أقلام وأراء

أسعد عبود: لماذا تحولت باخموت محوراً للحرب؟

أسعد عبود 24-5-2023: لماذا تحولت باخموت محوراً للحرب؟

لا تعتبر مدينة باخموت في منطقة دونيتسك بشرق أوكرانيا، شاهداً على ضراوة الحرب فحسب، وإنما تنظر إليها موسكو وكييف، على أنها قد تشكل نقطة تحول في الميدان.

دفع الروس والأوكرانيون ثمناً باهظاً للاستئثار بالمدينة التي تحولت “مسلخاً” بشرياً بكل ما للكلمة من معنى. وإذا كانت التقديرات الغربية تتحدث عن مقتل وجرح ما لا يقل عن مئة ألف جندي روسي في المعارك الدائرة من حولها وداخلها منذ عشرة أشهر، فلا بد من أن يكون عشرات الآلاف من الجنود الأوكرانيين قد قتلوا أو جرحوا فيها، أيضاً.

بدا من العناد الروسي والأوكراني للتشبث بالمدينة، وكأنها تحولت إلى مؤشر لما هو آتٍ من معارك. من يربح باخموت يربح الحرب. أو هكذا أضحت المعادلة. الروس يقولون إن المدينة على رغم صغرها، تشكل قيمة إستراتيجية كونها تقع على عقدة مواصلات رئيسية، والسيطرة عليها تؤخر الإمدادات للجيش الأوكراني إلى ما تبقى من منطقة دونيتسك، وتفتح الطريق أمام استكمال التقدم إلى مدينتي سلوفيانسك وكراماتورسك، وهما آخر معقلين رئيسيين لأوكرانيا في المنطقة.

الأوكرانيون يقولون إن التشبث بالمدينة، يحتل، إلى مرتبته الرمزية، أهمية كبيرة من الناحية التكتيكية لجهة استنزاف أكبر عدد ممكن من القوات الروسية، وجلهم من قوات النخبة، بما يسهل على الجيش الأوكراني لاحقاً شن هجومه المضاد المنتظر. أي أن باخموت تستخدمها أوكرانيا كمصيدة للجيش الروسي، من أجل إنهاكه وجعله في وضعية أضعف بكثير عندما تبدأ القوات الأوكرانية بالتقدم في مناطق أخرى من جبهة تمتد على طول أكثر من ألف كيلومتر. وهذا ما يفسر إصرار القيادة الأوكرانية على عدم الإنسحاب من المدينة على رغم النصائح الغربية للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بالإنسحاب، وتوفير القوة الأوكرانية للهجوم المضاد.

وفي الأيام الأخيرة، بدأت أوكرانيا هجوماً معاكساً على ضواحي باخموت، تاركة الجيش الروسي ومقاتلي شركة “فاغنر” العسكرية الخاصة يتوغلون داخل المدينة، وكأن ثمة خطة أوكرانية لتطويق المدينة ومحاصرة الروس في داخلها. ولا يخفي الجنرالات الأوكرانيون هذا الاحتمال، عندما يُسألون عن الأمر.

وفي انتظار الهجوم الأوكراني المضاد، الذي لا يعرف توقيته بالضبط ولا المكان الذي سينطلق منه، وحدها جبهة باخموت بقيت الجبهة المتحركة. وفي الصيف والخريف الماضيين، بينما كانت القوات الروسية تتراجع في منطقتي كييف وخيرسون، كان الجيش الروسي ومقاتلي “فاغنر” بقيادة يفغيني بريغوجين المشهور بلقب “طباخ بوتين” يتقدمان ببطء شديد في ضواحي باخموت.

واتخذ القتال في باخموت بعداً آخر ضمن الجبهة الروسية. ذلك، أن بريغوجين اتهم علناً في تسجيلات نشرها على وسائل التواصل الاجتماعي، وزيري الدفاع الروسي سيرغي شويغو ورئيس الأركان الجنرال فاليري غيراسيموف، بعدم تزويد مقاتليه، ومعظمهم من السجناء المدانين، بما يكفي من الذخائر، ووصل به الأمر إلى التهديد بالانسحاب من المدينة، تحت طائلة انهيار الجبهة.

وبذلك، سلطت معركة باخموت، الضوء على صراع خفي بين الجيش الروسي التقليدي ومجموعة “فاغنر” التي برزت إلى الوجود عام 2015، ولعبت أدواراً في الحرب السورية وفي ليبيا وأفريقيا الوسطى ومالي وبوركينا فاسو والسودان.

وبدأت التساؤلات حول الخلفيات التي تدفع ببريغوجين إلى التجرؤ على شويغو وغيراسيموف، هل هو طموح هذا الشخص المعروف بقربه من بوتين، إلى لعب دور سياسي في المستقبل، أم أن انتقاداته تحركها دوائر غير بعيدة من الكرملين؟

زاد الصراع بين قائد “فاغنر” وقادة الجيس الروسي، من التركيز على باخموت وجعلها في الدائرة المركزية لوسائل الإعلام الغربية، على قدر موازٍ مع ما يجري على جبهة القتال التقليدية مع الجيش الأوكراني.

وصار السؤال البديهي الذي يطرح على روسيا وأوكرانيا، هو ماذا بعد باخموت؟ وفي أي وجهة سيمضي الميدان في حرب لا يلوح في الأفق أي مؤشر على نهاية قريبة لها؟.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى