أقلام وأراء

أشرف العجرمي يكتب – تمرد الحريديم «الأصوليين»: مستقبل نتنياهو

بقلم أشرف العجرمي ٣-٣-٢٠٢١م

يحتج الكثير من الإسرائيليين على خضوع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو للأصوليين اليهود «الحريديم» الذين باتوا فوق القانون فيما يتعلق بتطبيق إجراءات وتعليمات الجهات المختصة بشأن مواجهة فيروس كورونا الذي ينتشر بشكل كبير بعد وصول الطفرات الجديدة وخاصة الطفرة الانجليزية، وتعتبر أوساط واسعة من الإسرائيليين أن عدم السيطرة على الفيروس والحد من انتشاره مرده عدم انصياع الأصوليين واتباعهم لإجراءات السلامة المتعلقة بالتباعد الاجتماعي ولبس الكمامات. ويمكن في هذا السياق سماع شكاوى أيضاً حول مدى التزام المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل، ولكن تأثير الأصوليين وقدرتهم على نشر «الكورونا» هي أكبر بكثير، عدا عن كون المواطنين الفلسطينيين يخضعون لإجراءات عقابية ومخالفات لا تسري على الأصوليين. ولكن ما حدث مؤخراً في قضية عودة العالقين الإسرائيليين إلى البلاد كان بمثابة الشعرة التي قصمت ظهر البعير في سلوك الحريديم وتعاملهم مع إجراءات الجهات المختصة في تحديد أولويات رجوع العالقين في الخارج، بعد إغلاق المطار ووقف الرحلات الجوية من وإلى مطار بن غوريون إلا للحالات الاستثنائية.
في تقرير القناة 12 العبرية الذي بث في يوم الأحد الماضي وكذلك في بعض وسائل الإعلام لاحقاً تم كشف تحايل الحريديم على إجراءات تحديد الأولوية للعودة في الرحلات الجوية الاستثنائية، حيث أن لجنة الاستثناءات المشكلة من عدد من الوزارات هي الجهة المخولة بالسماح لأي شخص بالحجز والعودة على متن الطائرات الخاصة بإعادة المواطنين إلى إسرائيل. واتضح حسب التقارير المنشورة أن الأصوليين استطاعوا العودة بالآلاف بدون أن تنطبق عليهم شروط الاستثناء، وفقط بالواسطة يعودون عن طريق نفوذ الحاخامات ودور وزارة الداخلية التي يرأسها أرييه درعي رئيس حركة «شاس» الأصولية. بينما كان هناك عدد كبير من الإسرائيين لديهم أعذار موجبة ولم يستطيعوا الحصول على إذن لجنة الاستثناءات. واتضح في إطار التحقيقات الصحافية أن السبب في إعادة الحريديم هو ضمان تصويتهم في الانتخابات القادمة التي ستجري بعد عشرين يوماً. وهؤلاء يعتبرون من الحصة الداعمة لنتنياهو ولهذا من المهم للأخير أن يحضروا ويصوتوا بكثافة وتزداد عدد مقاعد الأحزاب الأصولية المؤيدة له في كل ائتلاف حكومي يمكن أن يشكله.
هذه القضية باتت سلاحاً يستخدم ضد نتنياهو في الانتخابات القادمة، حيث تتناول بعض الأحزاب قضية خروج الأصوليين على القانون والقواعد والإجراءات المتبعة. ويبدو أن الفضيحة التي رافقت هذا الموضوع جعلت الحكومة تفتح المطار للعودة شريطة الحصول على التطعيم مرتين قبل الرجوع أو الحجر بعد الوصول، وتستخدم الأساور الالكترونية لضمان التزام العائدين غير المطعمين بالحجر ومراقبتهم عن بعد. وبالتالي لم تنجح خطة نتنياهو في ضمان وصول المصوتين المؤيدين لائتلافه دون غيرهم وتأخير الآلاف من المصوتين إلى ما بعد الانتخابات. وليس واضحاً كيف ستنعكس هذه الفضيحة على تصويت بعض الإسرائيليين غير المنتمين لأحزاب اليمين والذي يؤيد قسم منهم نتنياهو.
ويواجه نتنياهو مسألة أخرى قد تؤثر على فرصه في تشكيل الحكومة القادمة وهي تتعلق كذلك بالأصوليين، فقد أقرت محكمة العدل العليا الإسرائيلية الاعتراف بالتهويد الإصلاحي والمحافظ، بمعنى أن الذي جرى تهويدهم عن طريق الحاخاميات الإصلاحية والمحافظة يصبحون يهوداً، وبناء عليه يحق لهم العودة لإسرائيل والحصول على المواطنة،  وللعلم هذا الموضوع مطروح على المحكمة العليا منذ حوالي خمس عشرة سنة بدون أن تقرر بشأنه على أمل أن تقر «الكنيست» قانوناً بهذا الشأن.  وهذا موضوع بالنسبة للحركات الأصولية لا يمكن أن يمر بسهولة حتى لو كان الثمن معاقبة نتنياهو وعدم التوصية بتكليفه رئاسة الحكومة. فحتى الآن منح الأصوليون الحق في تحديد من هو يهودي في المحاكم الدينية التابعة لهم، ولا تعتبر عملية التهويد مجازة بدون مصادقتهم، ما حرم عملياً عددا كبيرا من النساء اللواتي تزوجن بيهود في إسرائيل والخارج من الحصول على الاعتراف بيهوديتهن، وبالتالي منعهن من الحصول على الجنسية الإسرائيلية التي تعتبر حكراً على المهاجرين اليهود والمعترف بتهويدهم. وهؤلاء النساء هن من رفع دعوى للقضاء لتسوية أوضاعهن.
طبعاً مسألة «من هو اليهودي؟» معقدة للغاية ولا يوجد حولها اتفاق وتخضع لخلافات عميقة وجدية بين التيارات اليهودية المختلفة، ولا يتسع المجال هنا لشرحها بالتفصيل. وتعتبر الأصولية المتشددة أن التهويد مرتبط فقط بشروطها، ولا تقبل التهويد من قبل الجماعات الدينية الأقل تشدداً، ويعتبر قرار المحكمة العليا خرقاً لما يسمونه الوضع القائم في علاقة المتدينين بالدولة والذي أقر منذ أيام بن غوريون وحتى اليوم. والأصوليون يطالبون اليوم بسن قانون يتجاوز قرار المحكمة ويمنحهم السلطة الحصرية في المصادقة وإجازة عمليات التهويد وهذه معضلة جدية أمام نتنياهو، وليس واضحاً كيف سيعالج هذا الموضوع بدون أن يتضرر سواء من المتدينين أو من المعارضين لهم والمؤيدين لقرار المحكمة بل والذين يرغبون في وجود قانون مختلف تماماً عن القانون الذي يرغب الحريديم بسنه. والمشكلة في قرار المحكمة العليا أنه جاء في توقيت حساس للغاية ومتعب جداً بالنسبة لنتنياهو الذي أصبح فعلياً بين نارين.  

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى