أقلام وأراء

أكرم عطا الله: بين أسطرة الضحية وصدمة الواقع

أكرم عطا الله 31-10-2025: بين أسطرة الضحية وصدمة الواقع

لا يظهر كثير من الأمل بوحدة وطنية قادمة، فإذا كنا على مدار عامين رغم شواهد النكبة التي عصفت بغزة واقتلعتها من جذورها، ورغم سحق المدينة وتدميرها وإخراج القطاع عن الخدمة وقتل أبنائه، وتحويل مئات الآلاف إلى نازحين، والنتيجة تواجد إسرائيلي في أكثر من نصف مساحة القطاع وتحويله أخيراً إلى الوصاية… لم نستطع على مدار عامين من الحديث والشرح جميعنا من سياسيين وكتاب ومراكز دراسات من إقناع حركة حماس بأنها أخطأت في السابع من أكتوبر، فإذا فشلنا مسلحين بوطأة الواقع فمن سيغامر بالتعهد بإقناع حماس بقضايا أقل من ذلك بكثير وبشواهد أقل؟

وحده يقف الدكتور أحمد يوسف أحد أبرز حكماء الحركة الذي تم إبعاده خلال سنوات ماضية، بل والسخرية من رؤيته السياسية، والتي لو تم الإنصات لها لما كانت هذه المغامرة الأشد فداحةً في التاريخ الفلسطيني، لكن سيطرة العسكر وتهميش السياسيين كان لا بد وأن يؤدي إلى كارثة، وقد سجل التاريخ مآسيَ كثيرة عندما سبق السلاح السياسة وظُن أنه أكثر كفاءة في إدارة السياسة، فقد حسم الدكتور يوسف وحده الموقف مع جريدة لي ريبوبلييكا الإيطالية وحوار العقل بالقول «إن ما حدث في السابع من أكتوبر كان خطأً فادحاً في التقدير».

القصة ليست في القتال ضد اسرائيل، فتلك دولة احتلال لا ينبغي التعايش مع احتلالها، وإلا سيسجل التاريخ حالة شذوذ لا يمكن قبولها، وتلك حالة إجماع فلسطيني لا يختلف عليها إلا من تساقطوا في منتصف الطريق وهؤلاء ليسوا أسوياء. لكن النقاش الفلسطيني الذي استعر حول الاستخدام غير المدروس للقوة والمستند أساساً إلى تقديرات غير مدروسة، وتلك تستدعي التفكير حول جدارة التيارات الإسلامية في إدارة السياسة، على نمط غزوة منهاتن لبن لادن وليُحرق بعدها الشرق الأوسط، وغزوة السابع من أكتوبر ولتُحرق بعدها غزة.

أغلب الظن أن كل من كان مسؤولاً في حركة حماس إبان السابع من أكتوبر ولم يتوقف أمام حقيقة المأساة، وظل يحاول استيلاد حمل كاذب من واقع تحول إلى جثة هامدة أن يتوقف أمام ما حدث، وأن يتراجع ليتسلم الحركة التيار الذي يمثله الدكتور يوسف، تيار العقل السياسي لا المغامر، لأن هذا التيار الأخير وضع الحركة على حافة الشطب، بل وشكل تهديداً لوجودها، وكان أخطر عليها من كل خصومها. بكل الظروف نحن أمام حقيقة أنه لن يسمح لحركة حماس بالعمل السياسي وأن تكون جزءاً من أي نظام سياسي فلسطيني، بل هي بحاجة إلى اسم جديد وثوب جديد وتفكير جديد أظن أنها بدأت تدرك جزءاً منه، عندما فهمت أن هناك لحظة سيتواجد فيها جيش اسرائيل داخل غزة وعليها عدم المساس به، وتلك حكَمتها موازين القوى وليست العدالة، لكنها الواقع أو بدقة أكبر نتاج التيار الواقعي.

نحن الشعب الضحية، ضحية جريمة هتلر الكبرى الذي دفعنا ثمنها من وطننا، عندما أراد العقل الأوروبي القيام بعملية «غسيل ضمير»، وضحية التواطؤ العالمي وضحية الهشاشة العربية وهي تعتقد أنها أنشأت أوطاناً وجيوشاً لتكتشف ان لا وزن لها، وضحية الوهم الإسلامي الذي يعتقد بقدرته على تغيير الكون بالإيدلوجيا في عصر التكنولوجيا، تلك الضحية التي لم تتوقف عن الصراخ، ولا أظن أن السابع من أكتوبر رغم فداحته كان أبعد من انفجار الضحية، وإن عبّرت عن انفجارها بجهل شديد للواقع وبجهل بأبجديات السياسة ومفاتيحها، لكن بعد ذلك مَن الذي عمل على أسطرة شعب غزة وتضخيم قدراته العسكرية، ما ينزع عنه المظلومية التي هي نحن على حقيقتنا؟

في تلك الأسطرة وتضخيم قدرات حماس والفصائل المسلحة ما يرفع سقف توقعات شعب كامل وأمة كاملة عالياً، حتى تصاب بهذا الإحباط عندما تكتشف أن الحرب توقفت بالموافقة على بقاء الجندي الإسرائيلي في غزة وأن على المقاومة أن تسلم سلاحها. وفي هذا عبء نفسي لا تقدر عليه الأمة، لأن الصدمة تكون بمستوى ارتفاع السقف الذي يحدد قسوة الاصطدام حين الوقوع، وهذا ما حدث لشعب ولأمة تقف خلفه، كان بعض بسطاء الإعلاميين من حركة الإخوان أو من حركة حماس يديرون بإمكانيات عالية سياسات إعلامية، أيضاً تلك خلت تماماً من قدرة على التقدير، ليصلوا بالناس إلى هذا المستوى من الإحباط، وذلك قبل أن تحدث التغييرات في قناة الجزيرة التي لعبت الدور الأكبر في الوصول لتلك النتائج النفسية، من خلال ضيوف سطحيين بسطاء لم يميزوا بين الدعاية والإعلام، خرجوا من الشاشة بعد اكتشاف حجم الأضرار التي تسببوا بها والهبوط بمستوى فضائية كانت في أسابيعها الأخيرة مادة للتندّر بسببهم.

في عالم مدجج بالمؤسسات المحشوة بحقوق الإنسان مَن الذي يعطي الحق لبنيامين نتنياهو بهندسة واقع وحياة شعب آخر؟ يُفترض أنه بعد تنفيذ خطة الرئيس الأميركي تكون حماس قد غادرت المشهد «هناك شك بنجاح الأطراف بتطبيق بنودها» وأن يُترك الشعب ليقرر مصيره في غزة، لكن اسرائيل تعلن أنها ستظل مسيطرة على القطاع، وفي هذا ما يستدعي التفكير بإعلانه منطقة تحت الاحتلال، فلماذا لم يحدث هذا؟ السؤال لحركة حماس لأن في ذلك موافقتها تلقائياً على التوقف عن الحكم، ولكن عليها أن تفعل ليتحمّل المحتل مسؤوليته أمام كل هذا الخراب، لا الاستمرار بإعفائه.

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى