أكرم عطا الله: حماس بين تأييد خطة ترامب ورفضها
أكرم عطا الله 21-11-2025: حماس بين تأييد خطة ترامب ورفضها
كان واضحاً منذ السابع من أكتوبر أن الزمن لا يسير لصالح حركة حماس، فالحرب لمن يملك المدافع وليس لمن يملك المبادئ كما قال نابليون، أو من يملك التكنولوجيا لا من يملك الأيدلوجيا، ومن لم يكن يعرف أن إسرائيل هي مجرد حاملة طائرات أميركية ترسو على اليابسة يكون قد ارتكب أكبر مغامرة غير محسوبة في تاريخ الشعب الفلسطيني، وتلك رواية أخرى ستأتي لحظة محاكمتها لأن النقل النصي عن تاريخ الثورات عبارة عن حالة قص ولصق سياسية في غير محلها لسبب بسيط أن إسرائيل ليست استعمارا لديه عاصمة يعود إليها عندما ترتفع الخسائر كما باريس ولندن وواشنطن عندما تعرضت جيوشها لضربات شديدة هنا يختلف الأمر، إما أن تكون بقوتك قادراً على هزيمة إسرائيل مرة واحدة لا ترفع رأسها وتلك فوق طاقة العرب أو هزيمتها بالنقاط كما كان ينبغي أو التفاوض معها وتقسيم الأرض كما حاولت المنظمة.
منذ بداية الحرب كان واضحاً أن اللحظة التي تمر لن تتكرر وأن ما يمكن تحقيقه اليوم لن يكون متوفراً غداً، فالحركة في غزة ومعها باقي الفصائل محاصرة يتم استنزافها وإسرائيل تحظى بجسور جوية عسكرية وأقمار صناعية بسيول من المعلومات التي تتدفق من كل مخابرات الغرب والأهم أن المقارنة بين حركة حماس وإسرائيل هي مقارنة ظالمة للحركة لكن الأخيرة أصرت عليها دون أن تدرك فداحة ذلك.
توقفت الحرب عندما قالت حماس نعم ووافقت على خطة ترامب التي اعتبرها الكثيرون لحظة الإعلان عنها هي دعوة للاستسلام ليس أكثر بينما في العام السابق كان للحركة مساحة أكبر للمناورة، كان يمكن استغلالها لكنها هذا العام أخذت بالتلاشي بما يتناسب مع الضعف المتزايد لقوة الميدان، وهذه واحدة من دروس السياسة التي كان الكثير يعبر عنها بما يسمى اللحظة السياسية وقد أفلتت مراراً لنصل إلى اللحظة الأكثر انكشافاً في تاريخ الفلسطينيين وهي لحظة الوصاية التي أقرها مجلس الأمن بعد أن حاول الفلسطيني الإثبات للعالم أنه جدير بحكم نفسه يعود بعد عقود ليحكمه غيره ولحظة تجريده من سلاحه وتجريم كفاحه الوطني.
الفصائل الفلسطينية في غزة أعلنت معارضتها لقرار مجلس الأمن، وبات معروفاً أن هذا موقف حماس بالدرجة الأولى، فالفصائل الأخرى تدور في فلكها وهي نفسها الحركة التي رحبت بالخطة الأميركية لحظة إعلان الرئيس الأميركي عنها في البيت الأبيض وتعود لتعارضها حالياً.
ويصدر هذا البيان رغم إدراك الحركة الفلسطينية أنها ومعها كل الفصائل الوطنية لن تستطيع منع تطبيق قرار دولي فما بالنا إذا كان أكثر الدافعين لتطبيق القرار هم أصدقاء الحركة في الدوحة واسطنبول والجزائر الدولة الممثلة للمجموعة العربية بمجلس الأمن، لكن في معارضة الحركة أنها تريد أن تتنصل من مسؤوليتها بأنها أدت لهذه الوصاية وكانت المتسبب لها رغم أن تسلسل الأحداث معروف للجميع.
النتائج السياسية هي انعكاسات للنهايات العسكرية، وكان لدينا خشية منذ البداية أن تأتي اللحظة السياسية في أسوأ لحظة عسكرية … وقد كان، كنا نطالب بالتوقف والتفاهم في لحظة كان الميدان فيها أكثر كفاءة ـ فالويل لنا إذا ما تأخر وأمعنت الموازين في تجسيد ذاتها، كان الشعبيون والبسطاء ومؤيدو حركة حماس وماكنة الإخوان التي تدير دعاية يعوزها المنطق ينتقدون هذه الأصوات، بل يجرمونها ويدفعون دون أن يدروا أو يدروا الحركة للانتحار لأن مزيداً من المعارك كان يعني مزيداً من الوقت ومزيداً من الاستنزاف ومزيداً من الاستيلاء على الأراضي والقتل، أي أن مزيداً من الوقت لن يترك إلا خيار الاستسلام أو ما يشبه خطة ترامب وعمادها تجريد حماس من السلاح ومعها الفصائل وتشكيل مجلس انتدابي لإدارة غزة.
من المهم القول إن تلك الأصوات التي كان تم انتقادها من قبل الشعبويين والانتهازيين كانت تريد للحركة أن تتفاوض في وضع أقوى وتتكئ على ميدان أكثر صلابة قبل أن تنهار، أما الذين أعلنوا حرصهم على الحركة وخاضوا دعايتها من هؤلاء خلطة يسار سابق أو إسلامي لاحق أو إخواني مستجد هم من كانوا يصرون على أن تنتحر الحركة باستمرار الحرب وهم من أوصلوها إلى تلك اللحظة الأكثر سواداً منذ انطلاقتها.
أتذكرون كيف بنت حماس استراتيجيات حربية على تقدير موقف «لن يدخلوا بغزو بري» وكذلك «إسرائيل لا تحتمل حروباً طويلة»؟
ويمكن استدعاء الكثير من تلك الشواهد التي أودت للانتحار والتي لم تستطع فهم وقراءة الانزياحات الهائلة في المجتمع الإسرائيلي خلال العقود الأخيرة وإعادة هندسته لجهة الدين الأكثر قدرة على احتمال الخسائر واحتمال حروب أطول.
أما الذين قالوا خلاصات حقيقة مجتمع إسرائيل الجديد فتمت مهاجمتهم اعتقاداً من الشعبويين أنهم يقولون موقفاً بتهمة المس بمعنويات الجبهة الداخلية، وهكذا أدرنا أكثر الحروب قسوة وأكثر المصائر حساسية بأقل العقول ذكاء وتلك رواية ..!
ما العمل أمام العربدة الإسرائيلية وتناقضات حماس بالموافقة والرفض ؟ هما الطرفان الأكثر فاعلية واللذان يحتكران قرار الحرب من جديد أو نهاية تامة دون تهديد، نحن مجرد مراقبين ينتظرون ما ستحمله فترة قادمة شديدة الأهمية.



