أقلام وأراء

أكرم عطا الله: المأزق.. «حماس» انتحرت وتريد العودة للحياة..!

أكرم عطا الله 26-12-2025: المأزق.. «حماس» انتحرت وتريد العودة للحياة..!

 

لسوء حظ حركة حماس التي خسرت الحرب والأرض وتقف أمام نتائج كارثية، أنه في اليوم الذي تُصدر فيه وثيقة عن رواية للسابع من أكتوبر منفصلة عن الواقع وتداعياته وعن راهن قطاع غزة الذي تعرض لأكبر عملية إبادة واحتلال من جديد بأن هذه الكارثة كانت إنجازاً وطنياً كبيراً، في اليوم نفسه كانت إسرائيل التي ارتكبت الإبادة ولها اليد العليا في هذه الحرب تشكل لجنة تحقيق لدراسة الخلل ….! تصوروا ..؟

إسرائيل التي اعتادت تحويل المحنة إلى منحة تمكنت باسم السابع من أكتوبر من تحطيم الإقليم وكسر العمود الفقري لمحور المقاومة الذي كان يشكل يوماً ما أحد هواجس تل أبيب الأمنية، واليوم ينشغل العالم بالمراهنة على الإجابة عن سؤال من ستضرب أولاً بيروت أم طهران ؟

هكذا يبدو الأمر استسهال الضرب، أما حالة غزة فقد تعرضت لكارثة لن تشفى منها وهي ما تصفها حماس بالإنجاز الكبير، كيف يمكن فهم ذلك ؟

كانت فرصة لإسرائيل لتغيير البيئة الإستراتيجية في الإقليم لصالح تحطيم خصومها التي تشكل الحركة الفلسطينية إحدى امتداداتهم، أما القضية الفلسطينية فتلك كانت الضحية الأكبر للمغامرة الأكبر التي قامت بها الحركة دون إدراك أن إسرائيل دولة شديدة التوحش بعقيدة فاشية ومدججة بالسلاح تدعمها أكبر القوى العالية التي لن تسمح بهزيمتها، والمفاجأة هي أن حماس تفاجأت بكل هذا وهو ما يعرفه هواة السياسة ومبتدؤها، وقد تمكنت إسرائيل من تقمص صورة «الضحية» التي تخلفها صور السابع من أكتوبر لتفعل كل ذلك دون أن يتمكن أحد من وقفها.

ما لم تفهمه حماس حتى اللحظة أن من يختلف معها حول الحدث الأكبر لا يختلف حول الحق في مكافحة إسرائيل كدولة احتلال تميز عن سابقيه بنزعة عنصرية.

لكن الاختلاف هنا حول عدم قدرة حماس على التمييز ودعم إدراكها للتوازن وخطوط السياسة والسلاح، قبل العملية وبعدها ما زالت تصر على نفس الموقف دون تراجع بعد أن وفر كسرها للمعادلة الفرصة التاريخية لإسرائيل لأن تكسر المعادلة من طرفها.

وفي هذه الحالة فإن البقاء للأقوى وليس لصاحب الرواية، لمن يملك السلاح …  لمن يملك التكنولوجيا وليس لمن يملك الأيديولوجيا وقد كان … لتسلم إسرائيل هذا الانتصار ولتهدي للشعب الفلسطيني هذه الهزيمة الكبرى والكارثة أن تحاول أن تسوقها كإنجاز وطني ولم تتواضع وهي تتحدث عن إنجازات وصلت لعشرين إنجازاً لا علاقة لها بالواقع بل وقدمت قراءات مبتورة عن سياقات التاريخ خلال سنوات ماضية وأرقام لا علاقة لها بالحقيقة بل محاولة لتطبيع فداحة الثمن الذي دفعه الغزيون في هذه المقتلة أو لاختراع تعادل متخيَّل.

توقفت الحرب والذي «حقق الإنجاز» خسر 58% من الأراضي التي يحكمها أما المهزوم فقد احتل تلك المساحة، الذي حقق الإنجاز خسر 90 % من البيوت والأصول الإستراتيجية وخسر سبعين ألفاً من سكان القطاع وتحول باقي السكان إلى نازحين في الخيام يغرقون مع أول المطر، الذي حقق الإنجاز يتأهل لتسليم حكمه ويوافق على خطة تنص على تسليم سلاحه وهكذا في حالة تبسيطية لشرح ما لا يحترم لا عقل ولا وعي ولا دم ولا معاناة ولا خسائر الغزيين ولا أي محاولة لترميم جراحهم أو الاقتراب من الاعتذار عن تلك المغامرة التي استدعت ردة فعل وحشية كسرت كل الخطوط وأصابت غزة إصابة مزمنة في روحها.

عشرون إنجازاً لعملية السابع من أكتوبر …! هكذا تصور الوثيقة بتبسيط شديد حرباً ونتائجها التي تترسخ على الأرض والتي يحتاج الفلسطينيون عقوداً لمسح آثارها التي خلفتها.

فهل حقاً يصدق كاتب النص ما جاء في ست وثلاثين صفحة ؟ إذا كان يصدق ذلك فتلك مأساة لا تخص كاتبها بل تخص نمط تفكير ورؤية وسردية لجزء من الجماعة الفلسطينية ترى الواقع بشكل متخيل، مقابل باقي الجماعة الفلسطينية التي ترى الواقع على حقيقته وفداحته وكارثيته.

هنا نكون أمام حقيقة أكبر تجسدها الوثيقة التي تمعن في الانفصال أن هناك جماعتين ورؤيتين وروايتين وهذه تبشر بنزاع من نوع آخر، نزاع فكري عميق بين الجماعتين يتجاوز الانقسام ليصل حد الانفصال.

كيف لا ترى السياسة كل هذا الألم والدم والدموع وتقفز عنها لتتحدث عن إنجازات تتعلق برواية حزب يتشبث بالحياة بكل الوسائل بعد أن قام بعملية انتحارية ؟

بعد أكثر من عامين على الإبادة، وبعد كل تلك النتائج التي خلفتها المغامرة الكبرى، وبعد هذا الواقع الذي سال فيه دمنا طويلاً ولنفيق على الجيش الإسرائيلي يصادر الجزء الأكبر من غزة ويفكر بجعله حدوداً دائمة، أن تفكر حماس بهذا الشكل الذي ورد في الوثيقة فتلك مصيبة لا تقل عن مصيبة عدم إدراكها لبيئة الصراع وبقائه في مستوى ومعادلة استنزف إسرائيل لإرغامها على الحل مع الفلسطينيين دون التسبب بتهديد وجود الجماعة الفلسطينية وتفككها كما حدث فقد اقترب الخطر لهذا المستوى.

تتوقف حماس أمام السابع من أكتوبر بهذه الخفة التي عبر عنها الغزيون «طبعاً خارج غزة لهم رأي آخر» فيما تتوقف إسرائيل بكل تلك الجدية لتحقق في الموضوع الذي أصبح بالنسبة لها فرصة استراتيجية حققت فيها أكثر مما كانت تحلم، فيما الذي فقد كل أحلامه يحتفل بالإنجاز. أي منطق سياسي هذا وأي أهلية سياسية تلك ..؟

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى