شؤون إسرائيلية

أصداء أزمة كورونا : هل تمتلك الأحزاب الدينية في إسرائيل استراتيجية محددة؟

شادي محسن *- 1/4/2021

نجح حزب الليكود (الحزب الحاكم في إسرائيل) في أن يستغل صعود القومية الدينية في إسرائيل (ديموغرافيًّا وسياسيًّا) على الأقل لمدة 12 عامًا لخلق تحالف سياسي وثيق مع الأحزاب الدينية؛ قاد “الليكود” لأن يكون في صدارة الساحة الحزبية السياسية الإسرائيلية؛ مما يفسر استمرار نتنياهو في الحكم.

ولكن مؤخرًا، في الأسابيع الماضية عرض نتنياهو (زعيم حزب الليكود) على الأحزاب الدينية في إسرائيل التوقيع على وثيقة تمنحه الصلاحية المطلقة لتشكيل سريع لائتلاف حكومي دون الدخول في مفاوضات مسبقة. رفضت الأحزاب الدينية العرض وفضّلت منح نتنياهو التزامًا شفهيًا بدعمه في الانتخابات.

يعد هذا التصرف ظاهرة فريدة في طبيعة العلاقة بين حزب الليكود والأحزاب الدينية، مما يثير الاستفهام حول دوافعه ودلالاته، فيما يبدو أن الأحزاب الدينية في إسرائيل تمتلك استراتيجية قد تؤثر على الاجتماع السياسي الإسرائيلي، أي التأثير على المجتمع، وبالتالي التأثير على النظام السياسي، لا سيما وأن إسرائيل تتجه إلى الانتخابات، وتميل المؤشرات إلى اتجاه نتنياهو لتشكيل حكومته الجديدة.

الصورة العامة

يُسمى كل من ينتمي إلى الدين السياسي في إسرائيل (اليهودية الأصولية) “حريدي، وجمعها: حريديم”، وينقسمون إلى ثلاث حركات ثقافية-سياسية رئيسية، هي: (1) الصهيونية الدينية: التي يمثلها حزب “يمينا” وزعيمه “نفتالي بينيت”، وهي الحركة الرائدة التي تبنت الانتشار الاستيطاني في الضفة الغربية. وأول من تحالف مع الأحزاب اليسارية (مثل حزب العمل) من أجل تحسين أوضاع اليهود المتشددين في إسرائيل. (2) اليهودية الأشكنازية: والتي يمثلها حزب “يهودات هاتوراه” وهي تجمع اليهود ذوي الأصول الغربية القادمين من قارة أوروبا. (3) اليهودية السفارادية: أو اليهودية الشرقية التي يُمثلها حزب “شاس”، وهي تجمع اليهود ذوي الأصول الشرقية القادمين من دول عربية أو إسلامية.

1- الديموغرافيا:

حسب أحدث تقرير لمركز بحثي إسرائيلي عن الوضع الديموغرافي للأصولية اليهودية “المعهد الديموقراطي الإسرائيلي” (ديسمبر 2020)، أوضح التقرير أن المجتمع اليهودي المتشدد في إسرائيل وصلت نسبة الزيادة السكانية فيه إلى 4.2% وهي ضعف نسب الزيادة السكانية الطبيعية لباقي إسرائيل (1.9%)، أي سيتضاعف عدد اليهود المُتشددين في إسرائيل خلال 16 عامًا فقط، فيما ستتضاعف القطاعات الأخرى خلال 50 عامًا.

بلغت نسبة المجتمع الحريدي من مجموع المجتمع الإسرائيلي 13%، يبلغ نسبة الشباب فيها 64%، ويتطلعون إلى آفاق سياسية ومهنية عالية المستوى.

تأثر الوضع الديموغرافي للمجتمع الحريدي بالسلب جراء أزمة كورونا، إذ ارتفعت نسبة الإصابة والوفاة بين الحريديم بنسبة تصل إلى 7.3%. كما فقد 1 من كل 73 شخصًا حريديًا وظيفته، وتعطلت استقلاليتهم المادية. الوضع الذي شكّل صدىً غير مرغوب فيه لدى الحريديم وبالتبعية لدى قادة أحزابهم، مما استلزم انعطافًا سياسيًا من جانبهم لاستدراك وضعهم في إسرائيل.

2- محددات الأجندة السياسية:

انخرط المجتمع الحريدي في الحياة السياسية الإسرائيلية عبر تشكيل أحزاب دينية تحمل أجندات سياسية محددة، وتعتمد تلك الأجندة المحددات التالية:

الفصل بين المجتمع اليهودي والمجتمع الذي لا يمتثل للقانون التوراتي.

الامتثال الصارم للقانون التوراتي، مثل: مراعاة يوم السبت، والقوانين الغذائية.

الاستقلالية الاقتصادية عن إسرائيل، عبر ضمان التمويل المقدم للعائلات الحريدية.

بعد الانسحاب الإسرائيلي في سيناء، وغزة، وتوقيع اتفاقية أوسلو مع الفلسطينيين شعر المجتمع الحريدي بأنه لا انسجام بين القومية الإسرائيلية والدين اليهودي. وأصبح هدفهم هو الحفاظ على الأرض وعدم التنازل عنها.

3- دور الليكود:

هنا ارتأى حزب الليكود أن مهمته هي الوساطة بين التيار القومي في إسرائيل وبين التيار الديني السياسي؛ لضمان الحفاظ على التماسك المجتمعي الإسرائيلي، وتحويل الحزب إلى قاطرة تجمع الأحزاب القومية والدينية في بوتقة صهر واحدة، وهو ما ينعكس في المعنى الحرفي للحزب وهو “التكتل”.

ورغم التاريخ العلماني للحزب، إلا أن صعود نتنياهو لرئاسة الحزب حوّل دفة الليكود إلى انتهاج سياسة يمينية دينية-قومية تجمع بين الكثير من المتناقضات؛ فقط لضمان نجاح المهمة.

ولكن يبدو أن رفض الأحزاب الدينية توقيع الاتفاق السالف ذكره يُعد مؤشرًا مهمًا على أن مهمة نتنياهو مع الليكود هي محل خطر.

محاور استراتيجية الأحزاب الدينية في إسرائيل

تُعد الغاية السامية لليهود المتشددين في إسرائيل هي تحويل الدولة إلى نظام ثيوقراطي يسن تشريعاته وفق نصوص التوراة. ومن خلال رصد بعض التحركات السياسية للأحزاب الدينية في إسرائيل، يتبين أن هناك أنماطًا محددة تشكل محاور سياستها في إسرائيل، وهي:

التواجد في مناصب حكومية محددة: يستهدف قادة الأحزاب الدينية أثناء الدخول في مفاوضات لتشكيل الحكومة، بعض المناصب المهمة. كان هذا واضحًا بشكل خاص في الحكومة التي تتولى السلطة منذ عام 2020: إلى جانب وزارة الداخلية، والإسكان، والتعمير، والخدمات الدينية، كما حصل الحريديم على مناصب نائب وزير في وزارتي المالية والشئون الاجتماعية، والتعليم، والنقل. وتقليديًا، رئيس لجنة المالية في الكنيست هو أيضًا من الحريديم.

ترتبط بعض مناصب النواب هذه صراحةً بالمسئولية عن شئون العائلات الدينية المتشددة، مما يزيد من استقلاليتهم داخل إسرائيل. وعندما رغب نتنياهو في زيادة شعبيته قبيل الانتخابات حرص على توزيع المنح المالية للحريديم لكسب أصواتهم في الانتخابات.

ولكن في واقع الأمر بسبب أزمة كورونا، فشل نتنياهو في تمرير ميزانية تسمح برفع بند المنح والحوافز المقدمة للمجتمع الحريدي المتضرر من أزمة كورونا، الأمر الذي وصفه شريك نتنياهو في الحكومة “بيني جانتس” بـ “الرشوة الانتخابية” (نوفمبر 2020).

التغلغل داخل الدولة العميقة: ترى الأحزاب الدينية أن الدولة العميقة لإسرائيل هي التي تحول دون تحويل الدولة إلى نظام ثيوقراطي وتحافظ على هويتها الديموقراطية. هذه المؤسسات هي المؤسسات الأمنية على رأسها الجيش، بجانب القضاء، بجانب مؤسسات أخرى.

إذ يرفض الجيش الامتثال للقانون الحريدي الذي يمنع إلزام المتدينين بالخدمة العسكرية، كما يمتثل القضاء إلى القانون الوضعي وليس الشريعة التوراتية. لذا سعى الحريديم إلى الموافقة الضمنية لإلحاق أبنائهم للخدمة العسكرية مقابل إقامة مرجعية حاخامية داخل مؤسسة الجيش؛ لضمان التزام أبنائهم بالطقوس والشعائر اليهودية والتعليم الديني وليس العلماني المقدم داخل الجيش.

أما بالنسبة للقضاء، فأصبح هناك اتفاق ضمني بين نتنياهو والأحزاب الدينية بتبيعة وزارة العدل لهم أو على الأقل تسيير إدارتها وفق الحسابات الحريدية.

ولكن في واقع الأمر، فشل نتنياهو في حسم ملف تجنيد الحريديم، وفشل في تبعية القضاء للمصالح الحريدية، خاصة بعد أن أبطلت المحكمة العليا الإسرائيلية قانونا يمنح الشرعية للمستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية (يونيو 2020).

السيطرة على الأرض: لم يكن ارتفاع وتيرة بناء المستوطنات في الضفة الغربية (الذي وصلت عددها ما يزيد عن 12 ألف مستوطنة) في عهد “نتنياهو” صدفة سياسية، بل كان محاولة للسيطرة على أراضي الضفة الغربية وتقليص فرص إقامة دولة فلسطينية في الضفة. كما اتفق ما جاء في خطة السلام الامريكية بضم غور الأردن للسيادة الإسرائيلية مع تطلعات المجتمع الحريدي الذي ما انفك حتى شن هجمات إرهابية على الفلسطينيين المقيمين في أريحا أو بطول غور الأردن.

ولكن في واقع الأمر، فشل نتنياهو في تنفيذ وعده الانتخابي (إبريل 2020) بضم غور الأردن في يوليو من نفس العام، ورضخ للضغوط الامريكية والإقليمية فيما بعد.

الاستدراك الحريدي والشروط المحتملة

بناء على الفشل السياسي الذي لحق بنتنياهو على عدة أصعدة هي تمثل للحريديم غايات استراتيجية، كان لابد من استدراك حريدي بعدم الانجرار وراء حكومة برئاسة نتنياهو قبل عقد التفاوض والاتفاق على الشروط اللازمة لذلك.

لذا من المحتمل أن يتعرض نتنياهو (حتى في حال نجاحه في تشكيل حكومة يمينية مطلقة بعد انتخابات مارس 2021) أن يواجه ضغوطا عليه أثناء مفاوضات تشكيل الحكومة، ستتمثل في شروط محددة، من المتوقع أن تكون كالتالي:

ضم غور الأردن: وهو الوعد القديم الذي كان مقدرا له أن يتحقق في يوليو 2020 وفق الاتفاق الائتلافي الموقع مع بيني جانتس في إبريل 2020. سيكون شرطا أساسيا لدى الأحزاب الدينية من أجل اكتمال الانسجام بين القومية الإسرائيلية والدين اليهودي. ولكن سيقع الشرط وفق حسابات إقليمية ودولية لن يكون من اليسير على نتنياهو تنفيذه فعلا، ومن الممكن أن يكتفي بتطبيق سياسة الضم الزاحف في غور الأردن دون ضمه رسميا.

ضم المستوطنات للسيادة الإسرائيلية: يتعرض الحريديم لأزمة إسكانية لا تتفق مع زيادتهم السكانية، لذا من الأهمية بمكان أن يتم تخصيص وحدات استيطانية بوفرة كبيرة، تستلزم أمرين: (أولا) ضم المستوطنات للسيادة الإسرائيلية. (ثانيا) اقتطاع أراضي من الضفة لتخصيصها للمستوطنات.

التمسك بالحقائب الاقتصادية والمالية: ستحرص الأحزاب الدينية على رفع الآثار السلبية لأزمة كورونا على الحريديم اقتصاديا. لذا ستحرص على الحصول على المناصب الحكومية التي تسمح لها بتوفير ميزانيات ملائمة تقدم المخصصات اللازمة لتجاوز الأزمة الاقتصادية. ولكن في واقع الأمر من الصعب أن يتنازل الليكود الذي خلق لنفسه قاعدة سياسية تعتمد على السياسات الاقتصادية عن المناصب الاقتصادية، لذا من المحتمل أن يتنازل الحريديم عن المناصب الوزارية مقابل التمسك بالمناصب النيابية، مثل رئيس لجنة الموزانة في الكنيست. في كلتا الحالتين ستتعرض مخصصات الجيش الإسرائيلي لخطر تمويلي محدق.

الخلاصة

تخطئ التقديرات التي تقول إنه: في حال نجاح نتنياهو في تشكيل حكومة يمينية مطلقة فلن يتعرض للابتزاز السياسي من جانب الأحزاب الدينية. ولكن في واقع الأمر فإن تطلعات الأحزاب الدينية لا تتفق كثيرًا مع حسابات نتنياهو الإقليمية والدولية.

كما يمكن القول إن الليكود من المحتمل أن يفقد دوره الاستراتيجي وهو ضمان الانسجام بين القومية الإسرائيلية والدين اليهودي. وفي هذه الحالة قد تتعرض إسرائيل لخطر انقسام مجتمعي حاد.

ينتهج الحريديم سياسات ممنهجة للتحكم في إسرائيل، وبالتالي التأثير على نظامها السياسي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى