أقلام وأراء

أشرف العجرمي – “أمنستي” .. تقرير يعرّي إسرائيل ويحرجنا

أشرف العجرمي 2022-02-09

تقرير منظمة العفو الدولية «أمنستي»، الذي صدر في يوم الثلاثاء من الأسبوع الماضي، تحدث بشكل جلي عن سياسة الفصل العنصري التي تمارسها إسرائيل ضد الفلسطينيين سواء في المناطق المحتلة علم 1967 أو داخل دولة إسرائيل. وعدد التقرير أوجه هذه السياسة التي تثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن السلطات الإسرائيلية في تعاملها مع الفلسطينيين تمارس القمع الشديد الذي يصل إلى مستوى القتل غير المشروع وتصادر حرياتهم وأراضيهم. وتعاملهم كتهديد ديمغرافي وكمواطنين أقل درجة. وتقوم بأشكال التمييز العنصري الذي يتطلب أن يقوم المجتمع الدولي بمعاقبة إسرائيل عليه بدءاً بوقف توريد السلاح إليها وانتهاءً بمحاكمتها أمام المحكمة الجنائية الدولية باعتبارها مجرمة حرب.

هذا الوضوح في تفسير وشرح الجرائم والمخالفات والانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الشعب الفلسطيني الوطنية والإنسانية ربما يكون جديداً في منظمة «أمنستي»، ولكنه ليس جديداً لدى منظمات دولية وحتى إسرائيلية، وهو ينسجم مع القرارات الدولية وخاصة قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 3379  الذي اعتبر أن الصهيونية  «شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري»  وجرى التراجع عنه لاحقاً. ومع ذلك يكتسي أهمية بالغة في هذا التوقيت الذي تحاول فيه إسرائيل تسويق نفسها كدولة طبيعية، وأن احتلالها للأراضي الفلسطينية وقمعها للشعب الفلسطيني أمر طبيعي ويمكن التغاضي عنه، خاصة في ظل تطبيع علاقاتها مع الدول العربية وتوسيع نطاق تعاونها معها ومع دول الإقليم المختلفة.
 نحن لا نريد تكرار لوم الأشقاء العرب، ولا أي طرف إقليمي أو دولي مع أنه يحق لنا ذلك بموجب قرارات ومرجعيات متفق عليها، ولكن لنبدأ بأنفسنا أولاً. نحن من وافق على إلغاء قرار 3379. ونحن من يصمت على ممارسات إسرائيل وانتهاكاتها ويلتزم بالاتفاقات معها دون التزام من طرفها. ألسنا من يهدد إسرائيل ليل نهار بإعادة النظر في الاتفاقات معها. ألم تصدر قرارات عن المجلس المركزي السابق وجرى التأكيد عليها في المجلس الجديد قبل يومين؟
 في الواقع، تقرير أمنستي يفضح إسرائيل ويعريها دولياً ويرفع عنها وشاح الديمقراطية الكاذب، وحملة الأضاليل التي تمارسها بشكل دائم باعتبارها تنتمي للعالم المتحضر الذي يحترم حقوق الإنسان. ويعزز دور ومصداقية منظمات حقوق الإنسان الإسرائيلية، المتهمة في إسرائيل بالخيانة والعمل ضد الدولة والارتباط بجهات خارجية، ولولا كونها يهودية لاتهمت بمعاداة السامية. وفي نفس الوقت يفضح عجزنا وتكيفنا مع الواقع المأساوي الذي نعيش تحت الاحتلال والظلم.
 كل الفصائل الفلسطينية والجهات الرسمية وغير الرسمية رحبت وهللت لتقرير «أمنستي» الذي يعكس الحقيقة ويلقي الضوء على الظلم الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني، ولكن لا توجد خطوة واحدة عملية يقوم الفلسطينيون بها للاستفادة من التقرير والبناء عليه. وسنكرر مواقفنا وعباراتنا المعتادة وعملنا السياسي والدبلوماسي دون تغيير يذكر. وسنظل على مواقفنا الحالية بالتهديد دون الفعل، ودون أن يشعر المحتل بأن استمرار سياساته الاحتلالية لها ثمن باهظ سيضطر لدفعه.
 يخاف الإسرائيليون من وصمهم بالعنصرية لأنهم يرفعون شعارات «معاداة السامية» في وجه كل من ينتقد إسرائيل، ويحتكرون دور الضحية في التاريخ المظلم لأوروبا التي نكلت باليهود ودفعت ثمن ذلك بدعم لا محدود لإسرائيل والسماح بالتنكيل بالشعب الفلسطيني. واليوم المجتمع المدني في أوروبا والغرب ينتفض في وجه سيف «اللاسامية» الكاذب، ويعيد إسرائيل لوضعها الحقيقي كدولة «أبارتهايد» عنصرية ترتكب جرائم حرب ضد الشعب الفلسطيني، ولا أحد يستطيع أن يبرر لها ذلك أو يغطي عليها. صحيح أن الدول الغربية لا تزال بعيدة عن اتخاذ خطوات أو مواقف تنسجم مع قيم العدالة وحقوق الإنسان، ولا تزال تكيل بمكيالين في كل ما يتعلق بحقوق الفلسطينيين، وبعضها لا يزال يقف مع إسرائيل ظالمة، ولكن صحيح أيضاً أن الرأي العام الدولي يتغير وخاصة في الولايات المتحدة وأوروبا تجاه السياسات الإسرائيلية التي تقضي على مبدأ حل الدولتين. وتقارير منظمات مثل «أمنستي» في أوروبا و»هيومان رايتس ووتش» في الولايات المتحدة هي في الواقع تعكس الضمير العالمي الذي لا يستطيع تجاهل الظلم.
  نحن نرحب ونعيد ونكرر ما يصدر عن المنظمات الحقوقية الإسرائيلية مثل «بتسيلم» وغيرها باعتباره دليلاً على الانتهاكات الإسرائيلية ولكننا في تفس الوقت نعارض التعاون مع هذه المنظمات، وكذلك مؤسسات المجتمع المدني الإسرائيلية تحت يافطة «محاربة التطبيع»، مع أن هذه المنظمات تتحدى السياسة الإسرائيلية الجائرة وتحاربها وتنتصر لحقوق الشعب الفلسطيني. وسنظل نكرر نفس الشعارات ونفس عبارات التهديد والوعيد، ولا نقوم بأي ممارسة جدية لتقصير عمر الاحتلال وإنهائه. وسنتجاهل أوضاعنا الداخلية البائسة. وسنواصل دعواتنا للمجتمع الدولي للانتصار لحقوقنا ولكن دون فعل حقيقي على الأرض، دون وحدة ودون برنامج نضالي ودون بحث جدي في كيفية دفع قضيتنا إلى الأمام. وكل شيء لدينا يتراجع ما عدا الشعارات الفارغة من أي مضمون فعلي أو حقيقي.

مركز الناطور للدراسات والأبحاث  Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى