أقلام وأراء

أكرم عطا الله يكتب – هل يتمكن بايدن من إسقاط نتنياهو؟؟

أكرم عطا الله – 21/3/2021

لا يحتاج الأمر إلى الكثير من التحليل للجزم بأن إدارة الرئيس الأميركي الحالي تتمنى أن تغلق صناديق الاقتراع في إسرائيل على هزيمة كبيرة تضمن مغادرة نتنياهو للحياة السياسية. فما بين إدارة الديمقراطي باراك أوباما والذي كان جو بايدن نائباً له الكثير من الملاحظات على نتنياهو، وهو ما عبر أوباما عنه بوضوح في كتابه «الأرض الموعودة» والذي يمكن أن نفهم منه كيف تنظر الإدارة الجديدة لنتنياهو، ولكننا نعرف أن الأميركيين لا يجلسون في البيت الأبيض مكتفين بالدعاء فلديهم الكثير ليفعلوه حتى لا يشاهدوا نتنياهو مرة أخرى.

في كتابه الذي نشره قبل أشهر، وصف أوباما رئيس الوزراء الإسرائيلي بأنه «رجل ماكر وصعب»، فقد خدعه نتنياهو وتحداه علناً في الكونغرس وحاول عرقلة مسار السياسة الأميركية والتحريض عليها ورفض المسار السياسي الذي اقترحه أوباما بل تسبب في إفشاله بعد أن تسلم أوباما جائزة نوبل للسلام حين كانت لديه أحلام كثيرة داسها نتنياهو بقدميه. أما نائب الرئيس آنذاك والرئيس الحالي بايدن فقد كان نصيبه أن يتصبب عرقاً وخجلاً عندما تعمد رئيس وزراء إسرائيل بإهانته بأن أعلن عن بناء 600 وحدة استيطانية في القدس العام 2010 أثناء وجود بايدن في إسرائيل.

التوأمة التي كانت بين نتنياهو وترامب تضيف بعداً آخر للكراهية وهو ما جعل نتنياهو يتأخر حتى السابع عشر من تشرين الثاني الماضي «بعد أسبوعين على الانتخابات» ليتجرع تقديم التهنئة للرئيس بايدن وهي تعني الكثير في العرف الدبلوماسي، وهو ما دفع بايدن لتجاهل الاتصال بنتنياهو وتأخير التواصل معه الى الدرجة التي جعلت ممثل إسرائيل في الأمم المتحدة داني دانون يكتب ما يشبه المناشدة العلنية للرئيس الأميركي للتواصل مع نتنياهو، وهذا لم يحدث سابقاً في إطار العلاقة بين الدولتين والذي وصفه الكتاب الإسرائيليون بصورة أن نتنياهو ينتظر في الطابور، فقد درجت العادة الأميركية أن يحظى رئيس وزراء إسرائيل بأولوية في مكالمات الرئيس.

لا يحتاج الأمر إلى سرد تاريخ الصدام الهادئ مع الديمقراطيين لاستنتاج رغبة الإدارة بتغيير نتنياهو ليس فقط للكراهية الشخصية، التي نشأت أو ما حاول بعض الكتاب الإسرائيليين تخفيف وطأتها في عصر أوباما بالقول بافتقاد الكيمياء بين الرجلين، بل بسبب تضارب السياسات السابقة والأهم المستقبلية والتي أعلن عن مسودتها الأسبوع الماضي ونشرت وسائل الإعلام ثلاثة مسارات لعودة العلاقة الأميركية مع الفلسطينيين وهو ما تمكن نتنياهو في عصر ترامب من قطعه. وتلخصت المسارات في عودة الدعم المالي والموقف من الاستيطان الإسرائيلي وأما الثالث هو العودة لحل الدولتين.

وإذا ما تمكن نتنياهو من تجرع المسار الأول بالدعم المالي، فإن المسارين الأخريين هما على النقيض تماماً من أفكاره السياسية فهو يعتبر أن حل الدولتين بمفهومه الدولي قد تم وأده للأبد عندما سيطر على البيت الأبيض وأملى عليه برنامجه اليميني، وكذلك لا يتصور أن حكومة يقف على رأسها من الممكن أن تناقش حتى موضوع الاستيطان. وتدرك الإدارة الأميركية ذلك ولكنها تدرك أيضاً أنها أمام شخصية ذكية جداً وماكرة كما وصفها أوباما وهو كالساحر الذي يستطيع أن يفعل أي شيء، وبالتالي فإن بقاءه سيشكل أزمة سياسية بالنسبة للإدارة الأميركية.

تمتلك الإدارة الأميركية كثيراً من الأوراق تجاه إسرائيل ليس فقط في التدخل في الانتخابات كما فعل بايدن بجعل نتنياهو يتسول مكالمة هاتفية بعد أن أعلنت الإدارة الأميركية أن عدم الاتصال حينها يعود لرغبة الإدارة عدم التدخل في الانتخابات، أي حتى لا يستخدمها نتنياهو ضد خصومه إذا ما تلقى اتصالا مبكرا يمكنه من الترويج لعلاقته مع واشنطن. وكذلك تلعب الإدارة الأميركية دوراً كبيراً في التأثير على الأحزاب الإسرائيلية وتشكيلة الحكومة، ونذكر عندما حدث الاستعصاء بعد الانتخابات السابقة فإن جاريد كوشنير فقط هو من تمكن من تركيب الحكومة والضغط على غانتس للتوافق مع نتنياهو صديق تلك الإدارة.

خطوة الأردن والتي تسببت بعرقلة زيارة نتنياهو لدولة الإمارات والتي كان سيستخدمها في حملته الانتخابية، ليس من المغامرة القول، إنها لم تكن بعيدة عن الإدارة الأميركية، بل إن الاعتقاد بأن الأردن حصل على ضوء أخضر من البيت الأبيض هو اعتقاد منطقي. وكذلك أوردت الصحف الإسرائيلية ما يشي بإجراء  سعودي مشابه قامت به الرياض حتى لا تمر طائرة نتنياهو فوق أجوائها. وبالتالي يمكن القول، إن الولايات المتحدة كانت من يقف خلف تخريب تلك الزيارة بعد أن تحدث نتنياهو عن استثمار عشرة مليارات دولار، بالتأكيد كانت صفعة لإدارة بايدن.

بكل الظروف، نشرت نهاية الأسبوع آخر استطلاعات للرأي وهي الأخيرة قبل إغلاق الصناديق والتي لا تعطي لنتنياهو تفوقاً يمكنه من تشكيل حكومة وهذا إذا ما تمكن من ضم حزب «يمينيا» بزعامة نفتالي بينيت والذي دخل عالم السياسة بـ 150 مليون دولار من شركة أميركية اشترت شركته التكنولوجية، وأغلب الظن أنه سيفهم سياقات الرياح الأميركية. ولكن نتنياهو يحتاج الى أصوات أكثر من الاستطلاعات وهي غالباً قريبة للدقة وحتى فوز منصور عباس من الصعب أن يسعفه لأن بينيت لن يقبل بحكومة يدعمها عربي.

نتنياهو المصاب بهوس أميركي كما كتب الصحافي «بن كسبيت» الذي نشر كتاباً عن سيرة حياة رئيس وزراء إسرائيل، لدرجة أنه لا يطمئن للاجتماعات إلا حين تكون في مقر «الموساد»، يدرك أن الأميركيين يراقبون كل شيء في إسرائيل ويتابعون كل شيء ويتدخلون في كل شيء، وهذا عكس الاعتقاد السائد من أن إسرائيل لديها نفوذ في الولايات المتحدة. قد تحدث مصادفة حين يجيء رئيس أميركي جاهل مثل ترامب ولكن في السياسة التقليدية تعرف إسرائيل مكانتها وحجمها، يدرك نتنياهو أن إدارة بايدن لن تدخر جهداً لإزالته وهو يعمل كل ما بوسعه كي لا يسقط. فهل تتمكن الإدارة الأميركية من الإطاحة به سواء بسبب الماضي أو من أجل المستقبل …هل تستطيع..؟؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى