أقلام وأراء

أشرف العجرمي: تهجير الفلسطينيين: سباق إسرائيلي مع الزمن

أشرف العجرمي 3-12-2025: تهجير الفلسطينيين: سباق إسرائيلي مع الزمن

تحاول الحكومة الإسرائيلية بكل طاقتها تنفيذ مشروعها الجوهري القاضي بمحاولة تهجير الفلسطينيين عن أرض وطنهم، ومنع قيام دولة فلسطينية، وضم ما يمكن من الأراضي الفلسطينية. وقد اكتسب مشروع التهجير زخماً جدياً بعد هجوم السابع من أكتوبر في العام 2023، وخاصة بعد طرح الرئيس الأميركي دونالد ترامب مشروعه لتهجير سكان قطاع غزة وتحويله إلى منطقة استثمارية «ريفيرا» جديدة بدون سكان أو بأقل قدر من السكان. صحيح أن ترامب تراجع عن خطته بعد مواجهته برفض فلسطيني وعربي ودولي واسع النطاق، وخاصة من القيادة المصرية، واضطر لأن يضع في خطته لليوم التالي لغزة نصاً يضمن للفلسطينيين الذين يغادرون القطاع أن يعودوا إليه، إلا أن إسرائيل لم تتراجع عن خطة التهجير الجماعي «التراسفير». وبدأت تتحدث عن تشجيع الهجرة الطوعية للمواطنين. ولكي تتم هذه الهجرة لا بد من تحويل حياه الفلسطينيين إلى جحيم وتدمير كل سبل العيش أمامهم، بحيث تصبح الهجرة الملاذ للبقاء.

حتى الآن فشلت في تهجير الفلسطينيين كرهاً أو «طواعية» لأنه لم تكن هناك أية جهة مستعدة للتعاون مع إسرائيل. وكانت مصر أشد الأطراف معارضة لفكرة التهجير سواء القسري أو «الطوعي». وقد أغلقت مصر حدودها لمنع إسرائيل من دفع الفلسطينيين إلى الأراضي المصرية تحت ضغط حرب الإبادة الجماعية التي شنتها ولا تزال ضد أبناء قطاع غزة. وتواصل مصر حتى الآن الإصرار على موقفها الرافض للمخططات الإسرائيلية، وهذا ما أبلغ به رئيس المخابرات حسن رشاد رئيس جهاز «الشاباك» الإسرائيلي دافيد زيني في زيارة الأخير للقاهرة قبل يومين. حيث أكد رفض مصر لأي خطط إسرائيلية لإخراج سكان قطاع غزة دون ضمان عودتهم إلى أرضهم. ورفض تقسيم قطاع غزة واحتلال أي جزء منه، بما في ذلك خطة الإعمار الإسرائيلية للجزء الواقع تحت الاحتلال.

لكن هذا الرفض العربي والدولي لخطط التهجير لم يثن السلطات الإسرائيلية عن تكثيف محاولاتها لتهجير الفلسطينيين. وإحدى هذه المحاولات كانت في استخدام منظمة مجهولة تحت اسم «المجد أوروبا» التي نجحت في تهجير مئات الفلسطينيين عن طريق التحايل واستخدام وسائل الخداع بالحصول على أموال من كل مواطن يريد السفر، ومن ثم يتم نقلهم إلى مطار رامون ومنه إلى دولة إفريقية، ثم إلى جنوب إفريقيا التي لا يحتاج الفلسطيني إلى تأشيرة للدخول إليها. وحسب شهادات بعض مَن تم تهجيرهم وفق هذه الطريقة، فهم لم يعرفوا تفاصيل رحلتهم وبعضهم واجه مشاكل خلال السفر، وفي النهاية نقلوا إلى دولة جنوب إفريقيا. ويبدو أن إثارة موضوع هذه المؤسسة التي عملت بشكل وثيق مع الأجهزة الأمنية الإسرائيلية قد يعطل بصورة ما عملها، وربما يجري إغلاق موقعها على الانترنت الذي يتواصل معه المواطنون والذي هو مرتبط بشبكة الهواتف الإسرائيلية.

الترحيل لا يستهدف فقط المواطنين في قطاع غزة، بل هو يستهدف كل فلسطيني. ويجري الآن التركيز على الضفة الغربية التي تحت غطاء حرب غزة تتعرض هي الأخرى لحرب شعواء تستهدف صمود وبقاء المواطنين، وتعمل على تهجيرهم من مناطقهم بالقوة كما حصل في شمال الضفة الغربية في جنين ونابلس والآن طوباس. حيث تم ترحيل حوالي 40 ألف مواطن من منازلهم التي كانوا يقطنونها، وتم تدمير قسم كبير من البيوت وخاصة في مخيم جنين. ولا شك أن هجمات المستوطنين الإرهابيين هي جزء من محاولات دفع الفلسطينيين لمغادرة أرض وطنهم، حيث يتعرضون للقتل والحرق، ويتم الاعتداء على مزارعهم وأعمالهم والاستيلاء على قطعان ماشيتهم، وقلع أشجار الزيتون وكل وسائل الإرهاب، تحت حماية جيش الاحتلال وبتشجيع واضح من الحكومة.

وتذهب الأمور إلى ما هو أعمق بتدمير الاقتصاد الفلسطيني في الضفة المحتلة، ليس فقط من خلال إضعاف السلطة الوطنية ودفعها للانهيار وحجب الأموال الفلسطينية عنها، بل وكذلك بمحاربة سبل الحصول على لقمة العيش، بوقف عمل العمال الفلسطينيين داخل إسرائيل وتخريب الأعمال في المناطق الفلسطينية، من خلال الحواجز التي باتت تعيق حركة المواطنين وسير الحياة الطبيعية. وحسب تقرير منظمة التجارة والتنمية في الأمم المتحدة فقد تلقى الاقتصاد الفلسطيني في الضفة الغربية ضربة خطيرة، وتدهور بصورة غير مسبوقة، حيث يجد 43% من المواطنين صعوبة في توفير الطعام. وانكمش الاقتصاد بنسبة 17%، وتراجع الناتج المحلي للفرد بنسبة 18.8% إلى مستوى عام 2014، وللفرد إلى عام 2008. أي أن 17 عاماً من التنمية تم حذفها من حياة الفلسطينيين.

الهدف الإسرائيلي كان ولا يزال هو التضييق بكل السبل على الفلسطينيين لضمان أغلبية يهودية بين النهر والبحر، بحيث يكون الضم بأكبر قدر من الأرض واقل عدد من السكان. وتثبت التجربة دائماً أن كل المحاولات الإسرائيلية كانت تبوء بالفشل. ولكن هذه المرة الظروف معقدة جداً وتتطلب سياسة فلسطينية ذكية ومحكمة لا تكتفي برفض مشاريع التهجير بل تذهب لما يمنع إسرائيل من الاستمرار في هذه السياسة. وفي هذا السياق لا بد من السعي بكل الوسائل لتثبيت وقف الحرب والدخول في المرحلة الثانية من خطة ترامب وتطبيق قرار مجلس الأمن بخصوصها. وهنا تقع مسؤولية كبرى على حركة «حماس» لإفشال مخططات إسرائيل، كما ينبغي تعزيز التنسيق والتعاون مع الدول العربية والأوروبية لمواجهة السياسات الإسرائيلية الالتزام بالقرارات والقوانين الدولية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى