أقلام وأراء

علي ابو حبلة يكتب – أمريكا و»إسرائيل»… تحالف ينبغي أن يخترق

علي ابو حبلة ٢٤-١-٢٠٢١م 

(1)

لا شك أن العلاقات الأمريكية – «الإسرائيلية» مرت بفترة متانة وازدهار في ظل ادارة ترامب وتغلغل اللوبي الصهيوني في هذه الاداره لحد توجيه ورسم السياسات بما يخدم أهداف المشروع التوسعي الصهيوني ، فبعد فتره عصيبة من العلاقة الصعبة بسبب تصلب مواقف الصهاينة من بناء المستوطنات ومن عملية السلام في الشرق الأوسط.
تم تحقيق انجازات مهمة في ظل إدارة ترامب تمثلت في الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الإسرائيلي ونقل السفارة الامريكيه للقدس ووقف دعم الاونروا وإغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن ومحاولات تمرير صفقة القرن والسماح بتصدير منتجات المستوطنات وإضفاء شرعية على الاستيطان والاعتراف بسيادة الكيان الصهيوني على هضبة الجولان السوري المحتل
كل ذلك بفضل التغلغل للوبي الصهيوني في إدارة ترامب وإملاء القرارات لصالح إسرائيل ورأى محللون أن العلاقات الأمريكية الإسرائيلية متينة جداً، بسبب التحالف الاستراتيجي التاريخي بين إدارة ترامب ونتنياهو ، وضعف المنظومة العربية.
وفي حقيقة الأمر بالنظر إلى تاريخ وطبيعة العلاقة بين الكيانين الامريكي والصهيوني يصعب القول بأن العلاقة تمر من عنق الزجاجة أو ما شاكل، فمنذ الإعلان عن «قيام الكيان الصهيوني» كان الدعم الأمريكي للصهاينة غير مشروط حتى في أحلك الفترات وفي ظل ما سمي «الحرب الباردة» ويكفي أن نلقي نظرة على بعض المعطيات والأرقام والوقائع ليتأكد لدينا ذلك. فقد وصلت قيمة المساعدات الأمريكية لـ»إسرائيل» حتى عام 2008 حدود 101 مليار دولار سنوياً، وفي ظل اوباما 33 مليار دولار وفي ظل ترامب حدث ولاحرج شيك على بياض واستعملت أمريكا حقها في النقض بمجلس الأمن الدولي أكثر من 45 مرة لصالح «إسرائيل» أو ضد قرارات تدينها.
لكننا إذا نظرنا إلى حجم التهديد الذي بدأت تشكله حماقات الإدارة الصهيونية وخاصة في ظل نتنياهو على مصالح العم سام في المنطقة، وشعور ادارة بايدن حتى قبل تسلم بايدن لدفة الحكم بفقدان التحكم والسيطرة في المارد الصهيوني ومحاولة نتنياهو إثبات الذات وسعيه بتحقيق تقدم على مستوى ملف الشرق الأوسط بعد أن فشلت فشلاً ذريعاً في العديد من الملفات في المنطقة ، والبطء الشديد في تحقيق أي انجاز اقتصادي واجتماعي داخلياً، بسبب تداعيات كورونا هذا الاستعلاء الإسرائيلي والإهانة التي توجهها الى الأميركيين غير ما مرة، وعلى رأس تلك الاستهانة لادارة بايدن الاستمرار في بناء المستوطنات رغم محاولات الفرملة الأمريكية لادارة بايدن قبل تسلمها الحكم ، لا يمكن للاداره الأمريكية الجديدة أن تبتلع مثل هذه الإهانة بهذه السهولة، فالعلاقات بين الدول تشبه إلى حد بعيد العلاقات بين الأشخاص وما يسري عليها يسري على العلاقة بين الدول والحكومات.
وعلى ضوء ما سبق، نتساءل هل حقاً ستمر العلاقة بأزمة هذه الأيام بسبب المستوطنات والوضع في فلسطين؟ وهل تمارس: الدولتان «سياسة لَيّ الذراع: بين إدارة فتية غارقة في أزماتها التي خلفها ترامب حيث تحاول إدارة بايدن التقاط أنفاسها للخروج من تلك الأزمات التي وضعها ترامب في طريق بايدن
هذه الضغوط التي يمارسها اللوبي الصهيوني ؟ هل في استطاعة أمريكا اتخاذ خطوات للجم الصهاينة؟ وهل فقدت أمريكا السيطرة على صنيعتها في المنطقة؟ وهل بلغ «اللوبي الإسرائيلي» من القوة أن يعلن عن استئناف بناء المستوطنات بأسلوب فج واستعراضي محرج لأمريكا؟
كل هذه الأسئلة مهمة وملحة لكن السؤال الأكثر جوهرية وعمقاً والذي يشكل -في نظرنا- المفتاح لفهم هذه العلاقة في بعدها الاستراتيجي، والذي تمكننا الإجابة الصحيحة عنه من فهم طبيعة العلاقة غير العادية بين الكيانين وبالتالي امتلاك أدوات قد تمكننا مستقبلاً من تقويض هذه العلاقة ومحاصرة «إسرائيل» هو: لماذا تدعم أمريكا «إسرائيل» بهذا الشكل؟ أو كما سبق وان قال محمد حسنين هيكل هو كيف تكون مصالح الولايات المتحدة الأمريكية جميعها في حوزة العرب من المواقع إلى الموارد ثم تكون سياستها كلها ضد العرب؟

(٢)

لكن قبل الخوض في محاولة الإجابة عن هذا السؤال المصيري، يجب ان نشير إلى مجموعة من الأسباب تدعو إلى تغليب وترجيح أن العلاقة بين الجانبين قد تشهد تأزماً حقيقياً:

1 – أنها تفتح أمامنا باب الأمل من أجل تغيير الواقع الدولي وموازين القوى لصالح المسلمين والعرب وتمنحنا إمكانية استثمار التناقضات في المحيط الدولي لعزل «إسرائيل» شعبياً وسياسياً ودبلوماسياً.

2 – رغم أن البعض لا يزال يرى أن «إسرائيل» تشكل رأس حربة ضد محور الممانعة والمقاومة في المنطقة ويمكن أن تقوم بدور مهم وإستراتيجي في فرملة كل من إيران وسوريا، إلا أن هناك عدة تغيرات طارئة على الساحة الدولية بعودة روسيا والصين كلاعبين مهمين في المنطق.

(فشل المشاريع الوحدوية والقومية العروبية، وامكانية عودة بروز المد الإسلامي). ضمن متغيرات يعيها الصهاينة جيداً. فمثلاً قد حذّر تقرير صدر عن معهد «تخطيط سياسة الشعب اليهودي» التابع للوكالة اليهودية الصهيونية من تراجع دور الولايات المتحدة الأمريكية في العالم. تراجع رأى فيه التقرير مصدر قلق لليهود و»إسرائيل». كما يؤكد التقرير أن التغييرات المهمة في موازين القوى في الساحة الدولية وظهور قوى جديدة ستدفع الولايات المتحدة الأمريكية إلى المساومة على الساحة الدولية وهناك خوف من أن تُضطر «إسرائيل» لدفع ثمن هذه المساومة. وكما يقول تشرشل «ليس هناك عداوة دائمة أو صداقة دائمة وإنما هناك مصلحة دائمة».

3 – الدعم الأمريكي لـ»إسرائيل» سياسياً ودبلوماسياً وعسكرياً واقتصادياً، وتحيزها الدائم لها بات يشكل عبئاً وإحراجاً لمصداقية أمريكا في العالمين الإسلامي والعربي وهذا ما باتت في اهتمامات ادارة بايدن وهو يخبر ذلك كونه سياسيا مخضرما.

4 – أن «إسرائيل» تعيش الآن أزمة قيادات سياسية، فبعد رحيل أغلب القيادات التاريخية حلت زعامات من الصف الثاني والثالث ذات خلفية عسكرية أو أمنية عديمة الخبرة السياسية، تحاول تعويض نقصها ذلك من خلال المزايدة والتشدد والتحالف مع الأصولية اليهودية التي تفتقد حساً سياسياً ورؤى سياسيه في ظل المتغيرات التي تشهدها المنطقة.

5 – الأزمة المالية والاقتصادية التي يعيشها العالم بفعل تداعيات كورونا مما جعل الكثيرين من الأمريكيين خاصة صانعي القرار غير المتصهينين -وهم قلة- يضيقون ذرعاً بالدعم الأمريكي السخي لـ»إسرائيل» على حساب أولويات دافع الضرائب الأمريكي ووضعيته المالية والاجتماعية. ويكفي أن نذكر أن الميزانية الأمريكية تسجل عجزاً بسبب ازمة كورونا.

6 – لا بد من الاعتراف بأن العلاقة بين امريكا واسرائيل لم تكن على وتيرة واحدة، بل مرت من مراحل متعددة ولم تكن على نفس القوة والمتانة دائماً، بل عرفت حالات من المد والجزر، وبالتالي يمكن أن يكون ما تعيشه علاقتهما بعد ترامب من فتور في ظل الإدارة الجديدة فرصة تاريخية يمكن استغلالها واستثمارها لإحداث صدع في هذه العلاقة من قبيل ما حدث سنة 1956 بعد مشاركة «إسرائيل» في العدوان الثلاثي على مصر.

7 – وأخيراً وأولاً لإيماننا بسنة الله في التغيير وأن دوام الحال من المحال، وأن بعض هذه الحماقات الصهيونية قد تكون بداية النهاية للعلو اليهودي الذي نؤمن به يقينا، لأنه وعد الله الذي لا يخلف الميعاد.  (فإذا جاء وعد الآخرة، ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة، وليتبروا ما علوا تتبيرًا. عسى ربكم أن يرحمكم، وإن عدتم عدنا) .

لذا فليس مستغرباً أن يعترف مجموعة من السياسيين الأمريكيين وفي مقدمهم الرئيس بيل كلينتون «بأن إيباك هي أفضل من أي طرف آخر يمارس الضغط في واشنطن». ويشاطره نيوت جانجريتش، عضو الكونغرس، الرأي فيعتبر «أن إيباك أكثر جماعات المصالح العامة تأثيراً في الكون». ويؤكد «لي هاملتون» أنه لا يوجد جماعة تشبه إيباك فهي تشكل مرتبة بحد ذاتها كما قال السيناتور فريتس هارلينجز: «لا يمكنك أن تتبنى سياسة تجاه «إسرائيل» سوى ما تعطيه لك إيباك.»

وعليه لا بد للمنظمات العربية وقوى الضغط العربي لمواجهة النفوذ الصهيوني وتاثيره على القرار الامريكي العمل على:

– اختراق المنتديات الدولية والمنظمات العالمية الحقوقية لعزل «إسرائيل»

– الرهان على الرأي العام والمجتمع المدني دولياً وعربياً.

– التسويق الإعلامي والسياسي الجيد للمعاناة الفلسطينية خاصة في شقها الإنساني. والسياسي وممارسات اسرائيل وخرقها لحقوق الانسان.

– استغلال التحولات الكبرى على مستوى خريطة الأديان في أمريكا.

– الرهان على النخب اوالتيار البرغماتي داخل الإدارة الأمريكية الجديده بادارة بايدن وكذا التيارات الوطنية واليسارية.

– السعي لتوحيد الامة وتحقيق سياسية عادلة وديمقراطية، ذات سيادة وقرار مستقل، غير تابعة ولا خاضعة، هي أولى الأولويات وأول خطوة على درب تحرير فلسطين وبناء امن قومي عربي يحفظ للعرب حقوقهم ويستعيد لهذه الامة كرامتها

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى