أقلام وأراء

أكرم عطا الله: إلى متى هذا وإلى متى نحن؟

أكرم عطا الله 28-6-2024: إلى متى هذا وإلى متى نحن؟

لم يعد المجتمع الدولي والعربي والإسلامي مبالياً بالكارثة المتفاقمة في غزة، فقد تحولت الحرب إلى عاديات الأشياء التي ألِفها هذا العالم، عادية في نشرات الأخبار وهذا أسوأ ما في الحرب.

فقد تمكن بنيامين نتنياهو من كيّ وعي العالم واضعاً قدمه على أنف الجميع، فكل تلك القوة الكونية كانت تتضاءل أمام جيش مجروح وسياسي يهرب من محاكم جنائية …هنا نموذج عبثية السياسة ومنظومتها الأخلاقية ولعنة موازين القوى.

أتذكرون عندما كانت الطائرات تلقي بالمساعدات فوق قطاع غزة؟ لقد توقفت… شمال القطاع يعاني من مجاعة طاحنة، ولأنها تكررت أصبحت أيضاً من عاديّات الأشياء، فالموت صار عادياً والقتل والنزوح أصبح نمط حياة لا يثير أحداً. فلا يبالي العالم بشعب تم إلقاؤه مكدساً في الخيام على شريط ضيق من غزة، خيام أصبحت كالأفران لشدة حرارتها وازدحامها.

يقول صديق مرسلاً نصاً صوتياً «كل شيء تدمر في غزة، لا ظَل بيت حانون ولا بيت لاهيا ولا شاطئ ولا جباليا، لا تل هوى ولا شجاعية ولا شيء، الناس تهيم على وجهها يحسدون الذين غادروا مبكراً وبلا أمل أو أفق، لا يشبهون كيف كانوا ونسوا كيف كانوا، الجوع والمرض والفقر والدمار، ولا حياة في تلك المنطقة التي حكم عليها جيش إسرائيل بالإعدام وتم تنفيذ الحكم أمام الجميع الذي سيحمل عار صمته للأبد».

أصبحت الحرب في غزة عالقة فقد أزمنت، وانصرف الجميع لمشاغله، فأقوى عواصم أوروبا باريس ولندن تذهب لانتخاباتها وإعادة تركيب نظامها السياسي كأولوية تفوق اهتمامها بمقتلة غزة، والولايات المتحدة دخلت أشهر الولادة الأخيرة لإدارتها، وروسيا والصين تقيسان الأمر وفقاً لمصالحهما الصغيرة، معنيتان بإدامة الحرب وإشغال الأميركي بها دون حضور جدي، فواشنطن منشغلة في دم غزة وهم يزحفون لمصالحهم.

العرب لا حول لهم ولا قوة، لا النظام الرسمي ولا جامعته العربية ولا شعوبه غير الهادرة قادرون على إدخال كسرة خبز لطفل يموت جوعاً أو امرأة تستغيث إسلاماً وعروبة من ظلم فاق مساحة العالم ويغطي لعقود طويلة. وأمام كل هذا لا زال الفلسطينيون يمارسون ترف انقسامهم غرقى.

في هذه المجازر البشعة التي تمارسها إسرائيل ضد المواطنين في هذه البقعة الصغيرة التي ألقيت عليها أضعاف ما أُلقي على مدينتي هيروشيما ونجازاكي، يبدو الأمر كأن حلول الأرض انتهت والأمر متروك للسماء … لكن السماء كما يقول محمود درويش في مرثية النكبة « لكن السماء لم تكن كريمة معنا « فماذا نفعل نحن الذين تمزقنا وجعاً لموت أصبح ضيف أهلنا وأحبتنا الدائم، ومعه كل مستلزمات الحزن المرافق؟ وخاصة أننا نقرأ كل الاستعصاءات التي وصلت إليها اللحظة القاتمة بلا أفق وبلا قوة يمكنها وقف الجريمة.

الجامعة العربية كفّت عن الاجتماع، ومنظمة المؤتمر الإسلامي أنضجتها حكمة الصمت، والقيادة الفلسطينية التي أعلنت في بداية الحرب أنها في حالة انعقاد دائم تجتمع في المناسبات وتغيب عن غزة، وحركة حماس المغامرة بلا حساب البعيدة عن الواقع مازالت تعيد الشعارات القديمة، فيما الواقع أشد بؤساً مما يتصور الجميع الذي يمر بصدمة هول الحدث وهول المأزق والخراب الذي يتجسد للمشروع الوطني بعد سنوات من العبث الوطني.

الثمن فادح والاستثمار شديد الفقر، فقد أنتج السابع من أكتوبر حقائقه السياسية والتي لم يكن استثمارها أقل من دولة فلسطينية. فالحلول الكبرى دوماً تنتجها حروب كبرى، لكن أن تأتي حرب بهذه الفداحة ونخرج صفر اليدين؟ أين مؤسساتنا؟ أين قدرتنا على العمل السياسي؟ فقد أُهدر دم شعبنا بمقتلة كبرى، لماذا فشلنا في جعل هذه الحرب تُقدم لإقامة دولة فلسطين؟

الإجابة على السؤال محبطة، ببساطة فقد تمكنت الحركة الصهيونية من جعل قضية اليهود قضية دولية عرفت حينها «بالمسألة اليهودية « سخّرت لها كل الإمكانيات وعملت بكفاءة عالية استثمرت كل الطاقات اليهودية، لكن الحركة الوطنية الفلسطينية بأجنحتها الإسلامية وغيرها فشلت في جعل قضيتنا المسألة الفلسطينية، وبدل أن تديرها بكفاءة تناحرت وتصارعت بثقافة الإقصاء وإلغاء الشريك الآخر وعقل الأخ اللدود الذي استنزف طاقات المتصارعين وهم يفكرون بالمكائد الصغيرة، وعزل الكفاءات والعقول لمجرد السماح لنفسها بالتفكير خارج صندوق الفصائل.

أغلقت الفصائل على نفسها لنصل إلى كل هذا الخراب الذي لم يكن صدفةً، بل كان نتاج مدخلات كثيرة يصعب حصرها في مقال، لكن النتائج دوماً هي ابنة المقدمات، ولم تكن مقدماتنا تشي بنجاحات متوقعة. هذه حقائق الأشياء وطبائع السياسة وإدارة المجتمعات، فالمجتمعات المُمأسسة يتكفل النظام والقانون بإدارتها ولا تحتاج لقيادات عبقرية، لكن مجتمعاتنا ابنة العالم الثالث كان يجب أن تستدعي المفكرين والأذكياء الذين يعيشون بطالة سياسية «أعرف الكثير من عينات الأذكياء الذين طردتهم الفصائل عندما فكروا « ….. أتأمل وأعرف ماذا حدث…!

 

 

مركز الناطور للدراسات والأبحاث  Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى