أقلام وأراء

أمير مخول: مؤتمر الامن القومي الإسرائيلي: تمهيد لحرب إقليمية واسعة، ام محاولة لترميم ما هدمته الازمة الداخلية

أمير مخول 27-5-2023: مؤتمر الامن القومي الإسرائيلي: تمهيد لحرب إقليمية واسعة، ام محاولة لترميم ما هدمته الازمة الداخلية

مقدمة:

عقدت جامعة رايخمان في مدينة هرتسليا مؤتمر الامن القومي الاسرائيلي الذي يحمل اسم المدينة. تزامن الحدث مع جولات تفقدية لكل من رئيس الحكومة ووزير الأمن على قواعد عسكرية استراتيجية، وكثافة التهديدات المباشرة التي أطلقها قادة الجيش والدولة ضد إيران وحزب الله وضد سوريا ولبنان؛ وباعتماد تقديرات بأن المنطقة على شفى حرب اقليمية طاحنة.

التحليل:

شكل مؤتمر هرتسليا للأمن القومي الاسرائيلي منصّة لتكثيف التهديدات بالحرب على الجبهة الشمالية وايران “جوا وبحرا وبرا” كما صرح رئيس الاركان هرتسي هليفي، مشيرا الى امكانية حرب استباقية اسرائيلية؛ “وأن هناك تطورات سلبية تلوح في الافق تتطلب عملا ضد ايران.. “ينبغي معاينة الموعد لضربة استباقية [حربية] ضد حزب الله تضمن [لنا] التفوق”، وأضاف ” يتحلى نصر الله بالشجاعة على تحدّينا، وسيكون من الصعوبة بمكان على لبنان ان يتعافى بعد الحرب”.

في حين تمحورت التصريحات المتزامنة الصادرة عن وزير الأمن غالانت بالتهديدات الاقليمية والجهوزية العالية “لحرب صعبة ومركّبة ومتعددة الجبهات”، متهماً الحرس الثوري الايراني بأنه يقوم “بتحويل سفن تجارية مدنية الى قواعد عسكرية وحاملات طائرات مسيّرة وقواعد ارهاب عائمة في الشرق الاوسط”، ويضيف “ان هذه القواعد العائمة هي امتداد للإرهاب البحري الذي تقوم به ايران في انحاء الخليج الفارسي وبحر العرب وتسعى الى توسيع نطاقه ليشمل المحيط الهندي والبحر الاحمر وحتى البحر المتوسط”. ويشير الى الحل: “فقط تعاون دولي واقامة ائتلاف ضد الارهاب الايراني في الخليج، الى جانب توفير تهديد عسكري حقيقي مقابل كل جبهة، سيؤدي الى المواجهة الاكثر فاعلية مع الارهاب الايراني، سواء في الجو أو البحر أو البر”.

بدوره صرح رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الجنرال اهرون حليوة، “إن إيران تتقدّم في مشروعها النووي سواء في المسار العسكري ام تخصيب اليورانيوم، كما وأضاف “وفقا لتقديراتنا، لم يتم اتخاذ قرار ايراني بالوصول امتلاك السلاح النووي”. يرى حليوة “ان عودة سوريا الى الجامعة العربية وتطبيع العلاقات معها وزيارة الاسد للسعودية، تشير الى حالة معنوية وثقة بالنفس تزيد من التحدي السوري لإسرائيل.

يحاجج عدد من أبرز المحللين العسكريين بأن نتنياهو بصفته رئيسا للحكومة في غالبية الفترة في العقد الاخير، عمل حثيثا على تعطيل الاتفاق النووي الايراني الدولي ، والسعي الى تخريبه وأنجز هدفه بانسحاب ادارة ترامب منه، لكن التقديرات ان الانسحاب من الاتفاق ألحق ضررا استراتيجيا بإسرائيل، لان تخصيب اليورانيوم وكذا تطوير الصواريخ بعيدة المدى، تسارعت وتيرتيهما في اعقاب الغاء الاتفاق من الجانب الامريكي، بل ان من شأن اي عدوان على ايران ان يجعل قيادتها تقرر تسريع انجاز المشروع النووي العسكري بالكامل، وهو نقيض الاستراتيجية الاسرائيلية.

يرى المحلل السياسي رونيل ألفر ومعه المحلل العسكري أمير اورن في هآرتس ، بأن هذه الاجواء التي يخلقها قادة الجيش والمؤسسة الامنية ورئاسة الحكومة، موجّهة الى الداخل الاسرائيلي أولاً، اذ ان سيناريو التهديد بالحرب بات مبتذلا، الا انه يخلق اجواء تحول دون رفض الطيارين للامتثال للخدمة العسكرية، وتتيح لنتنياهو تحقيق رغبته في التخلص من بن غفير وحزب عوتسما يهوديت وكسب رئيس المعسكر الرسمي بيني غانتس الى جانبه شريكا في حكومة طوارئ، وبدخول غانتس اذا ما تحقق، يكسب نتنياهو رضى الادارة الامريكية، كما لا يستبعد ألفر امكانية المخاطرة بأمن اسرائيل لصالح الخروج من الازمة الداخلية المستعصية، اي حرب لأهداف سياسية داخلية.

يشكل الاكثار من التهديد بحرب استباقية وشيكة، نقيضا لأهدافها الحقيقية ، فالحرب تقوم على الخديعة والمفاجأة، وباعتقادنا يحمل التهديد تساؤلات وتشكيكاً ، والسؤال الجوهري هو، هل تملك اسرائيل الجهوزية لحرب محسوبة مقابل حزب الله وإيران؟. تشير معظم التقديرات غير المخصصة للاستهلاك الداخلي، الى ان هذه الدولة رغم قدراتها العسكرية الهائلة واستخداماتها المتنوعة لتطبيقات الذكاء الاصطناعي لأهداف عسكرية، الا انها لا تملك القدرة على ضبط النتائج ولا مسار وحدود المعركة، ومن غير الواضح قدرة الجبهة الداخلية الاسرائيلية على تحمل حرب شاملة من هذا النوع.

تدلل تصريحات قائد الاركان على ان حزب الله مرتدع منذ 2006، لكن إسرائيل ايضا مرتدعة منذ 2006، وبقيت الجبهة الشمالية من أهدأ جبهات المواجهة طوال هذه السنوات، فقد تم ترسيم الحدود البحرية وتقسيم حقول الغاز في اطار الاتفاق على الحدود البحرية، الامر الذي يدلل على ان الطرفين مرتدعين سياسياً وعسكريا على السواء، يضاف اليها تصريحات الاركان الاسرائيلية بعد العدوان الاخير على غزة بأن ما يصح تقييمه في العدوان على الجهاد الاسلامي لا ينطبق على الجبهة الشمالية وحزب الله الذي اعتبرته اعمال مؤتمر هرتسليا بمثابة الجبهة الايرانية الأقوى .

يصح التقدير بأن نتنياهو رمم بعضا من شعبيته ومكانته، الا ان هذا الترميم محدود للغاية ولم يغير المنحى العام في السياسة الاسرائيلية الداخلية، المجتمع الاسرائيلي مشغول بالوضع الاقتصادي وغلاء الاسعار والتخوف من انهيار اقتصادي شامل، أكثر من انشغاله بالحرب مع إيران، كما ان الوضع الاقتصادي المأزوم تأثر بموجة التهديدات بالحرب وساهم مباشرةً، في انخفاض ملحوظ على قيمة الشيكل مقابل العملات الاجنبية مما يعني ارتفاعا اضافيا في الاسعار والتضخم المالي. كما ان توقيت الأمر يتزامن مع اقرار ميزانية الدولة لعامين، والتي خضع فيها نتنياهو بشكل فاضح لابتزازات الاحزاب الشريكة في حكومته من الصهيونية الدينية والحريديم.

بتقديرنا فإن القوى الإقليمية وحصريا ايران وحزب الله تدرك جيدا ان حكومة نتنياهو تسببت في اضعاف اسرائيل استراتيجيا مما ينعكس على تراجع نفوذها الاقليمي ايضا. ومثل هذه الحكومة تشكل فرصة بالنسبة لهم وليست تحديا فحسب. في المقابل، يمكن فهم الهدف من التهديدات العسكرية الاسرائيلية على انه محاولة لترميم حالة الردع الاسرائيلي وهنا يندرج تصريح نتنياهو حول التفوق الاسرائيلي في المجالات العسكرية والسيبرانية و”الذكاء البشري والاصطناعي”.

من مؤشرات فشل حرب التهديدات هو تصريحات الناطق باسم الجيش الاسرائيلي مساء الرابع والعشرين من ايار/مايو وأمام وسائل الاعلام الاجنبية بأن التهديدات والتحذيرات من قادة الدولة والجيش “لا تنبئ بأن الحرب على الأبواب ولا بأن اسرائيل ستقوم فورا بضرب إيران”.

المستجد اقليميا هو بوادر التصالح العربي – العربي والإيراني العربي، وفي المقابل ما تؤكده اسرائيل والولايات المتحدة من أن ايران تقوم بمد روسيا بالمسيّرات والصواريخ في الحرب في اوكرانيا. في حين رأى نتنياهو ان هذا الاصطفاف الايراني الى جانب روسيا والصين فرصة لخلق مصلحة امريكية في تسديد ضربة لإيران، ولوقف التقارب السعودي الايراني والخليجي السوري، وللحد من اندفاع النظام العربي لفكرة قيام نظام عالمي جديد قائم على التوازن والتعددية القطبية والمصالح بدلا من الاستقطاب الاحادي. بينما ترى التقديرات الاسرائيلية بأن نتنياهو قد ينجح من خلال التهديدات بالحرب الاقليمية في تسريع الضغوط الامريكية على السعودية للتطبيع مع اسرائيل، وهو يكتفي حاليا بخطوات محدودة للمدى القريب، ومنها فتح المجال لرحلات الطيران المتبادل لنقل الحجاج من فلسطينيي48 من تل أبيب الى مكة، وذلك على حساب الاردن الذي يوفر بنية السفر براًّ وجوا للحجاج من كل فلسطين.

الخلاصة:

في ضوء ارتفاع وتيرة التهديدات الإسرائيلية لإيران والجبهة الشمالية:

• هناك تراجع كبير وملموس في النفوذ الاسرائيلي اقليميا، ولا نعتقد انها ستنجح في تغيير الاولويات الامريكية عالميا لتستفيد منها.

• حرب التهديدات حين تتكرر ومنذ العام 2004 مرورا بالعامين 2013 و2014 قبيل التوصل للاتفاق النووي مع ايران، تبدو عديمة الفاعلية.

• كشفت “حرب التهديدات” الحالية عن عمق الازمة الاقتصادية والمالية الاسرائيلية الناتجة عن مشروع الانقلاب القضائي الذي قامت عليه حكومة نتنياهو الحالية. وإن كانت بعض الحروب قد عززت الاقتصاد في السابق، الا انها باتت كارثية على الاقتصاد ومستوى المعيشة ونوعيتها، وهو ما يستحوذ على اهتمام المجتمع الاسرائيلي أكثر من أية مسألة اخرى راهناً.

• من غير المتوقع ان تؤسس حرب التهديدات الى حرب شاملة، ومن غير المستبعد ان تؤدي الجهود الامريكية الى تقارب ما بين اسرائيل والمملكة العربية السعودية، لكن ليس تطبيعا شاملا ، فلم تعد إسرائيل حاجة ماسة لدول الخليج، لا امنيا ولا اقتصاديا ولا ماليا ولا تقنيا .

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى