أقلام وأراء

أشرف العجرمي يكتب – معركة القدس : عدم إضاعة الفرصة السياسية

أشرف العجرمي – 26/5/2021

لا شك بأن معركة القدس فتحت للفلسطينيين آفاقاً سياسية كبيرة لم تكن قائمة منذ فترة طويلة خصوصاً بعد السنوات العجاف التي مرت بها القضية الفلسطينية في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب. فهي لأول مرة منذ الانتفاضة الأولى تفتح لنا ساحات الرأي العام الدولي بهذا الشكل الواسع والمثير الذي جعل إسرائيل وعلى أعلى مستوى فيها تتحدث عن وقوف الشعوب في مختلف أرجاء العالم ضد إسرائيل وانتصارها للشعب الفلسطيني وحقوقه العادلة.

ومن المؤكد أن ما حمل هذا التغيير هو توحد الشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده من القدس وخلف الخط الأخضر وغزة والضفة إلى الشتات، في عملية كفاحية متنوعة دفع فيها الفلسطينيون ثمناً كبيراً من الدماء والتضحيات والدمار، ما سلط الضوء مجدداً على الاحتلال الإسرائيلي وعلى أهمية إنهاء الصراع. فعادت قضية التسوية السياسية مرة أخرى إلى مركز الاهتمام الدولي.

الحشود والتظاهرات الكبيرة غير المسبوقة في العديد من العواصم والمدن وخاصة في الدول الغربية كالولايات المتحدة وكندا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا حركت الساسة في كل مكان من أجل وقف العدوان الإسرائيلي والتوصل إلى حل سلمي يضع حداً للاحتلال والصراع.

والإدارة الأميركية التي لم تكن تولي ملف الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي أهمية على جدول أعمالها المزدحم، وفجأة أصبح هذا الملف يحظى بأولوية بارزة لدرجة أن الرئيس جو بايدن تحدث مع رئيس الوزراء الإسرائيلي ست مرات خلال فترة وجيزة وتحدث مع الرئيس أبو مازن مكالمة مطولة استمرت 45 دقيقة ولم تكن تقليدية، وهو الذي لم يسارع للاتصال به في وقت سابق. كما أنه تحدث بصورة متكررة حول أهمية وقف إطلاق نار دائم والتوصل إلى حل الدولتين الذي بإمكانه فقط إنهاء الصراع.

والدليل الإضافي على اهتمام الإدارة الأميركية هو الزيارة السريعة لوزير الخارجية انطوني بلينكن إلى المنطقة ولقائه مع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ولقائه أيضاً مع الرئيس محمود عباس، حيث ركز على موضوع تثبيت وقف إطلاق النار وإعمار غزة (بعيداً عن استفادة «حماس») ونزع فتيل التوتر في القدس والضفة الغربية والحاجة لإطلاق عملية سياسية على أساس حل الدولتين، ودعم وتقوية السلطة الفلسطينية. وسيتبع بلينكن وزراء وقادة آخرون من الاتحاد الأوروبي مثل وزير الخارجية البريطاني الذي سيصل للمنطقة اليوم.

في الحقيقة هناك فرصة جدية لم تتوفر منذ سنوات وربما عقود لتحقيق إنجاز سياسي مهم على طريق إنهاء الصراع والوصول إلى تسوية سياسية تضمن للشعب الفلسطيني حقوقه العادلة والمشروعة وخاصة الحرية والاستقلال الناجز في دولة على كافة الأراضي المحتلة منذ العام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. وذلك في إطار زمني معقول تطالب به القيادة كشرط لدخول أي عملية سياسية، بحيث لا تشكل المفاوضات غطاء لإسرائيل لكسب الوقت وتنفيذ سياستها الاستيطانية التهويدية للقدس والأراضي المحتلة. ولكن هذه الفرصة منوطة إلى حد بعيد بجدية المجتمع الدولي والإدارة الأميركية على وجه الخصوص، وأيضاً بوضعنا الداخلي وبقدرتنا على تهيئة المناخ لاستقبال مثل هذا التحول في الوضع الدولي.

والاختبار الحقيقي لكل القيادات الفلسطينية هو في قدرتها على التخلص من الحسابات الصغيرة الفردية والفئوية والانتباه للمصلحة الوطنية.

وأول اختبار هو في تحقيق الوحدة الوطنية حيث بات تشكيل حكومة وحدة تجمع كل أطياف الشعب الفلسطيني ضرورة ملحة وخطوة أولى لا بد منها أولاً لمعالجة الوضع المأساوي في قطاع غزة ومشروع إعادة إعمار ما دمرته آلة العدوان والحرب، وثانياً للوصول إلى سياسة فلسطينية موحدة تجاه الاحتلال وتجاه فرص العملية السياسية القادمة عندما تتهيأ الظروف لبدئها.

ودون أدنى ريب فتشكيل حكومة وحدة وطنية من شأنه أن ينهي الجدل أو الصراع حول من يتولى إعمار غزة، هل هي اللجنة التي شكلتها «حماس» وهي غير مقبولة دولياً لأن العالم لا يزال لا يعترف بـ»حماس» وغالبية الدول المانحة وخاصة أوروبا وأميركا ترى فيها «منظمة إرهابية» محظورا التعامل معها، أم هي لجنة تشكلها الحكومة في رام الله.

وعندما تكون هناك حكومة تضم الجميع ستكون العنوان المتفق عليه لتولي هذه المسألة الملحة. والمواطنون يريدون رؤية لجنة مؤهلة وشفافة وتضم شخصيات مقبولة ومشهوداً بكفاءتها ونزاهتها، حتى نتخلص من الاتهامات المتبادلة حول التصرف بأموال إعادة الإعمار.

وربما الآن أضحى الوقت مناسباً أكثر من أي وقت مضى لتفعيل الإطار القيادي المؤقت الذي يشمل الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية وشخصيات أخرى سواء في الإطار الذي اتفق عليه سابقاً أم إطار أضيق.

المهم أن تكون هناك صيغة شراكة سياسية وطنية شاملة توحد القرار السياسي الفلسطيني وتحسن أداء المؤسسات المختلفة التي بحاجة إلى تجديد عاجل وطارئ وإصلاح جدي لكي تتمكن من أداء مهماتها على أكمل وجه.

والمهم أن نعيد ثقة الشعب بالمستوى القيادي ونخلق الأمل من جديد لدى أبناء شعبنا بمستقبل أفضل يبدأ بإنجازات صغيرة متراكمة.

أما إن اختلفنا ودبت بيننا نزاعات على تحقيق مكاسب أو مغانم لهذا الطرف أو ذاك، فستنتهي هذه الفرصة إلى فشل ذريع وسنعود إلى سنوات الضياع التي عشناها منذ حوالى عقدين، وستكون خسارتنا أكبر وأفدح في كل مرة حتى لو كسبنا بعض المعارك المعنوية أو حتى العسكرية.

ولا ينبغي بأي حال أن تتحول عذاباتنا وتضحياتنا إلى مسألة روتينية معتادة بصرف النظر عن النتيجة، فكل قطرة دم هي ثمينة وكل لبنة تبنى وتهدم هي ثمينة، وكل يوم يمضي دون أن نحصل على حقوقنا هو خسارة لنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى