أقلام وأراء

أشرف العجرمي يكتب –  أفغانستان : من المنتصر ومن المهزوم؟

أشرف العجرمي – 1/9/2021

بعد اتفاق الولايات المتحدة مع حركة طالبان الأفغانية على رحيل القوات الأميركية من أفغانستان، وبدء عملية الانسحاب الفعلي بعد تأخير لبعض الوقت، بدأ الكثيرون وخاصة من القوى والحركات وخاصة تلك المنتمية للإسلام السياسي في الحديث عن انتصار «طالبان» وهزيمة الولايات المتحدة التي انسحبت وهي تجر أذيال الخيبة والإحباط، خاصة أنها تخلت عن حليفها النظام الأفغاني المستسلم. ولكن هذا التقييم المتسرع بحاجة لفحص جدي وهادئ. فهل انتهت الحرب في هذا البلد، وما هي مصلحة أميركا بعيدة المدى فيه، وماذا يمكن أن يحدث لـ»طالبان» بعد أن تولت الحكم هناك وكيف سيصبح حال البلاد؟

الشيء المؤكد في عملية الانسحاب الأميركي أنها تمت باتفاق كامل مع «طالبان»، وهذا الاتفاق يشمل بنوداً معلنة وغير معلنة. والمعلن هو السماح بسيطرة «طالبان» على البلاد مقابل رحيل القوات الأميركية بأمن وسلام في ظل حفاظ «طالبان» على أمن مطار  كابول والسماح بدخول الجيش الأميركي ومغادرته المطار دون أي معيقات، وكذلك كل المتعاونين مع القوات الأميركية ومن تريد واشنطن رحيلهم. وقد تم ذلك بالفعل، حيث سلمت قوائم لـ»طالبان» بالأسماء وسمح لهؤلاء بالمغادرة. وانتهى الانسحاب يوم الاثنين أول من أمس. ولم يعكر صفو العملية سوى التفجيرات التي قامت بها حركة «داعش» في محيط المطار والتي أدت إلى مقتل عشرات المواطنين الأفغان و13 جندياً أميركياً وجرح العشرات. وما أعلنه كذلك الرئيس الأميركي بأن الاتفاق يقضي بأن تعتدي «طالبان» على من تشاء إلا القوات الأميركية وأن هذا الاتفاق قد عقد مع الرئيس السابق دونالد ترامب. أما البنود السرية فهي دون شك تتعلق بدور «طالبان» والقوى الأخرى في أفغانستان والمنطقة المجاورة. ولا تزال الإدارة الأميركية في حالة حوار وتنسيق مع «طالبان» ولعل لقاء رئيس جهاز المخابرات الـ»سي آي إيه» وليم بيرنز مع الرجل الثاني في «طالبان» والرجل الأقوى فيها عبد الغني برادر يشير إلى مدى عمق العلاقة بين الجانبين.  

وبالرغم من انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان إلا أن الولايات المتحدة لا تزال تمسك بخناق «طالبان» فقد جمدت أموال أفغانستان المودعة في البنوك الأميركية وعملياً كل الأصول المالية للحكومة والدولة هناك، كما أن الاعتراف بـ»طالبان» والذي لا يقل أهمية عن المال مرتبط بموقف الإدارة الأميركية. بمعنى أن استقرار حكم «طالبان» لا يزال بيد واشنطن. وهذه أوراق ضغط تتحكم بها أميركا وستستخدمها في حال لم تنفذ الحركة الاتفاق معها، وفي حال خرقت حقوق الإنسان وبالذات النساء. أو سمحت بتحول البلاد إلى مرتع لكل قوى الإرهاب الدولي مثل «داعش» وغيرها. ودون مال أو اعتراف لا تستطيع «طالبان» البقاء في السلطة لفترة طويلة.

وقد تركت الولايات المتحدة خلفها بلداً مقسماً منهاراً ومسرحاً لكل القوى الإقليمية والدولية التي تريد كل واحدة منها ضمان مصالحها فيها وخارجها. وهذه المصالح مرتبطة جلها بالاتفاق مع «طالبان» أو القوى المعارضة لها. فعلى سبيل المثال، تخشى الصين المستهدف الأول من قبل الإدارة الأميركية الحالية من توفير دعم المسلمين الإيغور الانفصاليين الذين يقطنون على الحدود مع أفغانستان. ولهذا السبب لا تعادي الصين حركة «طالبان» وتعمل على عقد الاتفاقات معها. ولدى روسيا مخاوف وهموم تتعلق بمحاولات التأثير على الفناء الخلفي لروسيا في الجمهوريات الإسلامية التي تربطها مع موسكو معاهدات واتفاقات مثل طاجيكستان وقيرغيزستان. وأقامت روسيا في السابق علاقات مع «طالبان»، ومن المرجح أن تحاول تطوير علاقاتها مع الحركة لتلافي أي استهداف لروسيا على المدى المنظور أو البعيد.

إيران هي الأخرى لديها مصالح في أفغانستان وتعتمد في ذلك على الشيعة الذين جندت قسماً منهم في حربها في سورية ضد «داعش» وحلفاء الولايات المتحدة، وهي بالتأكيد ستسعى لتعزيز دور ونفوذ هؤلاء وقد تعيد قسماً من الميليشيات الأفغانية المتواجدة في سورية إلى أفغانستان ليكون لهم دور في المعادلات المتغيرة هناك. وهذا ينطبق على باكستان والهند المتخاصمتين واللتين ستسعى كل منهما لاستخدام مجموعات عرقية في أفغانستان لصالح كل واحدة فيهما. وباختصار ستكون أفغانستان ساحة حرب دولية كبيرة تصبح فيها دول الجوار والدول البعيدة تتحارب فيما بينها. وسيكون الفيصل هو مدى العلاقة مع «طالبان» ومدى استقرار الدولة تحت حكمها.

والظاهر للعيان في هذه المرحلة هو أن الحروب الداخلية قد بدأت وستشتد وطأتها لحين التوصل إلى اتفاقات أو حسم عسكري يبدو بعيد المنال في ظل طبيعة أفغانستان وتركيبتها الإثنية والعرقية. بما يعني أن هذا البلد قد لا يعرف الاستقرار أبداً كما لم يعرفه منذ عقود طويلة قبل وبعد الاحتلال الأميركي له. ولهذا السبب لا يظهر أن أي تقييم لموازين القوى وحسابات المنتصرين والخاسرين في هذه المرحلة هو دقيق ومحسوم. وقد يكون الانسحاب الأميركي مقدمة لتغيير إيجابي في سلوك «طالبان» وتكيفها مع المتطلبات الدولية، أو يكون نقمة على أفغانستان وعلى دول الجوار وربما العالم بأسره إذا ما تحولت إلى قاعدة للإرهاب ومسرح لصراعات لا تنتهي. وقد تكون لتخلي واشنطن عن حليفها الرئيس الأفغاني انعكاسات سلبية كبيرة على حلفاء أميركا الذين يتعرضون لضغوط من قوى عظمى.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى