أكرم عطا الله: هل سيصمد الاتفاق أمام تعثر الوقائع؟
أكرم عطا الله 2-11-2025: هل سيصمد الاتفاق أمام تعثر الوقائع؟
كشف استطلاع صادم نشرته القناة الثانية عشرة الإسرائيلية عن أن أغلبية من الجمهور الإسرائيلي تبلغ 63% تعتقد أن على إسرائيل العودة للقتال في قطاع غزة بينما ترتفع تلك النسبة 90% لدى مؤيدي الائتلاف، بالنسبة لمؤيدي الأحزاب التي تشارك في الحكومة وهي أحزاب دينية فاشية لا يبدو الأمر غريباً، لكن النسبة الأولى الجامعة للشعب الإسرائيلي تظهر أن هذا الشعب لا يقل تطرفاً عن قيادته السياسية.
في استطلاع سابق نشر في أيار الماضي أجرته جامعة بنسلفانيا الأميركية ونشرته صحيفة «هآرتس» برز أن نسبة 82% من الإسرائيليين يؤيدون فكرة التهجير القسري للفلسطينيين من غزة، فيما أظهر نفس الاستطلاع أن نسبة 56% من الإسرائيليين يؤيدون طرد العرب في إسرائيل، وهم مواطنون في إسرائيل يحملون جنسيتها وجواز سفرها ويشاركون في انتخاباتها. كيف يمكن فهم ذلك؟
هل الأمر مرتبط بصدمة السابع من أكتوبر أم بشيء كامن في العقلية الإسرائيلية التي تستمد هويتها الثقافية من أساطير مدججة بالكراهية وقتال الآخر، وإذا كنا قد أطلقنا وصف حكومة فاشية على حكومة إسرائيل، فهل يمكن اتهام الشعب في إسرائيل بعد تتابع قياس مزاجه بتبني آراء فاشية؟ وهل يمكن أن تستخدم فزاعة اللاسامية لمواجهة من يقول ذلك؟ الحقيقة أن اللاسامية في عاميها الأخيرين كانت صناعة إسرائيل بامتياز. فما فعلته في غزة كان كفيلاً بوصمها بتلك التهمة.
هنا لا يتعلق الأمر بشعب يعيش على السيف وأصبحت الحروب جزءا من بنيته الثقافية، لا يستطيع العيش دون إشعال الحرائق. فإسرائيل بعمرها القصير جداً قياساً بالدول حطمت أكبر الأرقام القياسية في عدد الحروب، والأهم أنها لم تتوقف عن الشكوى من خصومها التي لم تكف عن الاعتداء عليهم وهي تتسلح بالقنبلة النووية، لكن يتعلق الأمر بالخشية تحت ضغط مزاج الرأي العام الذي لم يتعب في عقوده الأخيرة من الانزياح يميناً أن يذهب نتنياهو الجريح نحو الحرب من جديد وتلك معضلة يصنعها الشارع الإسرائيلي من جديد.
سر الأزمة أن نتنياهو لا يستطيع الذهاب نحو الانتخابات وأن تكون هذه هي الصورة الأخيرة في الألبوم السياسي المتعلق بقطاع غزة ناهيك عن فرصة توفرت له، فإعادة هندستها ومشاريع استراتيجية كبرى لم يحسمها بعد، لكن ضغط الرأي العام شديد الوطأة سواء من حيث العموم أو الأكثر هنا وهم مؤيدو الحكومة الذين يتكئ عليهم نتنياهو في مساره السياسي ومستقبله فهل سيتمكن نتنياهو من تجاهل تلك الاستطلاعات الخطيرة؟
لا شك بأن نتنياهو «كتعبير مكثف عن الحكومة» ينتظر سرعة الدخول في المرحلة الثانية للحصول على استسلام كامل من حركة حماس من خلال تسليم سلاحها، وهي الصورة التي يمكن أن يذهب بها للانتخابات، لذا الغضب مما يعتبره «تلاعبا من (حماس)» يشكل مشكلة كبيرة بالنسبة له، خاصة أن الساعة الرملية السياسية تتكتك في غير صالح رئيس حكومة إسرائيل. فالانتخابات إذا ما أكملت دورتها للسنوات الأربع فهذا يعني أنها دخلت عامها الأخير، فالانتخابات الماضية جرت في الأول من تشرين الثاني قبل ثلاث سنوات وهو يعتبر أن أي تلاعب بالوقت هو عملية هادئة ومنظمة للقضاء عليه سياسياً وتلك معضلته.
أغلب الظن ولأن الأمور لم تهدأ بعد رغم ما يبدو من إصرار أميركي على تنفيذ الاتفاق، طبعاً مشكوك في الإصرار الأميركي، لكن نتنياهو لن يتنازل عن ورقة واضحة يذهب بها للانتخابات وهو ما أطلق عليه منذ بداية الحرب بـ»النصر المطلق» فالصورة التي توقفت عندها الحرب لم تعطه النصر بهذا الوضوح، لذا أمامه خياران إما إيجاد ذريعة لاستئناف القتال وتلك مصلحة يعززها الرأي العام الذي لا يقل فاشية وهنا لا يتحمل نتنياهو مسؤولية استئناف القتال لأن في الأمر ما يظهره كأنه استجاب للمطلب الشعبي وللمزاج الجماهيري، أو الدخول بسرعة للمرحلة الثانية كي يحصل على النصر من خلال تجريد «حماس» من السلاح.
ولكن ماذا لو تعثرت مفاوضات السلاح؟ هل في الأمر ما يدعو للقلق؟ وما الذي تعكسه التهديدات الأميركية التي تظهر بين فترة وأخرى، فالرئيس ترامب لم يتوقف عن التهديد بالتدخل بالقوة الأميركية إذا لم تستجب «حماس» لما يريد وطبعاً في إرادته ما يعكس المطالب الإسرائيلية والتي ستمعن في إذلال حركة حماس للحصول على شكل للنهاية يقدمه للإسرائيليين كبطل تمكن من إذلال من قاموا بالسابع من أكتوبر، ولن يتواضع في شروطه خاصة بعد أن تكون قد تجردت حركة حماس من كافة أوراقها وانتقلت المفاوضات من التفاوض لإملاء الاشتراطات.
رئيس أركان إسرائيل إيال زامير أيضاً لم يتواضع بالاستعراض وهو يقول لجنوده، لدينا عمل لم يكتمل بعد. فقد بدأت تغلف خطابات قادة إسرائيل غطرسة القوة وهي أشد خطورة من الحرب. هنا يمكن القول، إننا أمام وضع لم يعطنا نتيجته النهائية بعد، إسرائيل أمام انتخابات بعد عام على أبعد تقدير وربما تكون قبل وخلال تاريخها الأخير كانت الحروب لازمة للدعاية ولكنها تراهن على المرحلة الثانية فهل تنجح مفاوضاتها؟



