أقلام وأراء

أسعد عبود: كارثة نووية أخرى تدعى زابوريجيا

أسعد عبود 21-08-2022

تحولت محطة زابوريجيا النووية الأوكرانية إلى عنوان أساسي في الحرب الروسية – الأوكرانية الدائرة منذ نحو ستة أشهر، من دون أن تلوح في الأفق بوادر على احتمال التوصل إلى تسوية سياسية أو وقف للنار.
وتتبادل روسيا وأوكرانيا الاتهامات بقصف أكبر محطة نووية في أوروبا. ومن الممكن أن يتسبب أي تسرب إشعاعي بكارثة على غرار كارثة تشرنوبيل عام 1986، وتطاول أوكرانيا وروسيا ودولاً أوروبية وربما أبعد من القارة.
وهذا الخطر احتمال جدي في ضوء استمرار الاشتباكات في محيط المحطة الواقعة في جنوب أوكرانيا، حيث تتصدى القوات الروسية لهجوم أوكراني مضاد في المنطقة. وصدرت تحذيرات عن قادة دوليين وعن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش. ومن الواضح أن كلاً من روسيا وأوكرانيا يستخدم المحطة في خدمة الأعمال الحربية في المنطقة.
وزابوريجيا هي جزء من المشكلة الأوكرانية الأعم التي تشكل إخفاقاً للدبلوماسية وانتصاراً للغة الحرب، التي دخلت على ما يبدو مرحلة هي الأخطر. فالأسلحة الغربية المتطورة التي تسلمتها أوكرانيا لا سيما الأميركية منها، نجحت على ما يبدو في وقف الهجوم الروسي على كل الجبهات، والانتقال إلى الهجوم المضاد.
وتدل التفجيرات التي طاولت قواعد عسكرية روسية في شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا عام 2014، على أن القوات الأوكرانية باتت لها اليد الطولى في قصف الخطوط الخلفية للقوات الروسية ومستودعات الذخيرة وخطوط الإمداد والمطارات. وعلى رغم التكتم الروسي الرسمي عما يحدث في القرم، فإن تعيين قائد جديد لأسطول البحر الأسود قبل أيام، يثبت خطورة التطورات العسكرية في المنطقة. وهناك قادة عسكريون غربيون يتحدثون عن أن التفجيرات في القرم أدت إلى إخراج نصف المقاتلات الروسية من الخدمة الفعلية.
وفي الوقت نفسه، أعلنت الولايات المتحدة عن مساعدة عسكرية جديدة لأوكرانيا، وسط أنباء عن أن البنتاغون لم يعد يتحفظ عن قصف أوكرانيا أهدافاً داخل الأراضي الروسية. وهذا تطور بالغ الخطورة يمكن أن يؤدي إلى صدام مباشر بين الولايات المتحدة روسيا وحلف شمال الأطلسي.
وحذرت مجلة “فورين أفيرز” الأميركية قبل أيام في مقال بقلم أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة شيكاغو جون ميرشايمر، من أن تضارب المصالح بين أطراف النزاع الأوكراني، هو السبب في اعتقاد المراقبين أن التوصل لتسوية من طريق التفاوض لن يحدث في المدى القريب.
وشدد ميرشايمر على أنه توجد 3 طرق أساسية كامنة في مسار الحرب: فإما أن يعمد أحد الطرفين أو كلاهما إلى تحقيق النصر، أو يلجأ أحدهما أو كلاهما إلى التصعيد لتفادي الهزيمة، أو أن يشتد أوار القتال ليس عن عمد، بل عن غير قصد. غير أنه رأى أن أي طريق من هذه الطرق تنطوي على احتمال انخراط الولايات المتحدة في القتال أو دفع روسيا إلى استخدام الأسلحة النووية، وربما كلا الاحتمالين.
وتنطوي الاحتمالات الثلاث على تصعيد من شأنه أن يجعل الحرب تتوسع وتتسبب بدمار لا سابق له للبشرية في حال اللجوء إلى استخدام الأسلحة النووية، إذا ما شعرت روسيا بأنها على حافة هزيمة ساحقة. وهذا سيحمل الولايات المتحدة على الرد بضربة نووية هي الأخرى، ما يضع تاريخ الحضارة على المحك.
وعلى رغم إدراك هذه النتائج الكارثية، لم يبادر أحد إلى التقدم باقتراح جدي للسلام، ولا تزال موسكو مقتنعة بإمكان ربح الحرب، بينما أوكرانيا هي اليوم أكثر اقتناعاً بأنها قادرة بواسطة الدعم الأميركي على إلحاق هزيمة بروسيا وإرغامها على سحب جيشها من كامل الأراضي الأوكرانية.
إنها ليست معضلة روسيا وأوكرانيا وحدهما، بل هي معضلة أوروبا والعالم الذي يسير إلى نهايته عامداً متعمداً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى