ترجمات أجنبية

حتى الجمهوريون أصبحوا يتخلون عن ترامب بسبب رده على كورونا

أندرو فاينبيرغ – 21/3/2020

قارن خطبة بايدن عن  كورونا مع خطبة ترمب وستحصل على كل ما تحتاج معرفته

  

قبل الساعة التاسعة من مساء الأربعاء، كان الرئيس دونالد ترمب يستعد لإلقاء خطبة على الأمة من وراء المكتب المصنوع من خشب البلوط الإنجليزي الذي صنعته الملكة فيكتوريا من أخشاب السفينة أتش أم أس ريزيليوت للرئيس روثفورد ب. هايز عام 1880.

فعلى مدى 140 سنة، كان ذلك المكتب جزءاً من مقتنيات البيت الأبيض، وكان مرادفاً للرئاسة نفسها، ومنذ ظهور الراديو والتلفزيون، اكتسب وزناً تاريخياً يتجاوز بكثير الألف رطل التي يزنها.

فهناك جلس الرؤساء عندما كان الأميركيون يدعونهم إلى منازلهم خلال الأزمات والانتصارات.

فخلف ذلك المكتب جلس الرئيس فرانكلين د. روزفلت عندما كان يطمئنهم بأن أموالهم ستكون في مأمن خلال عطلة البنوك التي أقرها عند تقلده منصب الرئاسة عام 1933، وعندما وقع إعلان الحرب على اليابان في التاسع من ديسمبر (كانون الأول) 1941، وعندما قال للأميركيين إن القوات الأميركية قد بدأت عملية تحرير أوروبا في يونيو (حزيران) 1944.

وعندما استلم هاري ترومان الرئاسة من روزفلت في أقل من سنة بعد ذلك، ألقى خطاباً من المكتب البيضاوي لطمأنة الشعب الأميركي، الذي لم يكن كثير منه يعرف أي رئيس آخر، ولاحقاً لإعلان استسلام ألمانيا النازية واليابان في سبتمبر (أيلول) 1945.

وسواء تعلق الأمر بالرئيس أيزنهاور متحدثاً عن الحاجة لإرسال القوات الفيدرالية لتنفيذ إلغاء التمييز في ليتل روك، أو ليندون ب. جونسون مواسياً الأميركيين بعد اغتيال الدكتور مارتن لوثر كينغ جونيور وبوبي كينيدي، أو الرئيس نيكسون معلناً استقالته، أو ريغان مواسياً أطفال أميركا بعد كارثة تشالنجر، أو جورج بوش الابن مطمئناً بلداً أصابه الرعب بعد الهجمات الإرهابية يوم 11 من سبتمبر 2001، ظلت صورة تلك القطعة الأيقونة من أثاث المكتب تعكس مآسي أميركا وانتصاراتها لمدة تزيد على القرن.

لقد كان ذلك النمط من القيادة الأميركية هو ما سعى دونالد ترمب لاستحضاره عندما أخذ مكانه أمام الكاميرات. عدّل تقنيو التلفزيون بؤرة تركيزهم ونشرت الشبكات رسوماً بيانية “لتقارير خاصة” على شاشاتها.

لكن ما إن ثبّت تقني الصوت الميكروفون على ربطة عنق الرئيس، كانت أولى الكلمات التي نطق بها دون المستوى الذي وضعه سابقوه بكثير.

قال الرئيس الخامس والأربعون للولايات المتحدة: “أه اللعنة، أوه، تلطخت بمداد قلم”، وطلب من الحاضرين إن كان لدى أحدهم ممسحة أو “أي شيء أبيض” لإخفاء البقعة على قميصه.

ومنذ ذلك الحين بدأت الأمور تسوء.

بعد وصفه الفيروس الذي أصاب الناس في معظم الولايات باعتباره “فيروساً أجنبياً” (كما لو أن الفيروس قد أخذ وظيفة جرثوم أميركي يعمل بجد ويحترم القانون)، والتباهي بأن إدارته بذلت أشد وأشمل جهد لمواجهة فيروس أجنبي “في التاريخ الحديث”، أعلن ترمب أنه سيوقع أمراً “بتعليق جميع أشكال السفر من أوروبا إلى الولايات المتحدة على مدى الأيام الثلاثين المقبلة”.

وأضاف قائلاً “إن قرارات الحظر هذه لن تطبق فقط على الحجم الضخم من التجارة والشحن بل أيضاً على أشياء أخرى إذا حصلنا على الموافقة. فكل شيء يأتي من أوروبا إلى الولايات المتحدة هو ما نناقشه”، قبل أن يطمئن الأميركيين بأن شركات التأمين “وافقت على إسقاط الأقساط المشتركة لعلاجات فيروس كورونا، وتوسيع التغطية الصحية لتشمل هذه العلاجات، وتجنب إصدار فواتير طبية مفاجئة”.

ولكن بعد إنهاء كلامه، فيما يمكن أن يكون أول خطبة رئاسية في المكتب البيضاوي، بدأ بعض أعضاء إدارته على الفور في التراجع عما قاله.

وعوضاً عن ذلك، قال مسؤولون في البيت الأبيض إن نقل البضائع لن يتم توقيفه، كما أن المقيمين الدائمين في الولايات المتحدة هم معفيون من هذه القيود، إضافة إلى ذلك فإن حظر السفر ذاته لن يطبق سوى على منطقة شنغن التي يُسمح بحرية التنقل بين بلدانها.

من جهتها، اضطرت شركات التأمين للتوضيح أن مفاوضاتها مع البيت الأبيض كانت على كلفة إجراء الفحص وليس العلاج.

وقد تفاعلت أسواق المال مع القرار (ولا تزال تتفاعل معه) على نحو سيئ، على أقل تقدير.

وفي هذا الصدد، عبّر مايكل والدمان، الذي كتب أكثر من 2000 خطبة بصفته كاتب الخطب الرئيسي للرئيس بيل كلينتون من عام 1995 إلى عام 1999، عن ذهوله إزاء الطبيعة العشوائية لمحاولة ترمب مع فن الخطابة الرئاسية.

يقول والدمان، الذي يعمل حالياً مديراً لمركز بيرنان للعدالة في كلية القانون التابع لجامعة نيويورك، “أجد صعوبة في تذكر خطبة كانت لها نتائج عكسية أكثر من ذلك الخطاب. إن استعمال الرئيس خطبة المكتب البيضاوي خلال فترة الطوارئ الوطنية لإصدار بيانات خاطئة عن السياسة العامة، والتي رفضها أعضاء إدارته أنفسهم بعد دقائق، هو أمر محير”.

وقد وصف والدمان خطاب ترمب الفاشل “بجزء من نمط أزمة القيادة الذي ليس بالأمر المضحك”. وقد أوضح أن “القيادة خلال الأزمات صعبة لأنها تتطلب اللعب ضد ما هو طبيعة بشرية بالنسبة للناس، مثل توجبه المقود عكس اتجاه انزلاق السيارة”. وأضاف أن “عليك أن تقول الحقيقة للناس. إذا كانت الأمور سيئة، عليك أن تقول لهم إنها كذلك. وهو ما سيعطي للقائد الصدقية اللازمة لنيل ثقة الناس وجعلهم يصدقون ما يريد أن يفعل – عليك أن تعرف ما تقول حتى لا تضطر لتصحيح نفسك كل مرة”.

من جهته، قال طومي فيتور، أحد  مؤسسي “كروكيد ميديا”، والذي عمل ناطقاً باسم مستشار الأمن القومي في إدارة أوباما، إن الأخطاء الواردة في تصريحات ترمب المُعدة سلفاً “لا يمكن تبريرها”.

أضاف “لا أستطيع تصور سيناريو مثل هذا يمكن فيه لرئيس الولايات المتحدة أن يلقي خطبة من المكتب البيضاوي عن موضوع من هذا الحجم، وارتكاب أخطاء تؤدي إلى نشر الرعب بين الناس”، موضحاً “أن تلك كانت لحظة تتطلب الوضوح وتقديم الحقائق، وأنه أخطأ خطأً فادحاً”.

وقد ألقى فيتور باللوم على الأداء الكارثي لترمب عند أقدام محرري تلك الخطبة، كبار مستشاري البيت الأبيض ستيفن ميلر وجاريد كوشنر (الذي هو أيضاً صهر الرئيس).

كما صرح “أن عدم قيام هاو وعنصري بكتابة خطاباتك هو شيء جيد لأي رئيس، لكنهم لا يتمتعون بأي خبرة بالموضوع على الإطلاق وأعتقد أن ذلك نشأ مما يسمى الحلول التي يقدمها ترمب”. (على الرغم من أن البيت الأبيض بحسب ميلر “يستنكر جميع أشكال العنصرية والتعصب”.

غير أن فيتور حذّر من أن حتى أفضل خطبة مكتوب في التاريخ ربما لم يكن ليساعد ترمب على تحقيق هدفه، مشيراً إلى أن الرئيس أوباما ألقى هو الآخر خطاباً قوبل بانتقادات واسعة خلال أزمة تسرب النفط المرتبطة بشركة بريتيش بتروليوم.

أوضح فيتور أنه “لا يمكن لخطاب إخراجنا من أزمة تتكشف في حينها. كان بإمكانه الإدلاء بمجموعة من التصريحات المثالية في الليلة الماضية، وتهدئة الناس بطرح مقترحات حقيقية عن كيفية إدارة الأزمة وأفكار اقتصادية تساعد في الواقع. وعلى الرغم من ذلك كان سيستيقظ اليوم وغداً وفي اليوم التالي على حكومة عاجزة ظاهرياً على فحص الفيروس لدى الأشخاص، ما يعني أنه ينتشر، ما يعني أن الأمور تزداد سوءاً”. وأضاف أن “الشيء الذي لا يبدو أنهم يدركونه هو استحالة الخروج من هذا باللف والدوران. عليك حل المشكلة الأساسية، وهذا يتطلب الكفاءة ورئيساً مستعداً لتقديم نموذج للسلوك الملائم وقول الحقيقة وإعطاء الناس أخباراً سيئة، ولن يفعل ذلك”.

لكن نظراً لأن عام 2020 هو عام انتخابات، فإن الأميركيين المفزوعين من الدور البطولي الذي لعبه ترمب في المكتب البيضاوي تعرفوا إلى بديل له بعد أقل من 24 ساعة، عندما ظهر نائب الرئيس السابق جو بايدن خلف منبر في فندق بمدينة ويلمينغتون بولاية ديلاوير للحديث عن الأزمة التي تسببت بالفعل في اضطرابات غير مسبوقة للحياة الأميركية.

في بداية خطبته، عرض بايدن على الأميركيين شيئاً لم يروه منذ يناير (كانون الثاني) 2017 وهو لمحة عن رئيس يواسي شعبه، وذلك على نقيض ترمب الذي استهل خطابه بالتباهي وإلقاء اللوم.

قال بايدن “أعلم أن الناس يشعرون بالقلق، وأنا أفكر في جميع أولئك الذين يحاربون هذا الفيروس بشكل مباشر – أولئك المصابين، والأسر التي عانت من فقدان أحد أقربائها، والمستجيبين الأوائل ومقدمي الرعاية الصحية، الذين يعرضون أنفسهم للخطر من أجل الآخرين. كما أود أن أشكر أولئك الذين يقدمون تضحيات من أجل حمايتنا – سواء كان ذلك عن طريق الحجر الصحي الذاتي، أو إلغاء الفعاليات أو إغلاق الجامعات”. وأضاف بايدن إنه “سواءً كنت مصاباً أم لا، أو تعرف شخصاً مصاباً، أو كنت على اتصال مع شخص مصاب، فإن هذا يتطلب استجابة وطنية، ليس فقط من قادتنا المنتخبين أو مسؤولي الصحة العامة لدينا – لكن منا جميعنا”.

وتابع إنه “يجب علينا جميعاً اتباع إرشادات مسؤولي الصحة واتخاذ الاحتياطات المناسبة – لحماية أنفسنا، والأهم لحماية الآخرين، بخاصة أولئك الأكثر عرضة لخطر الإصابة بهذا المرض”، مضيفاً في وقت لاحق أن حملته ستلغي النشاطات العامة الكبيرة، حتى يتم إبلاغه بأن من الأمان استئناف مثل هذه التجمعات من قبل لجنة من الخبراء التي شكلتها حملته”.

وأعلن قائلاً “إننا سوف نتبع العلم”.

وعلى الرغم من أن حملة ترمب أعلنت أنها ستلغي عدداً من التجمعات مساء الخميس، فقد سخرت السكرتيرة الصحافية للحملة، كايلي ماكناني، من فكرة إلغاء أي فعالية، وذلك خلال ظهورها في إحدى القنوات التلفزيونية قبل قرار الحملة بـ24 ساعة فقط.

وقال جو لوكهارت، الذي شغل منصب السكرتير الصحافي لبيل كلينتون خلال محاكمة عزله عام 1999، إن خطاب بايدن قدم للأميركيين “نقيضاً واضحاً” للرئيس الحالي.

وأضاف أن بايدن “كانت لديه أفكار ملموسة بشأن إجراء الفحص، وكيفية مساعدة النازحين وتحويل هذا إلى جهد عالمي، والأهم من ذلك كله هو أن لا أحد سيضطر لتنظيف ما خلفه (من لبس) بعد هذه الخطبة. فباختصار، بدا وكأنه رئيس”.

ويؤيد تقييمَ لوكهارت الاستراتيجيُ الديمقراطي المخضرم مايكل ستار هوبكنز، الذي قال “إن ذلك هو ما يميز الرئيس. لقد كان خطابه مبنياً على الحقائق وموجزاً وكان رصيناً وهذا ما يحتاج الشعب الأميركي لسماعه. عندما تقارن ذلك بما رأيناه في المكتب البيضاوي… فإن [ذلك] يفسر سبب تعثر الأسواق، ولماذا يشعر الأميركيون بالرعب، ولماذا تبدو توقعاتنا للشهرين المقبلين قاتمة للغاية”.

“في الوقت الذي يحتاج الشعب الأميركي لأن يثق بتلقي الحقيقة، جلس الرئيس خلف مكتبه الرئاسي الليلة الماضية وقرأ [خطبته] على شاشة العرض، لكن مستواه كان منخفضاً جداً لدرجة أنه لم يفعل شيئاً لإشعار الناس بأن الأمور ستتحسن”.

ولم يكن الديمقراطيون فقط هم من أُعجبوا بأداء بايدن.

قال أحد المسؤولين الجمهوريين المنتخبين السابقين، وصاحب تجربة كبيرة في حركة “حفل الشاي”، والذي طلب عدم الكشف عن هويته خوفاً من مضايقات زملائه السابقة، بإيجاز: “اليوم أصبح بايدن رئيساً”.

ولم يخجل جمهوري سابق في حركة “حفل الشاي” من التحدث بشكل علني عن أحداث الـ24 ساعة الماضية.

رأى جو والش، عضو الكونغرس السابق عن ولاية إلينوي، والذي حاول حديثاً تحدي ترمب في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري، أن خطاب ترمب الكارثي واستجابة بايدن سيتم تذكرهما كنقطة التحول التي عززت فرص نائب الرئيس السابق لاحتلال المكتب البيضاوي في مثل هذا الوقت من العام المقبل.

وأضاف والش أن “رد فعل ترمب الرديء على هذا الوباء مهّد الطريق أمام رجل مثل بايدن للوقوف أمام الشعب الأميركي اليوم ويطمئن الناس ويهدئهم، وذلك ما لا يستطيع ترمب أن يفعله”.

“بعد ثلاث سنوات ونصف من هذا التافه المطلق في البيت الأبيض، يريد الشعب الأميركي أن يتنفس فقط. وأعتقد حقاً أنه مع بايدن، الشخص الذي يعرفونه، يشعرون أن بإمكانهم التوقف والقيام بذلك تحديداً”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى