أقلام وأراء

أكرم عطا الله يكتب – هل نحن أمام أفول التيار الوطني؟؟

بقلم أكرم عطا الله ٧-٣-٢٠٢١م

المراقب للمشهد الفلسطيني الذي يتراجع منذ سنوات وزيادة وتيرة الصراع الداخلي منذ صدور المرسوم الرئاسي بإجراء الانتخابات، يلمس للوهلة الأولى أن هناك نيراناً في التيار الوطني لم تعد تجد ما تأكله. فمن يرى طبيعة الصراع الدائر حد التخويف والتخوين يعتقد للوهلة الأولى أننا أمام معركة ستطيح بالجميع، إذا ما قدر لهذه الانتخابات أن تتم في موعدها، لندرك أننا أمام ربيع سيحرق أوراقاً كثيرة، وربما يصل الحريق هذه المرة للجذور إذا ما بدأت القيادات ذات المنشأ الوطني حملاتها ضد بعضها البعض.
الحقيقة أن هناك أزمة لدى هذا التيار، وربما ليست مصادفة أن تتبدى تلك الأزمة لدى حركة «فتح» الآن؛ باعتبارها واجهة المشروع الوطني، حيث بعد تراجع اليسار على الساحة الفلسطينية ظلت «فتح» تعبر عن هذا التيار، لكن القول: إن تلك الخلافات التي بدأت تفرض نفسها، بدءاً من صفحات التواصل الاجتماعي وصولاً للجنة المركزية لحركة «فتح»، هي نتاج أو بسبب العملية الانتخابية وصراع على السلطة به شيء من الاستعجال. وإن كان المظهر المعبر عنها هو صراع السلطة، لكن الأمر أبعد من ذلك، فما يحدث هو شكل من أشكال التعبير عن الأزمة وأحد نتائجها.
الأزمة تتراكم منذ سنوات طويلة، ومنذ أن أقيمت السلطة الوطنية الفلسطينية والتي تحمّلت حركة «فتح» مسؤولية إنشائها وفي ظروف فريدة تحت الاحتلال، ليستدرجها الواقع نحو عجز ليس فقط في تحقيق المشروع الوطني، بل امتد الأمر ليشمل القدرة على تحقيق مصالح ومطالب الناس البسيطة لتنتج عجزاً إدارياً.
ومع هذا العجز المركب كانت النتيجة فوز حركة «حماس» المنافس اللدود للحركة الوطنية ومنظمة التحرير الفلسطينية عام 2006، لتسجل أولى هزائم التيار الوطني منذ نشأته.
وبغض النظر عما وقعت به حركة «حماس» من أزمة في عدم قدرتها على الاستمرار بمشروعها المقاوم «المقصود بشكل دائم وليس فقط أثناء الحروب»، وقبولها لصفقات التهدئة وحاجتها للمال من دول صديقة لإسرائيل، والتي عمقت من أزمة المشروع الوطني، أصبح الجميع في نفس مربع العجز والفشل، فلا المفاوضات ولا العمل المسلح تمكنا من تحقيق شيء يذكر في مسار التحرر الوطني، حيث تعمقت سيطرة الاحتلال على تفاصيل حياة المواطن في الضفة وفي غزة أيضاً.
لكن تراجع الحركة الوطنية منذ سنوات – إذا ما تتبعنا مسار التراجع – يجعلنا نقول: إنه بفعل حركة التاريخ، كان هذا المسار قد أضعف سابقاً اليسار الفلسطيني كمكون من مكونات الحركة الوطنية، وبنفس السياق كانت منظمة التحرير الفلسطينية قد أخذت بالأفول ليس فقط لأن أصحابها عجزوا عن إدارتها، بل لأن هناك سياقات تاريخية أفقدتها دورها الوظيفي، والذي يعتبر في عرف علماء الاجتماع السياسي أنه مبرر البقاء والاستمرار للتكتلات السياسية، والضامن الوحيد لحركتها الإنسانية والسياسية في المجتمعات.
وبشكل أكثر وضوحاً، ما هو الدور الوظيفي الذي يلعبه التيار الوطني والذي تتصدره حركة «فتح»؟ ربما يبدو ذلك سؤالاً صادماً، لكنه يتجاوز اللحظة الراهنة التي يختلف فيها كوادرها حول الانتخابات، سواء على صعيد المعادلة شديدة الوضوح بين محتل وشعب تحت الاحتلال خصوصاً بعد فشل كل محاولات التسوية، واتضاح النوايا الإسرائيلية بشكل لا يترك مجالاً للشك. وقد تعمقت الأزمة بعد انسداد أفق التفاوض منذ سبع سنوات في آذار 2014، ونجاح إسرائيل بغلق الملفات السياسية والحفاظ على قدر من التنسيق في القضايا المدنية والحياتية لا غير.
هي أزمة الفعل والدور التي تتعمق مع الوقت بدأت تظهر عام 1999 مع الفشل في إقامة الدولة بالموعد الذي حددته الاتفاقيات، وبدء صعود المنافس الإسلامي في الساحة الفلسطينية، وهو ما ظهرت نتيجته في الانتخابات الماضية، والتي كانت قد أحدثت انقلاباً في موازين الثقل السياسي بالساحة الفلسطينية في غير صالح التيار الوطني.
تعمقت الأزمة أكثر مع الزمن، وكان التعبير الأشد هو طغيان أسئلة البحث عن مخرج والتي كانت الشغل الشاغل لكل التيار الوطني بفصائله ومؤسساته ومثقفيه ومفكريه. والحقيقة أن الإسرائيلي الحاضر دوماً في الحالة الفلسطينية كان يدفع بمزيد من التدمير، وجعل سؤال «ما العمل؟» مفتوحاً بلا إجابة؛ لأن كل الخيارات بدت متشابهة على الصعيد الوطني، ومنها أسئلة بقاء السلطة تحت الاحتلال أم لا، إعلان دولة تحت الاحتلال أم لا، حل الدولتين أم الدولة الواحدة، وهكذا كأن الفلسطيني وقع في كمين كانت حركة «فتح» تتحمل مسؤوليته وتدفع ثمن تلك الأسئلة المفتوحة.
جاء المرسوم الرئاسي ليكشف عمق الأزمة لدى «النار التي لم تجد ما تأكله». وكان السؤال: كيف يمكن للتيار الوطني أو حركة «فتح» أن تحقق الفوز في الثاني والعشرين من أيار؟ ولتبدأ الخلافات وإن كانت تعكس حرص أقطاب «فتح» على استمرار تسيّد وقيادة النظام السياسي، لكنها تكشف عمق الأزمة التي كانت تتراكم منذ أكثر من ربع قرن كانت فيها حركة «فتح» تتلقى الصدمات إلى الدرجة التي أفقدتها توازنها، وتتسع فيها التباينات، بل وتأخذ تلك التباينات والنقاشات المصاحبة شكلاً قاسياً وعنيفاً في التعبير عن ذاته تعكسه وسائل التواصل بين الخصوم.
هذا هو المسار الطبيعي للتاريخ، وقد حدث لحركات تحرر وطني سابقاً مرت بنفس الظروف، ولكن التاريخ أهدى حركة «فتح» فرصة لم تتوفر لغيرها من حركات التحرر، وهي أن منافسها الإسلامي كسلطة فعلية في قطاع غزة لم يقدم تجربة أفضل من تجربة حركة «فتح»، وهذا متغير مهم في حسابات السياسة يؤهل «فتح» للاستمرار؛ لغياب النقيض الذي يمكن أن يقدم مشروعاً منافساً بالمعنى الواقعي، وليس للدور الوظيفي الذي تقدم به الحركة.
ولكن هذا يتطلب حسابات هادئة بعيداً عن التشنج، حسابات تأخذ بعين الاعتبار أن جميع تياراتها هي ضحية مرحلة تاريخية كانت أقوى منها جميعاً رغم كل محاولاتها للنجاح، وليس من المنطقي بدلاً من البحث العلمي في جذور الأزمة في ربع القرن الأخير أن يتم استبداله بالاستعداء والتخوين؛ لأن لدى «فتح» رغم كل المسار المعاكس لها فرصة بالاستمرار إذا ما احتضنت كل التيار الوطني بلا استثناء، ليس فقط التباينات بين أبنائها، بل كل الوطنية الفلسطينية كما فعلت على امتداد تاريخها، وإلا فإنه من دون ذلك سنشهد أفول التيار الوطني برمته…!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى