أقلام وأراء

أمير مخول – إسرائيل والملف الإيراني: تصعيد في الخطاب وتعثّر في الإستراتيجية

أمير مخول ١٢-٢-٢٠٢٢

تغيّرت لهجة ونبرة الخطاب، وبدأ المسؤولون الإسرائيليون يتحدثون جهارًا عن خلافهم مع الإدارة الأميركية في وجهات النظر بشأن الاتفاق النووي طيّ التفاوض بين الدول العظمى وإيران. وهو ما بات يكرّره نفتالي بينيت مؤخرًا. وبخلاف ما كان يصرّح به من قبل، كما سَلَفِه نتنياهو، بأنّ أيّة خلافات مع الإدارة الأميركية هي للبتّ بين الطرفين، وليست مفتوحة للإعلام. قد يبدو أنّ هذا التغيّر في اللهجة طفيف وليس ذا قيمة، إلا أنّه في اللغة الدبلوماسية له دلالات ليست بالقليلة. وفي مقابل تصريحات بينيت

منذ توليه رئاسة الحكومة، بنى بينيت نمط عمله في هذا الصدد على تسوية كل الأمور مع الإدارة الأميركية بهدوء ودون مجاهرة بها، وانتقل إلى مسعى لإقناع الرأي العام الدولي بأن إيران ضعيفة ودولة هشّة، وبأن قادتها يسعون للنووي للحفاظ على نظام الحكم، داعيًا دول العالم أن لا تعير أهميّة لتهديدات إيران من مغبّة استهدافها، وبأنها على وشك الانهيار، وأنّ من شأن حملة دولية متعددة الأدوات الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية أن تؤدي إلى انهيارها.

اتّضح، مؤخرًا، نشوء نوع من التصدّع في الموقف الإسرائيلي الذي بات من الثوابت في العقد الماضي، بأنّ الاتفاق النووي من العام 2015 كارثي، وبأن إيران على وشك إنتاج قنبلة نووية، وعلى الأقل التحوّل إلى دولة على عتبة إنتاج القنبلة. فقد ظهرت أصوات من المؤسسة الأمنية والعسكرية وقياداتها السابقين تؤكد أنّ الاتفاق النووي كان إيجابيًّا، وبأنّ إلغاء ترامب له من طرف واحد جعل الوضع أخطر بالنسبة لإسرائيل، وذلك على الرغم من العقوبات القصوى التي فرضتها إدارة ترامب. بعد تيقّن القيادة الإسرائيلية من أن الولايات المتحدة برئاسة بايدين معنية فعليا بالاتفاق مع إيران، وبأنها اختارت طريق الدبلوماسية لا الصدام المسلّح، انتقل بينيت للتحدث بلغة الدولة العظمى التي لا يمتلك قدراتها، وذلك بتكرار مقولة إنّه سواء تم التوصل إلى اتفاق في محادثات فيينا أم لا، فإن إسرائيل ستقوم بخطواتها. كما ذهب خطوة إلى الأمام في خطابه أمام مركز دراسات الأمن القومي في الأوّل من شباط/فبراير 2022، بإعلان حرب مفتوحة على إيران بكل الأدوات الممكنة، وبأن المعركة قد بدأت. إلّا أن قوة الردع الإسرائيلية الفعلية لإسرائيل فقدت مصداقيتها الداخلية بموقف القيادات العسكرية والاستخباراتية السابقة، التي أُطلقت عشية افتتاح محادثات فيينا، والتي بدت متناسقة تماما مع الموقف الأميركي. كما كان مضمون هذه التصريحات إضافة إلى ما ذكر، بأنّ إسرائيل غير قادرة على ضرب المشروع النووي الإيراني دونما مظلّة نووية أميركية عملياتيّة.

مقابل المساعي الإستراتيجية لزجّ الولايات المتحدة في الحرب مع إيران، وإقامة التحالفات الإقليمية مع عدد من دول الخليج المنضمة إلى اتفاقات أبراهام، ومع أذربيجان على الجبهة الشمالية لإيران، فإن معظم هذا الدول لم تُبد استعدادا للقيام بحرب شاملة تكون هي ذاتها ساحتها وليس إسرائيل. كما أنّها أكثر ولاءً للسياسة الأميركية، إذ دفعت الولايات المتحدة دول الخليج لحل التوترات مع إيران على أساس مبدأ تقاسم المصالح. كما أنّ العلاقة الاقتصادية والتجارية مع دولة مثل الإمارات تشكّل واحدة من أهمّ شركاء إيران، وهناك آلاف الشركات التي تعمل فيها، وهناك خطوات تطبّق على الأرض، مثل المحادثات الإيرانية السعودية، ومثل مساعي الإمارات لعودة إشغال سورية لمقعدها في الجامعة العربية، وعودة العلاقات الدبلوماسية وتبادل السفراء بين البلدين، وذلك أيضًا على خلفية إخفاق “التحالف العربي” بقيادة السعودية في عدوانه على اليمن. وليس من قبيل الصدفة أنّ أوّل زعيم خليجي استقبله الرئيس الأميركي في البيت الأبيض هو أمير قطر، تميم بن حمد، وليس الإمارات أو السعودية أو البحرين.

إذا كان الهدف الإسرائيلي من إعلان الخلاف مع الإدارة الأميركية هو تعزيز الترسانة العسكرية والقدرات الهجومية الإستراتيجية، فكان في ذلك إنجاز. وإن كان الهدف تعزيز علاقاتها الأمنية مع دول الخليج فقد حقّقت إنجازًا. وإن كان هدف بينيت هو تعزيز موقعه في السياسة الحزبية الإسرائيلية الداخلية، فقد حقّق إنجازًا مع أن إدارة بايدن تراهن على غانتس ولبيد وليس على بينيت. أمّا إذا كان الهدف هو القيام بحرب واسعة النطاق ضد إيران وتدمير مشروعها النووي، ففي ذلك إخفاق، وتآكل لمسوّغات نشر حالة الهلع الدولي وشيطنة إيران، التي أثبتت أنها تتّخذ مواقفها وتحدّد سياساتها بناء على أولويّاتها ومصالحها الحيوية السيادية، وليس بناء على ما تريده إسرائيل.

عليه، فإنّ ما يمكن فهمه من المجاهرة المتبادلة بين الإدارة الأميركية وحكومة إسرائيل بشأن الخلافات بين الطرفين بصدد إيران، لا يمكن اعتباره ندّيًّا، بل تبقى اليد الطولى للإدارة الأميركية، التي لها مصالح حيوية في العالم لا تتساوق بالضرورة مع ما تسعى إسرائيل إلى زجّها فيه، فالاتفاق مع إيران هو مصلحة أميركية وليس صفاء نوايا أو تراجع عدوانيتها بل تغيّر أولويات عدوانيّتها، فالصراع مع الصين في مجالات التجارة العالمية والنفوذ هو الأولويّة الأميركية؛ وإيران، بالنسبة للولايات المتحدة، عامل معوّق لخلق الاصطفافات الدولية المؤاتية لمواجهة النفوذ الصيني. ولذلك حين يطلق بينيت تصريحاته ويرفع تهديداته، فهي لا تنطلق من نجاح الرؤية الإسرائيلية بل من إخفاقها، إذ أن بنية التحالفات التي أقامتها لا تسعى أطرافها للحرب الشاملة مع إيران. بل إنّ مجاهرة الإدارة الأميركية وإسرائيل بأنّهما على خلاف بشأن الملف الإيراني، هو بمثابة إطلاق للعنان من الإدارة لحكومة بينيت أن تقوم بكل ما لا يتعارض مع الأولويات الأميركية، أي في هامش جديد يحدّده واقع تجديد الاتفاق الدولي مع إيران، وكونه مصلحة أميركية، هذا الهامش يبُقي إسرائيل قادرة على إلحاق الضرر بالمشروع الإيراني والتعطيل عليه، إلّا أنّها عاجزة لوحدها عن القيام بحسم جوهري إستراتيجي ومن دون الغطاء والإسناد الأميركييّن العمليّين. كما أن الخطوات الإسرائيلية العسكرية قد عطّلت فعلا على المشروع الإيراني، لكنّها سياسيًا زادت الإصرار الإيراني على المضي في إستراتيجيّتها. بناءً عليه، حين يعلو صوت التهديد الإسرائيلي، ففي ذلك إشارة إلى مأزقها، وليس إلى انفراج سياستها.

تلقّت إسرائيل، مؤخرًا، ضربتين دبلوماسيتين كبيرتين. الأولى في تقرير منظمة العفو الدولية غير المسبوق في تقارير المنظمات الدولية وقد كتب عنه الكثير؛ والثانية في قرار الاتحاد الأفريقي تعليق النظر في الطلب الإسرائيلي بالعضوية بصفة دولة مراقبة في الاتحاد، وفعليا يعني رفض هذه العضوية. أمّا المأزق الآخر، فهو تحذيرات المؤسسة الأمنية العسكرية والاستخباراتية من مغبة هبّة شعبية شاملة في الضفة الغربية، وفي ذلك تأكيد على أنّ إستراتيجية تجاوز قضية فلسطين لم تنجح كما توخّى بينيت، ومن قبله نتنياهو.

بينما، في المقابل، فإنّ في إعلان البيت الأبيض عن زيارة بايدن هذا العام إلى إسرائيل، فيه مكسب كبير بالنسبة إلى بينيت في الساحة الحزبية، إلا أنّه يحدّ من حرية عمل إسرائيل تجاه إيران في هذه الفترة، بل من المفترض أن تتم الزيارة بعد إتمام الاتفاق النووي. وعندها ستضطر إسرائيل إلى التعايش مع الاتفاق، ومن المتوقع أن يكون تعويضها بتزويدها بمنظومات عسكرية جديدة. إلا أنّه من الصعب ألا يتمحور بايدن في المسألة الفلسطينية، وهذا ما لا يريده بينيت، ويعيدنا إلى تصريحه مؤخرا ردًا على لقاءات غانتس ولبيد مع القيادة الفلسطينية، بأنه إذا كانت مساعٍ لصفقة على غرار أوسلو (ب) فلن تكون حكومة.

مركز الناطور للدراسات والأبحاث  Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى