أقلام وأراء

أشرف العجرمي: عنصرية بن غفير ليست استثناء

أشرف العجرمي 2023-09-06: عنصرية بن غفير ليست استثناء

تصريحات إيتمار بن غفير وزير الأمن القومي الإسرائيلي العنصري بأن حرية حركته وأبنائه في الضفة الغربية أهم من حرية حركة الفلسطينيين، تعكس تفكيراً عنصرياً مجرماً لا يأبه لحقوق الغير ولا يقيم وزنا لأي معيار ومبدأ إنساني. وهو يقدم بأقواله الموتورة خدمة للشعب الفلسطيني من خلال إظهار العنصرية والتطرف اللذين يسيطران على نهج وتفكير الحكومة الإسرائيلية الحالية التي يرأسها بنيامين نتنياهو. والإدانات الدولية العديدة والتي شملت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تظهر مدى مقت المجتمع الدولي لهذا المستوى المنحط من السياسة الاحتلالية.

لكن بن غفير ليس وحيداً في انتهاج العنصرية والتطرف والكراهية، بل ان هذا ما يميز السياسة الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني طوال عقود من الزمن. والتقارير التي صدرت عن منظمات حقوقية إسرائيلية ودولية مثل «بيتسيلم» ومنظمة العفو الدولية «أمنستي» تتحدث عن سياسة الابرتهايد التي تمارسها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني في المناطق المحتلة قبل أن يصبح بن غفير وزيراً، وقبل تشكيل حكومة نتنياهو الجديدة التي لها ثمانية شهور في الحكم.
اذاً المسألة أكبر من تفوهات شخص مأفون كبن غفير، انها في الواقع عقلية الاحتلال وعنصريته التي تفرض على الشعب الفلسطيني أن يعيش في ظروف وشروط حياة لا إنسانية وتمنح المحتلين والمستوطنين المجرمين حقوقاً وتفوقاً على حساب الفلسطينيين، وتجعل إسرائيل دولة لا تختلف عن جنوب أفريقيا عندما طبقت سياسة التمييز العنصري «الأبرتهايد» ضد الأغلبية السوداء في البلاد.

إسرائيل تريد ضم الضفة الغربية ولكنها لا ترغب اطلاقاً في منح الفلسطينيين أية حقوق سياسية، أي انهم سيبقون مواطنين من الدرجة الثالثة او الرابعة حسب التصنيفات الإسرائيلية حتى لمواطني إسرائيل.

ولا يمكن اعتبار السياسة التي تمارسها إسرائيل اقل من كونها سياسة عنصرية ترقى إلى جرائم الحرب حسب المواثيق والمعاهدات والقوانين الدولية وميثاق روما الذي يحكم عمل المحكمة الجنائية الدولية. وما قاله بن غفير لا يختلف جوهرياً عن المنهج الاحتلالي المطبق على الفلسطينيين. ولكن بن غفير يمارس سياسة شعبوية يعتقد انها تخدمه أمام جمهور اليمين والمستوطنين. وفقط هو عبر بشكل فظ عن الحقيقة المعروفة والواقع الأكثر فظاظةً من كل التصريحات والمواقف مهما بلغ تطرفها.

والمأساة الحقيقية ليست فقط في عنصرية الاحتلال وهمجيته، بل كذلك في صمت المجتمع الدولي على جرائم الاحتلال وعدوانه على الشعب الفلسطيني. حتى الادانات التي نسمعها لأقوال بن غفير وبعض مكونات السياسة الإسرائيلية الاستيطانية المخالفة للشرعية الدولية لا تعدو عن كونها ضريبة كلامية لا جدوى فعلياً منها. فإسرائيل لا تزال تحظى بحصانة دولية من أي شكل من أشكال العقوبات لأنها تنتمي للقيم الغربية التي تتهاوى الآن تحت ضغط الشعوب وتنكشف عوراتها الاستغلالية. فلم يعد الانتماء للمجتمعات الغربية يمثل قيمة مضافة بعد أن قمعت الدول الغربية شعوبا ودمرت دولا ومارست الاستعمار ولا تزال حتى اللحظة.

معضلة إسرائيل الآن في مشكلتها الداخلية وانكشاف زيف ديمقراطيتها، في إطار الصراع حول القضاء والعلاقة بين السلطات. فلأول مرة تتهم إسرائيل بالديكتاتورية وتشبه الحكومة فيها بحكومة هنغاريا التي يتزعمها فيكتور أوربان الذي تتضايق اوروبا الغربية من سلوكه وتصرفاته داخل دولته وكذلك من مواقفه تجاه الحرب الأوكرانية.

النقطة الإيجابية الأبرز في الصراعات الداخلية الإسرائيلية أنها تكشف عورة الاحتلال.

فلم يعد بمقدور أحد أن يدافع عن ديمقراطية إسرائيل ونزاهتها وأخلاقها، بل لم يعد الإسرائيليون يستطيعون الدفاع عن الاحتلال. ولعل تصريحات بن غفير وسلوكه اليومي بما في ذلك سياسته التي يحاول تطبيقها ضد الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، والتي تلقى معارضة حتى داخل مصلحة السجون القمعية، هي دليل على مستوى الغباء والتهور كما التطرف في المؤسسة الحاكمة. وهي أيضا بالإضافة إلى محاولات تغيير النظام السياسي تجعل كثيراً من الإسرائيليين يتحدثون بوضوح عن عوار الديمقراطية الإسرائيلية المزعومة. وبعضهم تجرأ للحديث عن عدم وجود ديمقراطية مع الاحتلال.

أسوأ ما يمكن أن تمثله إسرائيل أنها تدعي الدفاع عن اليهود من ظلم تعرضوا له في أوروبا، وتمارس سياسة ظالمة ضد الفلسطينيين. ويصبح في إطارها بن غفير وزميله الوزير بتسلئيل سموتريتش الممثلَين لوجه إسرائيل الحقيقي بدون تجميل أو رتوش.

نحن بحاجة لصحوة دولية تقوم على النزاهة والموضوعية وتنتصر لحقوق الإنسان وتمارس سياسة تساوي بين الشعوب والدول، وتعتمد نفس المعايير المتعلقة بحقوق الإنسان والقانون الدولي، وتضع حداً للاحتلال والظلم الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني والذي يقر به العالم بأسره.

 

مركز الناطور للدراسات والابحاثFacebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى