أقلام وأراء

أشرف العجرمي يكتب – نتنياهو : مقامرة كبرى خشية من المتظاهرين

أشرف العجرمي – 7/10/2020

تواجه إسرائيل أزمة جدية مع ازدياد أعداد المصابين بفيروس كورونا، وقبل الأعياد اليهودية وصل عدد المصابين يومياً إلى ما يزيد على ثمانية آلاف، ما أشعل الضوء الأحمر لدى صناع القرار، وصار لزاماً اتخاذ خطوات صارمة للحد من انتشار العدوى، حيث بلغ عدد المصابين بصورة خطيرة ما يقارب الألف شخص. وإذا استمر العدد في الصعود أو بقي مرتفعاً لما يزيد على خمسة آلاف يومياً، سينهار الجهاز الصحي في إسرائيل التي تستعد لأعداد أكبر من المصابين، ومن الذين يدخلون المشافي للعلاج بصورة تفوق قدرة هذه المشافي على التحمل. والإغلاق هو الحل الوحيد لمنع تفاقم المشكلة. ولكن مسألة الإغلاق ليست سهلة، فهي تضر بصورة جدية بالاقتصاد الإسرائيلي، ويبدو أن الإغلاق الشامل الذي طبق مع بداية الأعياد لمدة ثلاثة أسابيع – تنتهي في الرابع عشر من هذا الشهر – يواجه معارضة شديدة من رجال الاقتصاد ومن المجتمع عموماً.

هناك من يتهم رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بالخضوع للمتدينين الأصوليين الذين لا يلتزمون بتعليمات السلطات الوقائية، خاصة لبس الكمامات والتباعد الاجتماعي، وهم يصرون على أداء الصلوات والتجمعات في المناسبات الدينية والاجتماعية، حتى أن الإغلاق الشامل لم يمنعهم من الاختلاط وخرق قواعد السلامة. وعملياً فإن 40% من عدد المصابين بـ»كورونا» هم من المتدينين. وتزداد الأصوات التي تطالب نتنياهو بفرض الإغلاق على من لا يلتزم، وحيث تنتشر العدوى بصورة كبيرة. مع العلم أن التجمعات السكانية الخاصة بالمتدينين وتليها التجمعات العربية، بسبب العادات الاجتماعية لدى المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل، خاصة الأعراس والمناسبات الاجتماعية، هي أكثر من يعاني من انتشار الفيروس. مع أنه مع الإغلاق ومنع الأعراسلدى العرب انخفضت نسبة الإصابة بالعدوى وبقي فقط قطاع المتدينين الأكثر إشكالية.

لكن نتنياهو يفضل الإغلاق الشامل، ليس فقط لتجنب ثورة المتدينين ضد مؤسسات الدولة مع أنهم لا يلتزمون ويرفضون أن تفرض عليهم دون غيرهم القيود على الحركة والاختلاط، بل كذلك لأنه يريد منع التظاهرات المتزايدة ضده، وقد لجأ إلى سن قانون يمنع التظاهر لمسافة تبعد أكثر من كيلومتر واحد عن مكان السكن بحجة منع انتشار «كورونا». وفي يوم السبت الأخير، جاء رد المتظاهرين مزلزلاً عندما خرج للتظاهر أكثر من مائة وخمسين ألفاً من المواطنين يطالبون بإسقاطه وتركه الحكم. ولا يبدو أن الشرطة الإسرائيلية ستكون قادرة على منع التظاهرات وتطبيق القانون الجديد الذي سن لصالح نتنياهو شخصياً. ويبدو أن توجه الشرطة لاستخدام العنف المفرط تجاه المتظاهرين وسياسة متسامحة تجاه المتدينين – الذين يعتذر نتنياهو لحاخاماتهم – لن يؤدي لإخماد جذوة المعارضة المستمرة والمتصاعدة لنتنياهو المتهم بالفساد وبالفشل في إدارة البلاد في مواجهة «كورونا»؛ بسبب سوء الإدارة والتخبط من جهة، والمحاباة للمتدينين حلفائه في الحكومة من جهة أخرى.

لقد أصبح نتنياهو بمثابة قبطان المركب الذي يغرق باستمرار، لدرجة أن شركاءه في الحكومة في حزب «أزرق- أبيض» يفكرون بترك المركب، وهو ما بدأ باستقالة وزير السياحة أساف زامير الذي صرح بأنه لا يثق برئيس الحكومة الذي يفعل كل شيء لاعتبارات شخصية فقط، خاصة بعد تقييد التظاهرات. وهناك دعوات من أعضاء في الحزب للخروج من الحكومة مثل عضو الكنيست ميكي حاييموفيتش التي تقول: إن هناك مجموعة من الحزب تفكر بفض الشراكة مع حزب «الليكود». ويسوء وضع نتنياهو بصورة مستمرة في الشارع الإسرائيلي لدرجة أن محاولات إنقاذه، بما فيها اتفاقات التطبيع مع كل من الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين، لم تسعفه. ويواصل «الليكود» الهبوط في استطلاعات الرأي مقابل صعود لزعيم حزب «يمينا» المتطرف نفتالي بينت، الذي باتت قطاعات كبيرة من اليمين ترى فيه خليفة لنتنياهو في تزعم معسكر اليمين.

ويلجأ نتنياهو لتحسين صورته بالمصادقة على بناء آلاف الوحدات السكنية الاستيطانية، في خطوة تشكل صفعة لشركائه العرب في التطبيع؛ عله يحظي من جديد بثقة اليمين. والبناء المكثف في المستوطنات جاء بعد ضغوط مارسها مجلس المستوطنات وقادة المستوطنين الذين يتهمونه بالخضوع للضغوط وتجميد الاستيطان. وهو يريد أن يثبت العكس على الرغم من أن الحكومة أجّلت موضوع ضم المستوطنات في الضفة الغربية.

وقد يحاول نتنياهو الاستفادة من ترسيم الحدود مع لبنان لتحسين صورته، على الرغم من أن هذا الترسيم، فيما لو تم، للحدود المائية لن يكون علاقة سياسية، ولكن قد يؤدي لترسيم الحدود البرية وسحب البساط من تحت أقدام «حزب الله»، كما تدعي إسرائيل، حيث لا يبقى له مبرر للاحتفاظ بقواته العسكرية التي يقول: إنها لتحرير الأرض اللبنانية المحتلة. وبعض التحليلات في إسرائيل تقول: إن تنازل «حزب الله» والقبول بالوساطة الأميركية جاءا نتيجة للوضع الاقتصادي المتأزم الذي تعيشه لبنان، وهذا قد يقود إلى هدوء الجبهة الشمالية على الأقل لفترة محدودة. وكل ما يفعله نتنياهو في نهاية المطاف يخضع لحساب المصلحة الشخصية والبقاء في الحلبة السياسية، وتجنب الذهاب للسجن إلى درجة أنه يقامر بمصلحة إسرائيل كما تراها غالبية الإسرائيليين.

1

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى