظهرت نزعة أشدّ تطرّفاً لتحويل حياة الفلسطينيين في الدّاخل والضفّة الغربيّة إلى حياةٍ عارية مُطلقة من خلال ممارسات إحراق المنازل، إطلاق الرّصاص والشعارات المنادية بموت العرب، إحراق الممتلكات التجارية وسرقة المنازل والأراضي وغيرها من الممارسات الاستيطانيّة المدعومة من قبل المؤسسة الصهيونيّة الرسميّة.

أن تُطيع يعني أن تعيش، وأن تَعصي يعني الموت!

ربَّما يكونُ ما قاله الرّئيس الأميركي السّابق كالفين كوليدج مُعبِّراً بشدَّة عن منطق قانون يهوديّة الدّولة وبقيّة القوانين الإثنيّة العنصريّة الصهيونيّة التي تُفرَضُ على الفلسطينيين في الدّاخل: “القوانين ليست مُصنَّعة، إنّها لا تُفرَضْ؛ بل هي قواعد أبديّة للوجود؛ وذلك الذي يُقاومها، يُقاوم نفسه، إنّه انتحاري… أن تُطيع يعني أن تعيش، أن تعصي يعني الموت”.[7]  وربّما تكون هذه الكلمات مُقتطعة من سياقها، لكنَّها تنتَمي بالعموم إلى خطاب “النّظام والقانون” الاستعماريّ، وفي حالة النّظام الصهيونيّ، يمكنُ رؤية تقاطعاتٍ بين هذه النّبرة الاستعماريّة ومثيلتها الصهيونية في كلمات الحقوقيّ د. شلومو تسيدق، في مقاله بهآرتس تعقيباً على احتجاجات الفلسطينيين في الدّاخل ضدّ الحرب على قطاع غزّة العام 2009: “الرّصاص اليهوديّ المسبوك، يلزم عرب إسرائيل بالخروج من الخانة القوميّة. فإمّا أن يكونوا هنا أو أن يكونوا هناك… ليعرّفوا أنفسهم مثلما يرغبون، لكن عليهم أن يحذروا من مغبّة التحوّل إلى حصان طروادة القوميّ… على جميع مواطني إسرائيل التعبير عن ولائهم للدولة… ومن ليس في مستطاعه أن يكون شريكاً في هذه الديمقراطية، لأنها تتناقض مع هويته القومية، فليذهب إذاً وليهاجر إلى دولته الجديدة، وغزّة هي خيار فعليّ”. وكذلك كان خطاب بنيامين نتنياهو في الكنيست العام 2009، عندما كان لا يزال زعيماً للمعارضة بزعامة حزب الليكود آنذاك: “أقول لعرب إسرائيل أن تقيّأوا المتطرّفين من داخلكم، وحافظوا على نسيج التعايش بيننا؛ وللمتطرّفين أقول: حاذروا، فسوف نعمل بيد من حديد ضدّ مؤيّدي حماس في داخلنا… نحن نطالب جميع مواطني إسرائيل بالولاء التامّ للدولة، ومن ليس لديه الولاء التام للدولة التي يعيش فيها، سيجدُ صعوبة في المطالبة بجميع الحقوق من الدولة”.

خلال تلك الحرب مارست أجهزة الأمن الإسرائيليّة الملاحقة الأمنيّة ذاتها للنشطاء الفلسطينيين في الداخل. كما لجأت المؤسسة الأمنيّة الصهيونية إلى الملاحقة الأمنية خلال حرب العام 2006.. والقائمة تطول .

أن تُطيع، إذاً، في إسرائيل، يعني أن تعيش، أمّا أن تَعصي، فيعني الموت أو السّجن؛ ولكن، بالعودة إلى سؤال بالدوين الأوّل: أن تُطيع قانون من، وأن تخرُجَ عن أيِّ نظام؟ فإنّ الحملة الأمنيّة الأخيرة، والتي سبقها تعامل أمنيّ عنيف مع تظاهرات الفلسطينيين في المدن، وصلَ إلى حدّ دعوة نتنياهو إلى إدخال الجيش الإسرائيليّ إلى المدن بالتّوازي مع الظّهور الأكثر وضوحاً لخطَر عصابات المستوطنين الصهاينة بصفتهم رأسُ الحربة الفعّال للمشروع الاستعماريّ الصهيونيّ؛ تؤكِّد على ثلاثةِ أمورٍ أساسيّة؛ أوّلاً، أنّ المؤسّسة الصهيونيّة الاستعمارية كانت ولا تزالُ تنظُرُ إلى العربيّ بوصفهِ خطراً أمنياً، ثانياً، أنَّ مشاريع التعايش في الداخل المحتلّ لم تفشل فحَسْب، بل هي لم تكن موجودةً أصلاً، فقد فضَلت السلطات الاستعماريّة الصهيونية، مثلما فضّلت نظيرتها الأميركيّة من قبل، المنطق الأمنيّ في التعامل مع الأقلّية الإثنية على التّعامل السياسيّ والاجتماعيّ ذلك أنّ الخلفيّة الأيديولوجيّة هي خلفيّة عُنصريّة إثنيّة استعماريّة؛ ثالثاً وأخيراً؛ يُدلِّلُ تكرار ممارسة الملاحقة والتعامل الأمني، والأكثر من ذلك تصاعد حدّة هذه الممارسة وظهور عصابات المستوطنين كفاعل رئيس إلى جانب المؤسسة العسكريّة والأمنيّة الاستعمارية، على أنّ المشروع الاستعماريّ نفسه يدخُلُ في طور تاريخيّ لم يعُدْ فيه قادراً حتّى على التّظاهر ولو بالقليل من الديمقراطيّة الشكليّة أو التّظاهر بالرغبة في السّلام مع الآخر العربيّ، ولكنّه يعود إلى حيث بدأ، إلى الرّغبة في الإزاحة والقتل.

* عن مركز مدار – المركز الفلسطيني للدراسات الاسرائيلي “مدار”.

هوامش

1. “Law and Order”: The Police will launch an arrest operation across the country today, Ynet: https://www.ynet.co.il/news/article/SyMVBVOKO?fbclid=IwAR0qxDCXXqle24DsZwvgEkRQ69sq2gOfEcZSZFKf0hxL9_TXIy0EEwqRn4U. 

2. Felber, Garret. (2020) “Whose Law and What Order?” Those Who know Don’t Say: The Nation of Islam, The black Freedom Movement, and the Carceral State’, University of North Carolina: P. 85-90. 

3. Chicago riots 1968, Wikipedia: https://en.wikipedia.org/wiki/1968_Chicago_riots. 

4. Svirsky, Marcelo. (2010). The Production of terra nullius and the Zionist-Palestinian Conflict. 

5. إمطانس شحادة، أنطوان شلحت. “إسرائيل: الملاحقة الأمنية كأداة سياسية”، التجمع الوطني الديمقراطي

6. Jordan Hoffman, “13th review: Ava DuVerany doc shows prisons are the new plantaions”, The Guardian: https://www.theguardian.com/film/2016/sep/29/the-13th-review-ava-duvernay-new-york-film-festival-prisons-plantations-race-law-us. 

7. The “law and Order” campaign that won Richard Nixopn the White House 50 years ago, The Washington Post: https://www.washingtonpost.com/history/2018/11/05/law-order-campaign-that-won-richard-nixon-white-house-years-ago/. 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى